أعلن القصر الملكي الماليزي، الخميس، تعيين المعارض أنور إبراهيم رئيساً للوزراء في ماليزيا، ما يضع حداً لحالة من عدم اليقين شهدتها البلاد، بعدما فشل أي من تحالف المعارضة والكتلة المنافسة له في الحصول على الغالبية في الانتخابات التشريعية.
ونهاية الأسبوع الماضي، فاز تحالف "باكاتان هارابان" (الأمل) المعارض بزعامة إبراهيم بـ82 مقعداً في مجلس النواب من أصل 222، مقابل 73 للتحالف الوطني "بيريكاتان ناسيونال" بزعامة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين.
واستدعى ملك ماليزيا السلطان عبد الله أحمد شاه الخصمين إلى القصر في محاولة لحل الأزمة، إذ طلب الملك منهما تشكيل "حكومة وحدة". ويأتي تعيين أنور تتويجاً لرحلة طويلة دامت 3 عقود، تقلب فيها من وريث واضح للزعيم المخضرم مهاتير محمد، إلى سجين، ثم زعيم للمعارضة لفترة طويلة.
زعيم طلابي
صنع أنور إبراهيم، البالغ من العمر 75 عاماً، اسمه لأول مرة كزعيم طلابي، إذ أسس "حركة الشباب الإسلامية" في ماليزيا، ثم فاجأ الكثيرين بالانضمام إلى "المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة" (UMNO)، الحزب الحاكم منذ فترة طويلة، في عام 1982.
وأثبتت تلك الخطوة إنها "فكرة سياسية حكيمة"، إذ صعد أنور إبراهيم السلم السياسي، وتقلّد مناصب وزارية متعددة.
وأصبح في عام 1993 نائباً لرئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يخلفه، لكن التوترات بدأت بعد الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 حول الاقتصاد والفساد.
اتهامات تقضي بالسجن
وفي سبتمبر من عام 1998، أقيل أنور إبراهيم وقاد احتجاجات عامة وحركة إصلاحية من شأنها أن تؤثر على جيل من نشطاء الديمقراطية الماليزيين.
لكن ألقي القبض عليه لاحقاً ووجهت إليه تهم عدة بينها "الفساد"، نفاها في المحاكمة المثيرة للجدل التي أعقبت ذلك، معتبراً أنها تهم "ذات دوافع سياسية"، هدفها إنهاء حياته المهنية، وفق ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
واندلعت احتجاجات عنيفة، عندما حكم عليه بالسجن 6 أعوام بتهمة "الفساد"، وبعد عام حُكم عليه بالسجن لمدة 9 سنوات بسبب اتهامات بـ"المثلية".
وفي أواخر العام 2004، بعد عام من تنحي مهاتير عن منصبه كرئيس للوزراء، ألغت المحكمة العليا في ماليزيا الحكم الأخير، وأطلقت سراحه.
معارضة متنامية
وبعد إطلاق سراحه، برز أنور إبراهيم كرئيس فعلي للمعارضة التي تم تنشيطها حديثاً، والتي سجلت أداءً قوياً في انتخابات عام 2008.
وفي تحول مفاجئ للأحداث في عام 2016، أعلن منافسه السابق مهاتير أنه سيخرج من التقاعد للترشح لمنصب أعلى مرة أخرى.
ومن أجل تنظيم عودته، أبرم مهاتير صفقة مع أنور إبراهيم، إيذاناً ببداية لم شمل سياسي غير عادي، إذ تعهد بإطلاق سراح أنور من السجن، وبدأ بإصدار عفو كامل عنه، وأشار إلى أنه سيسلمه السلطة في غضون عامين.
وقاد مهاتير تحالف "باكاتان هارابان" للفوز في الانتخابات التاريخية التي جرت عام 2018، إذ دمج 4 أحزاب في أول تحالف متعدد الأعراق، حيث حصل على الدعم من الأغلبية المسلمة، والملايو، والأقليات الصينية والهندية الكبيرة في البلاد.
وفي فبراير من عام 2020، أدت استقالة مهاتير غير المتوقعة إلى انهيار التحالف، ما دفع ماليزيا إلى فترة غير مسبوقة من الاضطرابات السياسية.
وبعد انهيار الحكومة الجديدة، أعيدت المنظمة الوطنية المتحدة للملايو إلى السلطة، وعُين محي الدين ياسين رئيساً جديداً للوزراء. ولكن بعد أكثر من عام بقليل في ذروة جائحة كورونا، استقال محي الدين بعد أشهر قليلة مضطربة، جعلته يفقد دعم الأغلبية في البرلمان.
وفي أكتوبر 2022، أعلن خليفته، إسماعيل صبري يعقوب انتخابات مبكرة، إذ اعتقدت المنظمة من خلال سلسلة من الانتصارات في الانتخابات الفرعية، بأنها يمكن أن تستعيد السلطة.
وبدلاً من ذلك، ظهر تحالف "باكاتان هارابان" الذي يتزعمه أنور بأكبر عدد من المقاعد، رغم أنه لا يزال يفتقر إلى الأغلبية البسيطة اللازمة لتشكيل حكومة. وبعد أيام من الجمود أعلن ملك البلاد تعيين أنور تتويجاً لانتظار دام 25 عاماً.