بايدن يستضيف القمة الإفريقية.. عين على بكين وأخرى على موسكو

الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (الخامس من اليسار) مع قادة أفارقة- 6 أغسطس  2014.  - Reuters
الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (الخامس من اليسار) مع قادة أفارقة- 6 أغسطس 2014. - Reuters
دبي - رينا سماوي

بعد 8 سنوات من انعقادها في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، تناقش القمة الأميركية - الإفريقية التي يستضيفها الرئيس جو بايدن، الثلاثاء، والتي تستمر لمدة 3 أيام بمشاركة أكثر من 40 من القادة الأفارقة، ملفات عدة، في مقدمها الأمن الغذائي وتأثير الغزو الروسي على القارة السمراء، فضلاً عن التأثيرات الصينية، والتحديات الأمنية، والتغير المناخي، ومجالات الاستثمار.

صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قالت إن لدى بايدن "فرصة نادرة" لاستمالة الدعم من الدول الإفريقية، التي تضررت بشكل خاص من عواقب غزو أوكرانيا، خصوصاً نقص القمح، واضطراب الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار الأسمدة والوقود.

وستتضمن القمة جلسات تبحث الأمن الغذائي والزراعة، وهي قضايا يتوق القادة الأفارقة لمناقشتها. وفي السياق، أعلن البيت الأبيض الاثنين، أن الولايات المتحدة ستلتزم بتقديم 55 مليار دولار لإفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ضمن إطار الدعم الاقتصادي والصحي والأمني.

وفي كلمة خلال حفل استقبال المبتكرين الأفارقة كجزء من القمة، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: "لا يمكننا حل أي من التحديات الإقليمية التي نواجهها، ما لم نعمل معاً".

ورأى أن "إفريقيا لا تحتاج إلى المساعدة، إنها بحاجة إلى الابتكار. هذا ما يمكننا فعله مع الدول الإفريقية، وليس ما يمكننا القيام به من أجلهم".

"الحياد" الإفريقي 

ويعد حشد تحالف عالمي واسع لدعم أوكرانيا من بين أهم إنجازات بايدن في السياسة الخارجية، في وقت تواجه العديد من الدول الأوروبية شتاءً بارداً وانقطاعاً في إمدادات النفط والغاز الروسية، لكن الدول الإفريقية كانت على الدوام من بين الدول الرافضة لدعم أوكرانيا، بحجة أنها تعاني أسوأ آثار الصراع "ولا ترى فائدة تذكر في إثارة غضب روسيا".

ودان الاتحاد الإفريقي الغزو الروسي، لكن العديد من دول القارة حاولت أن تظل "محايدة"، لأن لديها علاقات طويلة الأمد مع روسيا والولايات المتحدة، وتعتمد على المساعدة من كليهما، رغم أن الولايات المتحدة تقوم باستثمارات أكبر. وظهر ذلك بشكل صارخ في الأمم المتحدة، إذ قرر العديد من الدول الإفريقية الامتناع عن التصويت لصالح المبادرات التي تدعمها الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، رغم الضغط الذي تمارسه إدارة بايدن.

وفي هذا الصدد، قال مسؤول كبير في الإدارة على دراية بالمناقشات لصحيفة "واشنطن بوست"، إن القادة الأفارقة أوضحوا للبيت الأبيض ومسؤولي الإدارة أنهم يريدون ببساطة "إنهاء الغزو"، مشيراً إلى اختلافات تتعلق بـ "التكتيكات التي يجب استخدامها للتوصل إلى تسوية"، إذ يعارض القادة الأفارقة فكرة معاقبة روسيا، أو الإصرار على أن كييف يجب أن توافق على أي حل، لكنهم يسعون لرؤية حل دبلوماسي.

وقبيل القمة المرتقبة، أعلن البيت الأبيض دعم بايدن انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين للاقتصادات العالمية الكبرى، في خطوة لطالما سعى القادة الأفارقة إلى تحقيقها، وهو ما فسرته الصحيفة بأنه محاولة "تقرّب" من القادة الأفارقة، وسط صراع حاد بين واشنطن وبكين من أجل النفوذ في القارة.

إعلان بايدن المتوقع هذا الأسبوع عن دعم الولايات المتحدة محاولة الاتحاد الإفريقي ليصبح عضواً دائماً في مجموعة العشرين، من شأنه أن يمنح الدول الإفريقية "جائزة طال انتظارها"، إذ أعرب القادة الأفارقة لسنوات عن إحباطهم من استبعادهم من المناقشات بشأن الشؤون العالمية والأزمات التي تؤثر عليهم، بما في ذلك تداعيات جائحة فيروس كورونا.

وسعى البيت الأبيض إلى ضمان "صبر الأفارقة" ومنعهم من الوقوف إلى جانب موسكو، من خلال تقديم المساعدات الغذائية والأولويات الأخرى، لكن من غير الواضح إلى متى يمكن لبايدن الحفاظ على الاتفاق الهش مع الدول الإفريقية، إذ يقترب الغزو المستمر منذ فبراير الماضي من شهره الـ11، مع عدم وجود نهاية في الأفق، ووسط تعهد أميركي غربي بمواصلة دعم أوكرانيا عسكرياً "مهما تطلب الأمر".

استياء إفريقي

من جانبه، قال مفيمبا ديزوليلي مدير برنامج إفريقيا في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" لـ"واشنطن بوست": "يصبح التحدي عندما تطلب الولايات المتحدة من الأفارقة اتخاذ جانب معين".

وأضاف: "هناك شعور بالاستياء بين العديد من الدول بشأن مقدار الأموال والموارد التي تذهب إلى أوكرانيا، إذ التزمت الولايات المتحدة حتى الآن بأكثر من 60 مليار دولار، وطلبت الإدارة أقل قليلاً من 40 مليار دولار في أحدث ميزانية قدمت للكونجرس، والتي لا تزال قيد التفاوض".

وأوضح أن العديد من الأفارقة يشعرون بأن هذه الموارد والاهتمام "لم تكرّس لمشاكلهم أبداً، سواء الصراع في جمهورية الكونجو الديمقراطية، أو الحرب الأهلية في إثيوبيا، أو الحرب في جمهورية إفريقيا الوسطى".

وزاد ديزوليلي: "بينما يقدر قادة القارة قرار بايدن بعقد أول قمة أميركية - إفريقية منذ 2014، فإنهم سيقيسون أيضاً حجم أي مساعدات أو إعلانات استثمار، وسينظرون في ما إذا كان بايدن ملتزماً بعقد قمة لاحقة، أو حتى زيارة رئاسية للقارة".

ولفت ديزوليلي إلى أن تأثير قرار إدارة بايدن الواضح بعدم عقد أي اجتماعات ثنائية رسمية مجدولة مع القادة الزائرين ستعتمد على الأرجح على نطاق تلك الالتزامات.

تأكيد مبدأ الشراكة

وتسعى الإدارة الأميركية إلى تأكيد "مبدأ الشراكة" في تفاعلها مع الدول الإفريقية، ما يسلط الضوء على ما يمكن أن تقدمه واشنطن وسط المنافسة العالمية العميقة على النفوذ مع القوى العالمية الأخرى، وعلى رأسها الصين وروسيا.

وبينما تستثمر بكين المليارات في مشاريع البنية التحتية الإفريقية، وتساعد القوات شبه العسكرية المدعومة من روسيا في تدريب الجيوش الإفريقية، قدمت الولايات المتحدة وعوداً بمزيد من المساعدات الغذائية واستثمارات في الزراعة والطاقة الخضراء.

وتحدث بايدن مع رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في محاولة لمكافحة ما تعتبره الولايات المتحدة "معلومات خاطئة" عن القارة حول غزو أوكرانيا، بما في ذلك فكرة أن أزمة الغذاء ناجمة عن العقوبات الغربية على روسيا، لكن جنوب إفريقيا، الدولة الإفريقية الوحيدة حالياً العضو في مجموعة العشرين، لا تزال من بين الدول التي لم تدعم قرارات الأمم المتحدة التي تدين روسيا.

وجاء في بيان لوزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة "تعرف أنه في معظم التحديات والفرص الملحة التي نواجهها، ستحدث إفريقيا الفرق، إذ لا يمكننا تحقيق أهدافنا في جميع أنحاء العالم، سواء إنهاء جائحة كورونا، أو بناء اقتصاد عالمي قوي وشامل، أو مكافحة أزمة المناخ، أو تنشيط الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، بدون قيادة الحكومات والمؤسسات الإفريقية".

بدائل غربية

الباحث الإفريقي في مجلس العلاقات الخارجية، إبينيزر أوباداري، قال إن معظم الدول الإفريقية كانت ستقف إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها، إذا شنت روسيا حربها في أوكرانيا قبل عقد من الزمان، لكن مع تعزيز موسكو مشاركتها مع دول القارة "يشعر العديد من القادة الأفارقة بأنهم ليسوا مضطرين إلى الاصطفاف تلقائياً مع الغرب، لوجود بدائل".

وما زاد من تعقيد جهود بايدن التزامه المعلن بوضع حقوق الإنسان في صميم سياسته الخارجية، كما وجه مسؤولو الإدارة أحياناً انتقادات علنية لدول إفريقية، ما أثار استياءً لدى قادتها.

تأثير الصين 

"معهد الولايات المتحدة للسلام"، رأى أن الصين تلعب دوراً مهماً في إفريقيا، إذ تؤثر على المصالح الأميركية، معدداً 10 مفارقات بين علاقة الصين بدول إفريقيا مقابل علاقة الولايات المتحدة.

وأشار إلى أن الصين تعقد منتدى "التعاون الصيني الإفريقي" كل ثلاث سنوات منذ عام 2000، والذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه وسيلة مهمة لتعزيز المصالح الدبلوماسية والتجارية الصينية. 

كما تعقد دول أخرى قمم إفريقيا أيضاً، بما في ذلك روسيا وتركيا واليابان، لكن القمة الأميركية - الإفريقية تعد الثانية، بعد قمة أولى عُقدت عام 2014. 

وزادت الصين بشكل منهجي من مشاركتها في إفريقيا لأكثر من 20 عاماً حتى الآن، إذ بدأت أنشطة الصين في إفريقيا بدعم بكين لحركات التحرير التي تحارب الحكم الاستعماري. 

وبدءاً من أواخر التسعينات، تكثفت المشاركة التجارية للصين، وتم إضفاء الطابع الرسمي عليها في عام 2013 من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، وهي جهود جيدة لبناء النفوذ السياسي وتنمية العلاقات التجارية في جميع أنحاء العالم النامي.

كما تشمل الأنشطة الرئيسية الإقراض لتطوير البنية التحتية التي صممتها وشيدتها الشركات الصينية، واستخراج الموارد من قبل شركات التعدين والطاقة الصينية. وفي حين أن بعض البلدان، بما في ذلك إثيوبيا وأنجولا وزامبيا، كانت ذات أولوية، فقد عززت الصين وجودها في معظم البلدان الإفريقية. 

وتعد الصين أكبر شريك تجاري ثنائي الاتجاه لإفريقيا، إذ بلغت قيمة تلك الشراكة العام الماضي 254 مليار دولار، متجاوزة بذلك أربعة أضعاف التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا، كما أن الصين تعد أكبر مزود للاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تدعم مئات الآلاف من الوظائف الإفريقية.

وبينما انخفض الإقراض الصيني للدول الإفريقية في الآونة الأخيرة، تظل الصين إلى حد بعيد أكبر مقرض لتلك الدول، إذ من المتوقع أن يزداد النشاط التجاري للصين في إفريقيا مع الصعود الدراماتيكي لاقتصادها، لا سيما بالنظر إلى حاجة الصين إلى المواد الخام لدعم قاعدتها التصنيعية الكبيرة جداً، لكن هذا النمو يمثل جهداً حازماً تقوده الحكومة الصينية لتحقيق تقدم كبير في إفريقيا.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات