أعلن وزير العدل الإسرائيلي الجديد ياريف ليفين عزمه تعديل النظام القضائي لتضمينه "استثناءً" يسمح للبرلمان بتعليق قرارات المحكمة العليا، وهو ما أثار ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية.
ويهدف التعديل الذي أعلنه ليفين في مؤتمر صحافي، الأربعاء، ومن المقرّر طرحه أمام البرلمان في تاريخ لم يحدّد بعد، إلى تغليب سلطة النواب على سلطة القضاة، في وقت تجري فيه محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتهم فساد.
وبعد انتخابات الأول من نوفمبر، وأسابيع من المفاوضات مع الأحزاب الدينية واليمينية، شكّل نتنياهو، الأسبوع الماضي، الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
وقال ليفين أمام وسائل الإعلام: "هناك قضاة ولكن يوجد أيضاً برلمان وحكومة (...) والديمقراطية في خطر عندما ندلي بأصواتنا في صندوق الاقتراع، ولكن في كلّ مرّة يقرّر أشخاص غير منتخبين نيابة عنّا".
ويرى اليمين الإسرائيلي أنه في الدول الديمقراطية، الشعب هو من يختار مُشرعيه في البرلمان، لكن المحكمة هي من تملك الحق في إعطاء التفسيرات لما يصدر عنهم من تشريعات. وفي كثير من الأحيان تؤدي أدوار المشرعين أنفسهم، وتفرض قيماً ومعايير لم يقصدها المشرعون، وبالتالي يعتقدون أن هناك حاجة ماسة لإجراء تغييرات على السلطة القضائية لتتماهى مع إرادة الناخب والذي يعتبر أساس الحكم ومرجعيته.
"بند الاستثناء"
ومن أبرز التغييرات المقترحة، إدراج ما يسمّى بـ"بند الاستثناء" الذي يتيح لنواب البرلمان، بأغلبية بسيطة، إلغاء قرار صادر عن المحكمة العليا، من خلال سن قانون يُمكن الكنيست من الالتفاف على قرارات المحكمة العليا في ما يعرف بـ"فقرة التغلب" بأغلبية 61 صوتاً.
وتكمن الإشكالية بالنسبة لمعارضي المقترح في أن أي ائتلاف حكومي في إسرائيل بحاجة إلى 61 عضواً في الكنيست، أي أكثر من نصف أعضاء البرلمان، بالإضافة إلى عضو واحد، وبالتالي أي حكومة ستشكل في إسرائيل ستملك هذا العدد من أعضاء الكنيست، ويمكنها سن أي قوانين، ومنع محكمة العدل العليا من النظر فيها حتى لو كانت تتعارض مع مجموعة قوانين تعرف في إسرائيل بـ"القوانين الأساسية ".
هذه القوانين وُضعت بشكل متتالي في محاولة للتوافق على أكبر عدد منها لتشكيل دستور لإسرائيل مستقبلاً، وتحتوي بالأساس على مجموعة من قوانين طبيعية أو قيم سلوكية وحقوقية وإنسانية للدفاع عن حقوق الفرد أو المواطن والأقليات، سواء العرقية أو الدينية أو السياسية.
وفي إسرائيل التي ليس لديها دستور، يمكن للمحكمة العليا إلغاء قوانين يقرّها الكنيست إذا اعتبرت أنها تتعارض مع القوانين الأساسية للبلاد. وهكذا فإن إقرار "بند الاستثناء" من شأنه السماح للبرلمان بإعادة وضع قانون رفضه القضاة موضع التطبيق.
وأضاف ليفين: "لم يعد بإمكان القاضي إبطال القانون الذي أقرّه البرلمان".
وعلى سبيل المثال، إذا صوّت النواب على إلغاء محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد، وألغت المحكمة بعد ذلك هذا التصويت، فإنّ "بند الاستثناء" سيجعل من الممكن تعليق قرار المحكمة، على ما قال محلّلون لوكالة "فرانس برس".
السياسيون يختارون القضاة
ويتضمّن التعديل المقترح عملية تعيين القضاة الذين يتمّ اختيارهم حالياً من قبل هيئة مكوّنة من القضاة والنواب والمحامين، تحت إشراف وزير العدل، إلا أنّ ليفين يرغب في "وضع حدّ لانتخاب القضاة من قبل زملائهم" ويقترح إسناد دور أكبر للنواب في هذه الاختيارات.
وتهدف اقتراحات ليفين إلى إحداث تغيير جذري في الجهاز القضائي في إسرائيل أو في ما يعرف بالسلطة القضائية، بعد اتهامات متواصلة استمرت لعقود بأن هناك تغول للسلطة القضائية على حساب السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأن هذه السلطة وتحديداً عندما شغل القاضي المتقاعد أهرون براك منصب رئيس المحكمة العليا في إسرائيل، نصّبت نفسها فوق السلطات الأخرى، وجعلت جميع القضايا والموضوعات المتعلقة بالمجتمع والدولة والسياسة والاقتصاد والدين في إسرائيل، قابلة للنظر والحكم فيها بناء على مرجعيات دولية وحقوقية وإنسانية تتماهى مع مبادئ الدولة أو القوانين المتبعة في العالم الغربي.
واقترح ليفين تغيير هيئة انتخاب القضاة، ورفع مستوى تمثيل السياسيين فيها، وعقد جلسات استماع للقضاة المرشحين لتولي مناصب رفيعة في الجهاز القضائي أمام لجان مختصة في الكنيست مركبة بالأساس من سياسيين، الأمر الذي يراه المعارضون إخضاعاً للجهاز القضائي لمصالح السياسيين والناشطين الحزبيين، وإخضاع السلطة القضائية في إسرائيل لمصالح السياسيين، ولصالح أجنداتهم ومصالحهم الحزبية.
وطرح وزير العدل أيضاً إجراء تعديل على عملية تعيين المستشار القضائي للحكومة والمستشارين القضائيين للكنيست والوزارات المختلفة، بحيث يكون التعيين سياسياً وخاضعاً لرغبة المسؤول المعني (وظيفة ثقة)، ولا يتم بناء على قرار لجنة مهنية مختصة تخضع لمكتب المستشار القضائي للحكومة أو وزارة القضاء. ما يعني أن وظيفة المستشارين القضائيين في الوزارات المختلفة هي البحث عن صيغ وتفسيرات قانونية لتبرير قرارات الوزراء الذين يعملون تحت إمرتهم وليس الحفاظ على مبادئ الحكم الرشيد وقرارات محكمة العدل العليا ونزاهة القضاء.
كان ليفين أعرب سابقاً عن نيّته تخفيض سن التقاعد لقضاة المحكمة العليا من 70 إلى67 عاماً، ما يعني إخراج فوري لـ4 من القضاة الحاليين، بينهم رئيسة المحكمة.
إلغاء "حجة عدم المعقولية"
وتشمل المقترحات إلغاء "حجة عدم المعقولية"، أي حق المحكمة في تفعيل مبادئ القياس لفهم حجم التجاوزات القانونية وسياقها، من دون وجود نصوص قانونية حرفية مطابقة لكل وضعية تطرح أمام المحكمة، وهي أحد البنود التي يخشى مؤيدو زعيم الحزب ووزير الداخلية والصحة والمرشح لمنصب وزير المالية بعد عامين، الحاخام أرييه درعي استخدامها من قبل قضاة المحكمة العليا لإلغاء تعيينه في مناصب وزارية.
ورحّب معظم أعضاء الائتلاف الحاكم بالمقترحات، معتبرين أنها جاءت متأخرة، مع بعض التحفظات من قبل أعضاء في الكنيست من حزب "شاس"، والذين أعربوا عن مخاوفهم من أن يستفز توقيت إعلان المقترحات قضاة المحكمة العليا، ويقودهم إلى إصدار حكم ضد درعي.
"تجاوز للخط الأحمر"
واستنكر زعيم المعارضة يائير لبيد، عبر "تويتر" المفترحات لأنها "تعرّض للخطر النظام القضائي بأسره لدولة إسرائيل".
وقال وزير الدفاع السابق وزعيم حزب المعسكر الوطني بيني جانتس: "إذا تمت المصادقة على خطة ليفين، فإنها ستغير نظام الحكم في إسرائيل. وسيتم تجاوز الخط الأحمر وستتحول إسرائيل إلى ديمقراطية جوفاء".
إعادة العجلة للوراء
وقال أستاذ القانون في جامعة حيفا وعضو الكنيست السابق الدكتور يوسف جبارين: "رغم خيبة أملنا كفلسطينيين عبر طرفي الخط الأخضر من قرارات المحكمة العليا في إسرائيل التي لم تنصفنا، إلا أننا نرى أهمية أن تكون هناك رقابة قضائية على تشريعات الكنيست، خاصة في ظل سيطرة أقصى اليمين على مؤسسات الكنيست والسلطة التنفيذية".
وأضاف جبارين لـ"الشرق"، أن ليفين يسعى إلى إعادة العجلة إلى الوراء قبل 30 عاماً، حين كانت الكلمة الأخيرة في قضايا حقوق الإنسان ومؤسسات الحكم للكنيست، بهدف إلغاء صلاحية المراجعة القضائية التي اتبعتها المحكمة العليا منذ بداية التسعينيات.
وتابع: "وفق هذه الصلاحية ألغت المحكمة العليا حتى الآن 22 قانوناً للكنيست، منها قوانين اعتبرتها المحكمة تمييزية لصالح اليهود المتدينين الأرثوذكس المعروفين بـ(الحريديم) أو تمس بحقوق الملكية أو تميز ضد النساء".
وأضاف أن "هذه الصلاحية الآن مهددة من خلال تعديلات ليفين الذي يُريد أن يُعيد الكلمة الأخيرة إلى الكنيست، بحيث تخضع المحكمة العليا لسلطته، وبالتالي لسلطة الائتلاف الحكومي الذي يحظى فيه اليمين الاستيطاني المتطرف بنفوذ كبير".
وأشار جبارين، إلى أنه "بالنسبة لليمين الإسرائيلي، فالهدف أو القصد من وراء التعديلات التي اقترحها ليفين لا يأتي استهدافاً للمحكمة، وإنما تحقيقاً لرغبة الشعب التي انعكست في نتائج الانتخابات".
اقرأ أيضاً: