تحذيرات بريطانية: استخدام الشرطة للتكنولوجيا الصينية يهدد الأمن القومي

كاميرات مراقبة من إنتاج شركة "هيكفيجن" معروضة للبيع في متجر إلكترونيات بالعاصمة الصينية بكين. 24 مايو 2019 - AFP
كاميرات مراقبة من إنتاج شركة "هيكفيجن" معروضة للبيع في متجر إلكترونيات بالعاصمة الصينية بكين. 24 مايو 2019 - AFP
دبي - الشرق

كشفت هيئة الرقابة على الدوائر التلفزيونية المغلقة في بريطانيا أن أكثر من ثُلث قوات الشرطة تستخدم معدات وتقنيات صينية "غير موثوق بها"، محذرة من أنها ربما تشكل "خطراً" على الأمن القومي للبلاد، وهو ما نفته الشركات الصينية.

وقال فريزر سامبسون، المفوض المسؤول عن القياسات "البيومترية" (الحيوية) وكاميرات المراقبة في بريطانيا، لصحيفة "ذا تايمز" البريطانية، إن الشرطة تستخدم كاميرات مراقبة وطائرات مسيرة، وغيرها من التقنيات التي تنتجها شركات صينية تربطها صلات وثيقة مع حكومة بكين.

وأشار إلى أن انتشار هذه التقنيات في مواقع حساسة، تشمل أجنحة احتجاز في السجون، ومواقع طاقة نووية، أثار تساؤلات خطيرة بشأن ما إذا كان الشعب البريطاني يريد "شركات ومعدات غير موثوق بها تراقبنا".

وأضاف: "أود أن أشبه هذا الوضع بالأسبستوس الرقمي (ألياف طبيعية مسرطنة بالنسبة للبشر)، لأن هذه الأنظمة يجري تركيبها على نطاق واسع من قبل جيل سابق بدوافع سليمة، إلى حد كبير على أساس أنها رخيصة الثمن وتنجز العمل المطلوب". 

وتابع: "في الوقت الراهن بتنا نعرف أنها تشكل خطراً كبيراً، وأنه يجدر بنا على الأرجح التوقف عن تركيب المزيد منها، حتى نفهم عمق واتساع نطاق هذه المخاطر. وبعد ذلك، ينبغي أن نضع جدولاً زمنياً للتقييم، وإذا اقتضى الأمر، الإزالة أو الاستبدال".

وأوضح سامبسون أن أكثر من ثُلث قوات الشرطة استخدمت مثل هذه التكنولوجيا، وكان الكثير منهم على اتصال لمحاولة تحديد ما يعتبر موقع حساسة. 

وشدد على أن الأمر ليس مجرد مشكلة تتعلق بالشرطة، ولكنها تتعلق بالعديد من المؤسسات العامة، متسائلاً: "هل نريد شركات ومعدات غير موثوق بها تراقبنا في قطارات الأنفاق، وأثناء فحص أمتعتنا في المطارات، وعند الدخول إلى حجز الشرطة، وأماكن العبادة، ومراكز الاقتراع، وعيادات الإجهاض؟".

مخاوف أمنية

وأعرب عن مخاوفه إزاء استخدام الشرطة لطائرات مسيرة صينية الصنع في عمليات مراقبة حساسة، والبحث عن الأشخاص المفقودين، وعمليات مكافحة الجريمة، مشيراً إلى أن شركة التكنولوجيا الصينية "دي جيه آي" (DJI)، التي أدرجت على القائمة السوداء بالولايات المتحدة، تورد طائرات مسيرة لقوات الشرطة في جميع أنحاء بريطانيا.

ومضى قائلاً: "إذا لم يُسمح لمسيرات الشرطة تلك بالتحليق فوق مواقع حكومية حساسة، فهل من المقبول الوثوق بهم في مهام مراقبة حساسة في الشرطة المحلية. أعتقد أن هذه تساؤلات نحتاج إلى طرحها".

في المقابل، قالت جيني جيلمر، مساعد قائد الشرطة والمسؤول عن كاميرات المراقبة في مجلس رؤساء الشرطة الوطنية، إن "استخدام القياسات الحيوية وتكنولوجيا المراقبة في عمليات الشرطة  يلعب دوراً حاسماً في الحفاظ على سلامة الناس والقبض على المجرمين الخطرين". 

وأوضحت أن قوات الشرطة تخضع لأنظمة العقود العامة القائمة على مبادئ الشفافية وعدم التمييز والمساواة في المعاملة والتكافؤ. وقال مجلس رؤساء الشرطة الوطنية إنه يعتبر دائماً أن نشر مسيرات أحد عناصر الأمن.

والعام الماضي، حذر سامبسون من أن الشرطة بحاجة إلى بناء الثقة في سلسلة توريد التكنولوجيا بعد أن كشفت شرطة المرافق النووية المدنية، التي تحمي المواقع النووية، أن أحد موردي الدوائر التلفزيونية المغلقة يستخدم كاميرات من إنتاج شركة "هيكفيجن" الصينية. 

وتواجه الشركة الصينية المملوكة للدولة اتهامات بتوريد معدات إلى معسكرات اعتقال في إقليم شينجيانج غربي البلاد، وبالتالي "المساعدة في قمع أقلية الإيجور". وبموجب القانون الصيني، يتوجب على الشركات أيضاً أن "تدعم وتساعد وتتعاون" في عمل استخبارات الدولة.

وفي نوفمبر الماضي، أمرت السلطات البريطانية الدوائر الحكومية في البلاد بوقف تركيب أنظمة مراقبة صينية في "مواقع حساسة" بسبب مخاطر أمنية.

نفي صيني

في المقابل، قال متحدث باسم شركة "هيكفيجن" إن منتجات هيكفيجن "تُباع عبر شركاء توزيع وليس للشركة اتصال مباشر بالعديد من منظمات المستخدمين النهائيين في القطاعين العام والخاص التي تشتري منتجاتنا.

 وأوضح أن الشركة "لا تدير أي قواعد بيانات نيابة عن المستخدمين النهائيين، ولا تبيع خدمة تخزين سحابي في المملكة المتحدة. وهذا يعني أنها ليس لديها إمكانية الوصول إلى بيانات المستخدم النهائي، ولا أي قدرة على مشاركتها".

وأكد أن الشركة حريصة على اتباع القواعد واللوائح الأمنية الصارمة المطلوبة للعمل في المملكة المتحدة، معتبراً أن "تصوير هيكفيجن على أنها تمثل تهديداً للأمن القومي خطأ تماماً".

ورداً على اتهامات بتزويد معسكرات اعتقال في إقليم شينجيانج بمعدات، قال المتحدث: "هيكفيجن تأخذ جميع التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان على محمل الجد، ونقر بمسؤوليتنا عن حماية الأشخاص والممتلكات. تعمل الشركة مع الحكومات على مستوى العالم لتوضيح سوء الفهم حول الشركة وأعمالنا وتبديد مخاوفهم".

وعلى نحو مماثل، قالت متحدثة باسم شركة "دي جيه آي" إن طائراتها المسيرة أنقذت مئات الأرواح في عمليات الإنقاذ، وعززت سلامة العمال وكفاءتهم. 

وأشارت إلى أن حكومة الولايات المتحدة لم تقدم أي دليل يدعم قرارات الإدراج في القائمة (السوداء) المتعلقة بالشركة، مضيفة أن "الأمن الإلكتروني لطائراتنا يخضع لإجراءات التدقيق أو الاختبار من قبل العديد من الشركات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". 

وتابعت: "العديد من وكالات السلامة العامة وفرق الإنقاذ في بريطانيا، والولايات المتحدة وفي العديد من البلدان الأخرى يستخدمون منتجات دي جيه آي ويعتمدون عليها، لأنهم يعلمون أن بإمكانهم الوثوق بها، لأنهم يعرفون أنها آمنة".

علاقات متدهورة

وبدأت بريطانيا مراجعة جديدة للعلاقات مع الصين من المتوقع أن تنتهي قبل نهاية العام الجاري، على خلفية ضغوط في البرلمان لتبني سياسة أكثر صرامة، فيما تواجه حكومة ريشي سوناك خياراً صعباً بين معالجة المخاوف الأمنية والحفاظ على المصالح الاقتصادية مع الصين.

ثمة أسباب داخلية وخارجية عديدة استدعت هذه المراجعة، وفرضت تغيراً كبيراً في اللهجة الرسمية إزاء العلاقة مع الصين خلال الأشهر الماضية، وبدأ التصعيد ضد بكين مع رئيسة الحكومة السابقة ليز ترَس، ولكن عهدها القصير زمنياً لم يفسح لها المجال لاتخاذ خطوات ملموسة.  

ويرى رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك الصين "تحديا ممنهجاً" لبلاده، لكن ذلك لم يمنعه من محاولة لقاء الرئيس شي جين بينج على هامش قمة مجموعة العشرين الأخيرة. ولم يلتق الزعيمان بسبب تضارب مواعيدهما وفق بيانات رسمية.

وصنّفت حكومة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، الصين "تهديداً صريحاً للنظام الدولي"، وتبنت بكل وضوح موقف الولايات المتحدة في التعامل مع هذا التهديد أمنياً وسياسياً، لكن على الرغم من ذلك حاولت الإبقاء على شعرة معاوية في العلاقة مع بكين خاصة في المجالات الاقتصادية.

وفي خطاب ألقاه في لندن، حذّر مدير الاستخبارات البريطانية جيريمي فليمينج من تزايد الهيمنة التكنولوجية الصينية "التي باتت مشكلة ملحة بدرجة أكبر" بالنسبة للدول الغربية، داعياً إياها إلى التحرك من أجل الدفاع عن قيمها ونفوذها.

وتفاقمت المخاوف الأمنية للمملكة المتحدة بعد عمليات تجسس نفذتها جهات صينية فاعلة، وانخراط شركة هوواي الصينية في تركيب الجيل الخامس للإنترنت بالبلاد، بالإضافة إلى سيطرة شركات صينية على شركات تكنولوجية تتخذ من المملكة المتحدة مقراً، مثل "Newport Wafer Fab"، أكبر شركة لتصنيع الرقائق الإلكترونية في البلاد التي اشترتها شركة "Nexperia" المملوكة لبكين في عام 2021.

كما أعربت بريطانيا عن قلقها إزاء أوضاع حقوق الإنسان في الصين، مشيرة إلى تضعضع مبدأ "نظامان في دولة واحدة" الذي كانت تتعامل به بكين مع هونج كونج، بعد تدخل الصين ضد التظاهرات المناوئة للسلطة في الإقليم، إضافة لما تتعرض له أقلية الإيجور المسلمة في إقليم شينجيانج.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات