أجل مجلس النواب الأميركي الـ118، الثلاثاء، جلسته التي كانت مقررة لانتخاب رئيسه، بعد إخفاق زعيم الأغلبية الجمهورية كيفين مكارثي في الحصول على الأصوات اللازمة لانتخابه في 3 جولات تصويت، وسط تمرد 20 من أعضاء حزبه، في سابقة لم تحدث منذ قرن.
وحصل مكارثي في الجولتين الأولتين على 203 أصوات، متخلفاً عن زميله الديمقراطي زعيم الأقلية حكيم جيفريز، الذي لم يكن ترشحه يعدو أكثر من ترشح رمزي، لكنه حصل على أصوات 212 ديمقراطياً كاملة، ليتوحد حزبه خلفه، فيما استشرى الانقسام بالناحية الأخرى من المجلس.
وبعدما كان مكارثي، يعول على عودة أعضاء حزبه المتمردين ضده إلى الصف بعد أول أو ثاني جولة، بدا أن مكارثي يخسر المزيد من حلفاءه إذ صوت ضده بالجولة الثالثة أحد الجمهوريين، الذين صوتوا له في أول جولتين، ليحصل على 202 صوت، مقابل ثبات أصوات جيفريز، ليرتفع عدد المصوتين ضده إلى 20 بعدما كانوا 19 في أول جولتين.
وفيما نافس الجمهوري أندي بيجز، الذي لم تكن له حظوظ حقيقة في الفوز بالمنصب، زعيمه مكارثي في الجولة الأولى، وحصل على 10 أصوات، رشح جمهوريون النائب عن ولاية أوهايو جيم جوردان للمنصب، قبل الجولة الثانية، رغم أنه ألقى خطاباً يؤيد فيه مكارثي قبل افتتاح التصويت الثاني.
واجتذب جوردان أصوات بعض المعارضين في الجولة الثانية، وصوت بعضهم لأعضاء آخرين، لكن الجولة الثالثة شهدت التفافاً لأصوات المعارضين حوله، إذ صوت له الـ20 المعارضون بأكملهم.
وبذلك يبقى مصير رئيس مجلس النواب الأميركي غير محسوم، وسط تمسك الجمهوريين الخارجين عن الصف بموقفهم، ليبقى تمردهم مفتوحاً.
أسئلة حول مكارثي
ويثير ذلك التمرد أسئلة كبيرة حول قدرة مكارثي على قيادة الأغلبية الجمهورية، حتى إن استطاع الفوز في النهاية بالمنصب، إذ تنصب مهمته كزعيم للأغلبية على توجيه الأصوات لتمرير مشروعات القوانين الجمهورية، لكن اعتراض 20 من أعضاء الحزب الذي يملك أغلبية ضئيلة أصلاً، يصعب من مهمة مكارثي، ويشي بانقسامات أكبر قد تعطل عمل المجلس.
ويملك الجمهوريون 222 مقعداً في مجلس النواب مقابل 212 مقعداً للديمقراطيين من إجمالي عدد المقاعد البالغ 434.
ماذا يريد معارضو مكارثي؟
وتضم المجموعة المعارضة لمكارثي، والتي تدعي "تجمع الحرية"، النائب مات جايتز من فلوريدا، ولورين بوبرت النائبة عن كولورادو، وسكوت بيري النائب عن بنسلفانيا، ضمن آخرين.
وتضم قائمة مطالبهم وضع قاعدة جديدة تسمح بعقد تصويت في أي وقت على إبعاد رئيس مجلس النواب الأميركي عن منصبه، وهي قاعدة تضعف مكارثي بشكل كبير، لكن الأخير وافق على القرار شرط أن يتطلب تقديم طلب تصويت كهذا توقيع 5 مشرعين بدلاً من مشرع واحد، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".
ويرغبون كذلك في إضافة ما يسمى بـ"قاعدة هولمان" والتي تسمح للمشرعين باستخدام مشاريع قوانين الإنفاق لسحب تمويل من برامج معينة، وإقالة مسؤولين فيدراليين وتقليص رواتبهم.
وضمت قائمة المطالب أموراً أخرى رفضها مكارثي، مثل الوعد بعقد تصويت على مشاريع قوانين يدعمها الأعضاء المنتمون للجناح اليميني المتشدد، بما فيها مشاريع تحد من عدد الفترات التي يسمح لأعضاء الكونجرس بقضائها في مناصبهم، وميزانية فيدرالية متوازنة، وتشديد الأمن على الحدود الجنوبية الغربية.
وكذلك التعهد بأن لجنة العمل السياسي في الحزب الجمهوري لن تمول منافسين لهم في الانتخابات التمهيدية، وتبني شرط ألا تمر أي حزمة إنفاق دون دعم ثلثي أعضاء مجلس النواب.
3 جولات
وفي الجولة الأولى حصل مكارثي على 203 أصوات، ومنافسه الجمهوري أندي بيجز على 10 أصوات، فيما حصل زعيم الأقلية الديمقراطية على 212 صوتاً، وتوزعت 9 أصوات على آخرين بينهم أعضاء سابقون في المجلس.
ولم يغير أي من المعارضين لمكارثي تصويته في الجولتين الثانية، إذ خسر مكارثي مجدداً أصوات الـ19 عضواً جمهورياً الذين صوتوا لصالح آخرين، وصوت 212 لحكيم جيفريز، وحصل مكارثي على الـ203 أصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى، إلا أن أندي بيجز المرشح الجمهوري المنافس لمكارثي انسحب.
وصوت عدد من المعارضين لمكارثي في الجولتين الثانية والثالثة، لصالح النائب الجمهوري جيم جوردان، لكن الأعضاء المصوتين لمكارثي انخفضوا عضواً.
سابقة منذ 1923
وهذه هي المرة الأولى التي يعاد فيها التصويت على انتخاب رئيس مجلس النواب الأميركي منذ عام 1923، كما أنها المرة الأولى التي يواجه فيها زعيم الحزب الجمهوري مرشحاً من داخل حزبه، إذ ترشح أمامه النائب الجمهوري أندي بيجز.
ويتهم الأعضاء الجمهوريون المعارضون مكارثي بـ"غياب الأيديولوجية وعدم اتخاذ موقف أكثر عدوانية ضد الديمقراطيين".
ورشح الديمقراطيون زعيمهم الجديد حكيم جيفريز، الذي خلف الرئيسة السابقة للمجلس نانسي بيلوسي، وهو ترشيح رمزي، إذ سيصوت له الديمقراطيون الذين لا يملكون الأغلبية في المجلس، فيما لن يصوت له أي من الجمهوريين.
سيناريو محتمل
يمكن لمكارثي الفوز وتخطي المعارضة الجمهورية إذا غير الجمهوريون المعارضون لمكارثي من تصويتهم، ودون التصويت له صراحة.
وصوت الجمهوريون المعارضون لمكارثي في الجولة الأولى لصالح منافسه الجمهوري أندي بيجز، الذي لا فرصة حقيقية له بالفوز، فيما صوت بعضهم للعضو السابق لي زيلدين.
ولكن، إذا صوت الجمهوريون المعارضون لمكارثي بتسجيل أنفسهم (حاضر Present) أو امتنعوا عن التصويت في الجولات المقبلة، فإن أصواتهم في هذه الحالة لا تحتسب وهو ما يخفض من العتبة المطلوبة لفوز مكارثي وهي 50%+1، وهو ما قد يمكنه من الفوز.
وقبل بدء التصويت على رئاسة المجلس عقد مكارثي اجتماعاً لأعضاء حزبه الجمهوري محاولاً كسب الأصوات المعارضة لانتخابه، لكنه لم يخرج بنتائج على ما يبدو، إذ قال مكارثي في مؤتمر صحافي عقب ذلك: "سأكافح دائماً لأضع الشعب الأميركي في المقام الأول، وليس من أجل قلة يريدون أموراً لأنفسهم"، مضيفاً أنه "قد تكون لدينا معركة على الأرض لكنها معركة من أجل البلد، وهذا جيد".
بعد 4 سنوات من توليه زعامة الأقلية الجمهورية في المجلس، يحتاج مكارثي حالياً إلى 218 صوتاً من أصل 435 على الأقل لخلافة الديمقراطية نانسي بيلوسي في منصب رئيس مجلس النواب.
ويأمل كيفن مكارثي، بعد 7 سنوات من محاولته الأولى، تحقيق هدفه، لكن موقع النائب عن كاليفورنيا تراجع بسبب الأداء الضعيف للجمهوريين في انتخابات منتصف الولاية و"الموجة الكبيرة" التي توقعها المحافظون لم تتحقق، بحسب "فرانس برس".
معسكر المعارضين
وأشارت مجموعة من النواب المقربين من دونالد ترمب إلى أن الرئيس الأميركي السابق سيضع شروطه قبل دعم ماكارثي، الذي يتهمونه بعدم الدفاع بشكل كافٍ عن ترمب.
وأكد 5 منهم علناً أنهم سيصوتون ضده وحثوه على الانسحاب للسماح لمرشح آخر بالتقدم إلى الأمام، في حين اعتبر مات جيتز، النائب عن ولاية فلوريدا، أن "كيفن ماكارثي لا يؤمن بأي شيء وليس لديه أيديولوجية"، بحسب قناة "إن بي سي" الأميركية.
كما قال رئيس تجمع الحرية في مجلس النواب سكوت بيري، في بيان، الثلاثاء، إن "كيفين مكارثي أتيحت له الفرصة ليكون رئيساً لمجلس النواب، لكنه رفضها"، مشيراً إلى أن رفضه "مطالب المجموعة بشأن قضايا مختلفة، بما في ذلك رفض التدخل في الانتخابات التمهيدية للحزب".
كما أكد النائب الجمهوري بوب جود لقناة "فوكس" الأميركية أنه لن يصوت لصالح كيفن مكارثي، معتبراً أنه "جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل".
لكن صحيفة "ذا هيل" ذكرت أن من أهم أسباب معارضة تلك المجموعة خيبة أملهم بشأن نتائج الانتخابات الأخيرة، إضافة إلى عملية من قادة الحزب الديمقراطي من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن قانون الإنفاق.
يبدو أن كيفن مكارثي يسعى لتقديم ضمانات لهم تفادياً لعرقلة خطوته: في عام 2015 كان فشل بفارق ضئيل في أن يصبح رئيساً لمجلس النواب في مواجهة تمرد الجناح اليميني للحزب، بحسب وكالة "فرانس برس".
لكنه أيضاً لا يستطيع الذهاب بعيداً وإبعاد الجمهوريين المعتدلين. وعلى الرغم من أن هامش المناورة لديه بات محدوداً، ليس هناك حالياً أي منافس جدي له. ويتم فقط التداول باسم زعيم الكتلة ستيف سكاليز كبديل محتمل دون أن تكون فرصه جدية.
ونقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن مصدر مقرب من مكارثي أنه "واثق من حصوله على 218 صوتاً ليتم انتخابه"، لكن لا يمكن تقدير الوقت الذي سيستغرقه التصويت.
اقرأ أيضاً: