بعد مرور أكثر من 9 سنوات على انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي، استقبلت البلاد العام الجديد، بالاستفادة إلى أقصى حد من وضعها كعضو الاتحاد الأوروبي في منطقة البلقان.
وودّعت كرواتيا، السبت، عملتها الكونا لتصبح الدولة العشرين في منطقة اليورو التي تعتمد العملة الموحدة، وألغت الإجراءات الحدودية أمام حاملي جوازات السفر الأوروبية.
وتمثل بداية العام، انطلاقة جديدة للدولة الصغيرة الواقعة في منطقة البلقان التي يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة، التي استحوذت على الاهتمام الدولي قبل 3 عقود حيث شهدت حرباً وحشية دمرت نحو 25% من اقتصادها، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
ويتوقع مسؤولون تخليد ذكرى هذه التطورات باعتبارها واحدة من أكبر إنجازات البلاد منذ حصولها على الاستقلال أثناء تفكك يوغوسلافيا قبل 31 عاماً.
منطقة شينجن
كما انضمت كرواتيا إلى منطقة شينجن التي تتيح لأكثر من 400 مليون شخص التنقل بلا تأشيرات سفر لأغراض العمل أو الترفيه بين دولها، التي ارتفع عددها بدخول كرواتيا إلى 27 دولة.
وعلى نحو مماثل، فإن اعتماد اليورو، سيوفر لكرواتيا مزايا تنبثق عن علاقات مالية أعمق مع 19 دولة أخرى تستخدم العملة، ومع البنك المركزي الأوروبي.
كما أنه سيجعل السفر وممارسة الأعمال التجارية أسهل، وينهي عناء تبادل العملات للكروات الذين يسافرون إلى الخارج، وكذلك عشرات الآلاف من السياح الذين يزورون بلادهم سنوياً عام للعمل أو الاستمتاع بساحلها الخلاب المطل على البحر الأدرياتيكي.
وانضمام كرواتيا إلى منطقة شينجن، سيوفر الدعم لقطاع السياحة الرئيسي في الدولة، والذي يمثل 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
وستصبح خطوط الانتظار الطويلة على 73 معبراً حدودياً برياً مع العضوين في الاتحاد، سلوفينيا والمجر، شيئاً من الماضي، لكن الإجراءات الحدودية في المطارات ستتواصل حتى 26 مارس بسبب مسائل فنية.
تأمين الحدود
وكانت سلوفينيا جزءاً من منطقة شينجن، وتتولى مهمة حماية حدودها الخارجية منذ عام 2007.
والوقت الراهن، ستضطلع كرواتيا بهذه المهمة، وستواصل تطبيق إجراءات عبور صارمة على حدودها الشرقية مع جيرانها من خارج الاتحاد الأوروبي، البوسنة وصربيا والجبل الأسود.
مع خروج المحتفلين في جميع أنحاء كرواتيا إلى الشوارع للاحتفال بالعام الجديد، كان وزير الداخلية دافور بوزينوفيتش، عند معبر بريجانا الحدودي مع سلوفينيا ليتمنى التوفيق لآخر المسافرين الذي يتوجب عليهم فحص جوازات سفرهم هناك.
وقال بوزينوفيتش أثناء رفع الحواجز عند معبر بريجانا الحدودي برفقة نظيرته السلوفينية سانيا أجانوفيتش-هوفنيك: "لقد فتحنا أبوابنا لأوروبا بلا حدود. هذا الأمر يتجاوز بإلغاء إجراءات العبور على الحدود، إنه التأكيد النهائي لهويتنا الأوروبية".
ولا تزال مكافحة الهجرة غير الشرعية تمثل التحدي الرئيسي في مراقبة أطول حدود برية خارجية للاتحاد الأوروبي، والبالغة 1350 كيلومتراً.
فترة انتقالية
وفي نفس الوقت تقريباً، بعد منتصف الليل بقليل، توجه وزير المالية الكرواتي ومحافظ البنك المركزي إلى ماكينة صراف آلي في العاصمة، زغرب، لسحب أوراق يورو نقدية، في خطوة ترمز إلى طي صفحة العملة الوطنية الكرواتية القديمة، الكونا.
وكرواتيا عضو في الاتحاد الأوروبي منذ 1 يوليو 2013 وهي المرة الأخيرة التي قبل فيها التكتل دولة عضواً جديداً. وفي 12 يوليو 2022 وافق مجلس الاتحاد الأوروبي على انضمامها إلى منطقة اليورو في 1 يناير 2023، وحدد معدل التحويل للكونا الكرواتية.
ولاعتماد عملة اليورو، كان على البلاد استيفاء مجموعة من الشروط الاقتصادية الصارمة، بما في ذلك ضمان سعر صرف مستقر، وضبط التضخم، والإنفاق العام السليم.
ومن المقرر استخدام الكونا الكرواتية واليورو بشكل مزدوج للمدفوعات النقدية لمدة 14 يوماً فقط، بحسب المصرف المركزي الأوروبي. لكن لأن الأشخاص يستمتعون بمبيعات ما بعد العطلات في يناير، فلن يتلقوا سوى اليورو في المقابل.
بعد أن أعطى وزراء مالية الاتحاد الأوروبي لكرواتيا الضوء الأخضر في يوليو 2022، للانضمام إلى منطقة اليورو، كان على البنك المركزي في البلاد أن يقوم باستعدادات مكثفة.
من جهته، قال تيهومير مافريتشيك، المدير التنفيذي لقسم النقد في البنك الوطني (المركزي) الكرواتي: "وفرنا أوراق (اليورو) النقدية للاستهلاك في المراحل المبكرة، والكمية الكاملة المطلوبة للعام المقبل، وكنا ننتهي من سك 600 مليون قطعة نقدية مطلوبة. انتهينا بالفعل من سك نحو 93% من هذا العدد".
وأضاف: "منذ منتصف أغسطس وحتى نهاية نوفمبر، انخفضت كمية الكونا المتداولة بمقدار 12 ملياراً، أي ما يعادل نحو 1.7 مليار يورو، لذلك يتبقى لدينا نحو الثلثين، أو نحو 22 مليار كونا، للتخلص التدريجي".
ووصف مافريتشك اعتماد العملة الوطنية الجديدة بأنه "إصلاح نقدي كبير ومهمة لوجستية ضخمة".
وتابع: "نحن ندرك أننا نتحول إلى عملة جديدة، ومن الواضح أنه سيكون هناك بعض الفواق في المدفوعات (النقدية)، خاصة في الأسبوعين الأولين، لكن الأمور ستعود إلى طبيعتها بسرعة".
وكان رئيس الوزراء الكرواتي أندريه بلينكوفيتش قال خلال مؤتمر اقتصادي عقد مؤخراً: "بعد 10 سنوات من العضوية (في الاتحاد الأوروبي)، وصلنا عن قصد وجدارة إلى المرحلة التي سنصبح فيها الدولة الوحيدة في التاريخ التي تنضم إلى منطقة شينجن ومنطقة اليورو في نفس اليوم"، بحسب تقرير سابق لوكالة "أسو شيتدبرس".
وأضاف: "حققت بعض الدول الهدفين واحداً تلو الآخر خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، لكن لم يحقق أي منهما كلا الهدفين في نفس اليوم"، مشيراً إلى أن التغييرات "سيكون لها تأثير تحولي على الاقتصاد".
"رحلة شاقة"
وصف العديد من الكروات تطورات ليلة رأس السنة، بأنها دليل على أن بلادهم أكملت "رحلة شاقة" إلى الحظيرة الأوروبية بعد 31 عاماً من خوضها حرباً من أجل الاستقلال، أودت بحياة 20 ألف شخص، وأدت لنزوح مئات الآلاف.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن زلاتكو ليكو، وهو أحد سكان مدينة سبليت الساحلية جنوبي البلاد، قوله: "اعتدنا أن نحلم بهذا وأنا سعيد لأننا عشنا لنرى ذلك يحدث. آمل أن يعني هذا أننا أخيراً جزء من أوروبا".
ونفس الشعور شاركه ستيبيكا مانديتش، وهو سائق محترف يبلغ من العمر 72 عاماً، قال إن حرية التنقل دون فترات انتظار طويلة عند نقاط التفتيش الحدودية كانت حلمه الشخصي، والسبب في ترك حفلة ليلة رأس السنة في منزله، وقيادة سيارته مسافة 20 كيلومتراً (12.4 ميلاً) إلى بريجانا لرؤية ذلك يتحقق.
وأضاف: "لقد أمضيت سنوات من حياتي منتظراً عند نقاط التفتيش الحدودية، لذا جئت إلى هنا الليلة لأشهد هذه اللحظة، وهي اللحظة التي لن أنتظر بعدها أكثر من ذلك".
"سنبكي" على الكونا
لكن ليس كل الكروات متحمسين للغاية للتغييرات المقبلة، لا سيما التخلص التدريجي من عملتهم السابقة، والبعض منهم متأثر بشأن الكونا، التي أدخلت لتأمين الاستقلال النقدي بعد انفصال كرواتيا عن يوغوسلافيا السابقة، وحرب 1991-1995.
فلاديسلاف ستودار، وهو أحد قدامى المحاربين في تلك الحرب، قال إن "كونا كانت رمزاً لاستقلال كرواتيا. لقد كنا جميعاً مرتبطين بها، لذلك سيكون من الصعب بعض الشيء التغلب على اختفائها، ولكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ الحياة تضمي قدماً".
اتفقت معه ستيلا روسو، وهي من سكان زغرب، بقولها: "إنه لأمر محزن بعض الشيء أننا لن نستخدم الكونا بعد الآن لأنها كانت فريدة من نوعها في بلدنا، ولكن من الناحية العملية، (تبديل العملة) لن يحدث أي فرق بالنسبة لي".
اقرأ أيضاً: