سيستقبل مرفأ طولون في جنوب فرنسا سفينة "أوشن فايكينج" للمهاجرين العالقين في البحر المتوسط وسيتمّ "نقل ثلث" الركاب إلى فرنسا، على ما أعلن الخميس وزير الداخلية الفرنسية جيرالد دارمانان الذي دان "الخيار غير المقبول" لإيطاليا بعدم استقبال السفينة.
وتوقّع الوزير الفرنسي، عقب اجتماع حكومي، أن تصل السفينة الموجودة حالياً قبالة كورسيكا وعلى متنها 231 مهاجرًا، "بعد ظهر الجمعة" إلى طولون.
وأوضح أن فرنسا ستستقبل السفينة "على أساس استثنائي، نظراً لفترة 15 يوماً من الانتظار التي أخضعت السلطات الايطالية الركاب لها".
ولفت إلى أن الركاب الذين لا يستوفون شروط طلب اللجوء سيتم "ترحيلهم مباشرة".
ودان دارمانان "الخيار غير المقبول" لإيطاليا بعدم استقبال السفينة، معتبراً أن هذه الأخيرة "اختارت عدم التصرف كدولة أوروبية مسؤولة".
عواقب وخيمة
رداً على ذلك، قررت فرنسا التعليق "الفوري" للمشروع المقرر للصيف لاستقبال 3500 لاجئ متواجدين حالياً في ايطاليا.
وذكّر وزير الداخلية الفرنسية بأن هناك آلية أوروبية تسمح بنقل اللاجئين في دول أوروبية إلى أخرى، لا سيما اللاجئين الواصلين إلى ايطاليا، في إطار القانون الدولي وقانون البحار.
ودعا "جميع الأطراف الأخرى (في هذه الآلية)، لاسيما ألمانيا" إلى تعليق خطتهم لاستقبال لاجئين موجودين حالياً في ايطاليا.
وأشار إلى أن فرنسا ستتخذ إجراءات "لتعزيز مراقبة الحدود" مع إيطاليا. وقال "من الواضح أنه ستكون هناك عواقب وخيمة جداً على علاقاتنا الثنائية".
أجواء متوترة
وتصاعد التوتر بين فرنسا وإيطاليا، الأربعاء، بشأن استقبال السفينة "أوشن فايكينج".
وفي وقت كانت السفينة التابعة للمنظمة غير الحكومية "إس أو إس متوسط"، وعلى متنها 234 مهاجراً، متوجهة إلى فرنسا بعد استنكارها "صمت إيطاليا الذي يصم الآذان"، يدور خلاف دبلوماسي بين البلدين.
وأوضح مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة جورجيا ميلوني أنها "شكرت فرنسا" التي وافقت على "استقبال السفينة في أحد موانئها". لكنها واجهت نفياً من السلطات الفرنسية التي دانت "السلوك غير المقبول" للنظراء الإيطاليين "المخالف لقانون البحار ولروح التضامن الأوروبي"، كما ذكر مصدر حكومي لوكالة "فرانس برس".
ودعا المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران إيطاليا، الأربعاء، إلى أن "تقوم بدورها" و"تحترم التزاماتها الأوروبية" عبر استقبال السفينة.
وقال فيران إن "السفينة موجودة حالياً في المياه الإقليمية الإيطالية وهناك قواعد أوروبية واضحة جداً قبلها الإيطاليون، الذين هم في الواقع المستفيد الأول من آلية التضامن المالي الأوروبية".
"موقف إيطالي غير مقبول"
وأضاف الناطق الفرنسي أن "الموقف الحالي للحكومة الإيطالية، ولا سيما التصريحات، ورفض السماح لهذه السفينة بالرسو، أمر غير مقبول".
ولاحقاً، دافعت ميلوني عن نهجها الصارم الجديد حيال قضية الهجرة، مؤكدةً أن "على متن هذه السفن، ليس هناك ناجون إنما مهاجرون".
ودعت المفوضية الأوروبية مساء، الأربعاء، إلى "الإنزال الفوري في الميناء الآمن" الأقرب للمهاجرين على متن "أوشن فايكينج".
وقالت المفوضية في بيان إن "الوضع على متن السفينة بلغ مستوى حساساً، ويحتاج إلى حلّ عاجل لتجنّب مأساة إنسانية".
من جانبها، وجّهت الأمم المتحدة لإيطاليا والاتحاد الأوروبي نداء تضامن حيال المهاجرين. وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان "إيطاليا والاتحاد الاوروبي: السياسة لا يجب أن تُمارس على حساب أشخاص في محنة".
استعداد فرنسا
وأكد رئيس السلطة التنفيذية في كورسيكا جيل سيميوني، مساء الثلاثاء، أن الجزيرة الفرنسية "مستعدة إذا لزم الأمر لاستقبال أوشن فايكنج مؤقتاً في أحد موانئها".
من جانبه، صرّح رئيس بلدية مرسيليا، جنوب شرق فرنسا، بينوا بايان، لوكالة "فرانس برس"، الأربعاء، أنه "حضّ الحكومة الفرنسية بأنه شرف لنا، شرف لفرنسا أن نستقبلهم".
وكانت باريس وروما تواجهتا قبل أربع سنوات بشأن السفينة "أكواريوس"، التابعة للمنظمة غير الحكومية نفسها، وكانت تقل 629 مهاجراً.
وقال الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "إيفري" ماتيو تارديس: "نشهد مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا، تفتح ثغرة لأوضاع أخرى من هذا النوع، لأن إيطاليا تشكك بوضوح في الاتفاقية الأوروبية (للتضامن) التي كانت لصالحها".
وأضاف أن المنظمة "لم يكن موقفها يوماً طلب الرسو في ميناء فرنسي، إذ أنها طبّقت دائماً القانون البحري، أي الرسو في أقرب ميناء آمن".
وبمعزل عن ركاب "أوشن فايكينج" اضطرت سفن عدّة لإجراء مفاوضات صعبة في الأيام الأخيرة من أجل إنزال مهاجرين، مع الحكومة الإيطالية الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تعهدت بتبني موقف صارم حيال المهاجرين.
وأكد وزير الخارجية الايطالي أنتونيو تاجاني في مقابلة نشرت، الأربعاء، أن النهج الجديد المتشدد لإيطاليا في مجال سياسة الهجرة هو "رسالة لحض الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي على لعب دورها".
وقال إن قرار فرنسا استقبال سفينة "إس أو اس متوسط" التي أرادت الرسو في إيطاليا يثبت ان هذه الاستراتيجية تعمل رغم أن باريس لم تؤكد مثل هذا العرض.
وقال الوزير الإيطالي "نحن ممتنون لفرنسا التي أظهرت رغبة في اتخاذ قرار يخفف الضغط عن إيطاليا ما يثبت أنها تفهم ضرورة وجود مقاربة تضامن حازمة بين دول الاتحاد الأوروبي".
إنزال ركاب
وسمحت روما في البداية لجزء فقط من الناجين الذين حاولوا العبور بين سواحل شمال إفريقيا وأوروبا بالنزول إلى الرصيف، ما أثار استياء منظمات إنسانية.
وفي نهاية المطاف سمحت لثلاث سفن إسعاف بإنزال كل ركابها الثلاثاء.
وبين هذه السفن "رايز أباف" (Rise Above) وهي سفينة تابعة للمنظمة غير الحكومية الألمانية "لايفلاين"، التي تمكنت من نقل جميع المهاجرين البالغ عددهم 89 مهاجراً إلى أقصى جنوب إيطاليا.
ومساء الثلاثاء، تمكنت السفينتان التي ترفع العلم الألماني "هيومانيتي 1" التابعة لمنظمة "اس او اس هيومانيتي" (SOS Humanity) و"جيو بارنتس" التابعة لمنظمة "أطباء بلا حدود" من إنزال حوالي 250 شخصاً في ميناء كاتانيا بعد موافقة الإيطاليين.
وتشهد إيطاليا هذا العام زيادة حادة في عدد الذين دخلوا أراضيها عن طريق البحر، حسب أرقام وزارة الداخلية التي تفيد بأن 88 ألفاً و100 شخص وصلوا إلى سواحلها منذ الأول من يناير، مقابل نحو 56 ألفاً و30ألف و400 على التوالي خلال الفترة نفسها من 2021 و2020، عاما جائحة كورونا.
اقرأ أيضاً: