تعهدت الولايات المتحدة بنشر الكثير من قدراتها العسكرية في المحيطين الهندي والهادئ في عام 2023، بشكل يجعل الصين تفكر مرات عدة قبل غزو تايوان، لكن المشرعين الأميركيين وحلفاء واشنطن يقولون إن "الأوان قد فات بالفعل".
ونقلت مجلة "بوليتيكو" الأميركية، عن إيلي راتنر مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، قوله في أوائل ديسمبر، إن "هذا الوعد كبير. ومن المرجح أن يكون 2023 العام الأكثر تحولاً في وضع القوة الأميركية في المنطقة منذ جيل".
لكن المشرعين الجمهوريين يقولون إن وزارة الدفاع "البنتاجون" تواجه تحدياً صعباً في الوفاء بهذا التعهد، لأن بكين تمتلك الآن قوة بحرية كبيرة بما يكفي لتحدي الهيمنة البحرية الأميركية منذ فترة طويلة في المحيطين الهندي والهادئ.
كما أن عمليات تسليم أسلحة أميركية بمليارات الدولارات إلى تايوان، متراكمة بسبب مشكلات سلسلة التوريد المتعلقة بجائحة كورونا، والتي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
حدود الالتزام
النائب مايك جالاجر (جمهوري من ويسكونسن) الذي سيصبح رئيساً للجنة اختيار مجلس النواب الجديدة بشأن الصين في الكونجرس القادم، قال: "لدينا التزام خطابي بتغيير وضع القوة في المحيطين الهندي والهادئ، لكن هذا يكذبه واقع ما يحدث بالفعل".
ورأى ألكسندر جراي، رئيس الموظفين السابق لمجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب أن "مواجهة التهديد العسكري الصيني ستتطلب بنية قوة بحرّية أكبر مما لدينا في المستقبل المنظور".
ويُغذي ذلك المخاوف من أن بكين قد تستغل ميزة قوتها البحرية المتنامية لشن غزو ضد تايوان، قبل أن يتمكن الجيش الأميركي من اللحاق بالركب، ما يثير صراعاً إقليمياً مدمراً من شأنه أن يجبر الولايات المتحدة إما على التدخل أو التخلي عن وعدها بحماية الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، وفقا لـ"بوليتيكو".
وأنفق "البنتاجون" مليارات الدولارات منذ عام 2021 على مبادرات تُركز على آسيا، بما في ذلك صيانة للقواعد، ونقل بعض القوات الأميركية داخل المنطقة، للحفاظ على "ميزة تنافسية" على الجيش الصيني.
وقال راتنر إن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، سيُصبح "أكثر فتكاً وأكثر قدرة على الحركة وأكثر مرونة في الأشهر الـ 12 المقبلة"، ملمحاً إلى أن شراكات جديدة قيد العمل، وقال إن التفاصيل بشأن ما سيعنيه ذلك عملياً ستأتي في أوائل 2023.
لكن المنتقدين يقولون إن الولايات المتحدة قد تكون متخلفة كثيراً عن الركب، بحيث تجعل هذا الهدف مستحيلاً.
ويخطط "البنتاجون" لخفض عدد سفنه البحرية مؤقتاً، وخفض عدد طائراته في المنطقة، ويستعد لاستبدالها بإصدارات أكثر حداثة.
وقد تجعل القيود المفروضة على بناء السفن الأميركية، من الصعب تنفيذ خطة لمساعدة أستراليا على بناء غواصات نووية، كجزء من استراتيجية مشتركة لردع الصين.
وقال النائب دون بيكون (جمهوري من نبراسكا)، عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب: "أنا شخصياً لا أعتقد أننا نتحرك بسرعة كافية لتغيير ميزان القوى في المحيط الهادئ لصالحنا".
ماذا عن تايوان؟
وفي حين زادت إدارة الرئيس جو بايدن من وتيرة الموافقات على مبيعات الأسلحة إلى تايوان، فإن نحو 19 مليار دولار من هذه الأسلحة، بما في ذلك صواريخ "هاربون" المضادة للسفن وصواريخ "ستينجر" أرض جو - لم يتم تسليمها بعد بسبب مشكلات سلسلة التوريد.
وقال جالاجر: "إلى أن يتحول كل هذا الحديث السعيد عن تسليح تايوان إلى حقيقة واقعة، ستكون في وضع محفوف بالمخاطر في ما يتعلق بالردع على المدى القريب".
وعلى الرغم من التحديات، يؤكد "البنتاجون" أنه ملتزم إعطاء الأولوية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون سويل إن الوزارة تسعى وراء الفرص التي "ستضيف المزيد من المرونة، وتعزز قدرة الجيش الأميركي على العمل إلى الأمام مع حلفائنا وشركائنا". وأضاف: "نتوقع تماماً أن يحقق هذا الالتزام والعمل الجاد المستمر نتائج ملموسة في عام 2023".
وفي الوقت ذاته، أصبحت الصين أكثر عدوانية في المياه المحيطة بتايوان. وتبني بكين المزيد من السفن الحربية، وترسل طائرات قاذفة قادرة على حمل رؤوس نووية إلى المجال الجوي لتايوان، وتهدد باستخدام القوة للسيطرة على الجزيرة.
وتضم البحرية الصينية 340 سفينة حربية، وتُعد حالياً الأكبر في العالم، ووصفها "البنتاجون" الشهر الماضي بأنها "قوة حديثة ومرنة بشكل متزايد". علماً أن لدى البحرية الأميركية 292 سفينة.
وأضاف جراي: "بعد فترة من الوقت تصبح القضية الكمية قضية نوعية، والصينيون يبنون مثل هذا التفوق الكبير في الكمية لدرجة أنها أصبحت مشكلة الردع الرئيسية".
تبرير صيني
من جانبها، تصرّ بكين على أنه لا يوجد ما يُهدد حشدها العسكري. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية وانج وون بين في سبتمبر: "تُطور الصين القدرات العسكرية اللازمة للدفاع عن مصالح أمنها القومي المشروعة، وهو أمر مشروع ومعقول تماماً".
لكن قلة في المنطقة فقط تصدق ذلك، بحسب "بوليتيكو"، إذ تحاول بعض القوى الإقليمية الاستعداد لمزيد من العدوان الصيني على افتراض أن الدعم الأميركي لن يكون قوياً.
ونشرت كل من اليابان وكوريا الجنوبية وثائق استراتيجية أمنية هذا الشهر، تهدف ضمنياً إلى التصدي للتهديد المتزايد من الصين.
فعلى سبيل المثال، وافقت اليابان، الجمعة، على أكثر من 2 مليار دولار من الإنفاق الدفاعي لشراء مئات صواريخ "توماهوك" و"كروز" بعيدة المدى.
وفي استراتيجية كوريا الجنوبية الجديدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي نشرت، الثلاثاء، من دون أن تتطرق لذكر الصين، التزمت سول بتوسيع التعاون الأمني الإقليمي "في محاولة للدفاع ضد التهديدات للديمقراطية وحماية الممرات البحرية في المحيطين الهندي والهادئ".
وأشاد "البنتاجون" باستراتيجية اليابان الجديدة، وأشار وزير الدفاع لويد أوستن في بيان إلى "مواءمة مهمة" بين استراتيجية اليابان والرؤية المحددة في استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية.
لكن لا اليابان ولا كوريا الجنوبية لديهما معايير عسكرية للأمن السيبراني تسمح بالنقل الآمن للبيانات العسكرية التكتيكية الأميركية في الوقت الفعلي، حسبما يقول بعض الخبراء. وهذا يجعل من الصعب على الولايات المتحدة تنسيق تدابير الرد العسكري المشتركة بسرعة وأمان مع طوكيو وسول في حالة نشوب أعمال عدائية مع الصين.
دعم الحلفاء
الولايات المتحدة أشركت بعض الحلفاء لمساعدتها على مواجهة المزايا العسكرية الإقليمية غير المتوازنة بشكل متزايد لبكين. وفي منطقة يتكون معظمها من المياه، يعتمد الجيش الأميركي على الدعم اللوجستي من الشركاء الإقليميين مثل الوصول إلى القواعد والموانئ.
وقال راتنر إن الإدارة الأميركية أمضت العامين الماضيين في البناء على عمل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لإشراك الحلفاء بهدف زيادة هذا الدعم.
وأشار مسؤولو الدفاع إلى اتفاقية "AUKUS" الثلاثية والتي بموجبها ستساعد الولايات المتحدة وبريطانيا أستراليا في الحصول على الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية إلى جانب التكنولوجيا الأخرى، كمثال على ذلك. حتى أن هناك فرصة لانضمام اليابان إلى الاتفاقية، مع نمو العلاقات الأمنية بين كانبيرا وطوكيو.
وفي الوقت ذاته، تعمل الفليبين التي اضطرت إلى صد التوغلات المستمرة من قبل السفن الصينية في مياهها، على بناء مشاريع مشتركة حالية مع الولايات المتحدة واستكشاف مواقع جديدة.
وقد يسمح ذلك للبحرية الأميركية بالعودة إلى قاعدتها السابقة في خليج سوبيك بعد أكثر من 3 عقود من انسحاب القوات الأميركية بناء على طلب الحكومة الفليبينية.
ويعمل سلاح مشاة البحرية على فتح قاعدة جديدة، كامب بلاز، في جزيرة جوام، وهي أول منشأة جديدة لسلاح مشاة البحرية منذ 70 عاماً.
إلى ذلك، تتسابق وزارة الخارجية الأميركية لتجديد اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية التي ستنتهي قريباً مع الدول الجزرية في المحيط الهادئ (بالاو وميكرونيزيا وجزر مارشال). وتوفر هذه الصفقات للولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى الموانئ التي يمكن من خلالها نشر القوة البحرية والجوية.
لكن هذا قد يكون قليلاً جداً ومتأخراً جداً.
وشدد راتنر في خطابه على أن ردع الصين عن غزو تايوان يُمثل أولوية طويلة المدى للبنتاجون، وقال: "إنها مشكلة اليوم ومشكلة الغد".
اقرأ أيضاً: