فرنسا تستعد لعواصف سياسية واجتماعية مع تخطيط ماكرون لرفع سن التقاعد

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة موجهة للعاملين في مجال الرعاية الصحية- 6 يناير 2023 - REUTERS
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة موجهة للعاملين في مجال الرعاية الصحية- 6 يناير 2023 - REUTERS
باريس-أ ف ب

باشر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال معايدته الشعب الفرنسي بمناسبة حلول العام الجديد، مرحلة جديدة قد تعصف بها اضطرابات سياسية واجتماعية.

وفي خطابه الذي ألقاه من قصر الإليزيه، قال رئيس الدولة الفرنسية البالغ 45 عاماً إنه يدرك شواغل الكثير من مواطنيه في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والحرب في أوكرانيا، وانتشار موجة جديدة من فيروس كورونا.

لكنه تعهّد بالمضي قدماً اعتباراً من الشهر الحالي في إصلاح يهدف إلى رفع سن التقاعد، وهو مشروع لا يلقى شعبية ويعتبره كثيرون حتى في معسكر الرئيس، غير مناسب في الوضع الراهن.

وأضاف الرئيس: "كما التزمت أمامكم، ستكون هذه السنة بالفعل سنة إصلاح نظام التقاعد بهدف ضمان التوازن في نظامنا للسنوات والعقود المقبلة"، داعياً الفرنسيين إلى "العمل بعد أكثر".

وتواصلت هذا الأسبوع محادثات غير موفقة بدرجة كبيرة أدارتها رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، وذلك في مسعى لإقناع النقابات الفرنسية لكن الحكومة وخصومها عدّوا العدّة للمعركة.

ويبدو أن المقترحات المقدّمة لتخفيف التغييرات مثل رفع سنّ التقاعد إلى 64 بدلاً من 65 كما كان مقرّراً في البداية، لم يكن لها أي أثر لا على المواطنين، ولا على النقابات، التي رصّت الصفوف للاعتراض على هذا المشروع.

وفي تصريحات الثلاثاء، قال لوران بيرجيه كبير المسؤولين في الاتحاد العمالي الديمقراطي الفرنسي (CFDT) إثر خروجه من لقاء مع بورن "أقولها هنا وسبق أن قلتها لرئيسة الوزراء، إذا كانت السن القانونية للتقاعد سترفع إلى 64 أو 65 عاماً.. فسنرصّ الصفوف للاعتراض على هذا الإصلاح".

وتعترض كل الأحزاب اليسارية بالإضافة إلى حزب "التجمّع الوطني" اليميني المتطرف على خطط الحكومة وقد تعهدت الالتحاق بالتظاهرات.

 "إشعال الوضع"

في تغريدة، السبت، حذّر مؤسس حزب "فرنسا الأبية" (اليسار الراديكالي) جان لوك ميلانشون، من أن "الوضع سيصبح ساخناً في يناير".

بدوره، أقرّ النائب من الحزب الرئاسي ستيفان ترافير في تصريحات لصحيفة "لو باريزيان" بأنه "لا يخفى على أحد أن الوضع سيصبح مائجاً".

وتُعدّ السن القانونية للتقاعد في فرنسا والبالغة 62 عاماً دون تلك السائدة في بلدان أوروبية أخرى، مثل ألمانيا وبريطانيا حيث حُددت بـ66 أو 67 عاماً.

وتُظهر الأرقام الرسمية نظام تقاعد متوازناً على المدى القصير في فرنسا، لكنه قد يشهد عجزاً كبيراً في العقود المقبلة في ظل تقدّم السكان في السن.

ولطالما ناصر إيمانويل ماكرون مبدأ إعادة هيكلة النظام، لكنه في ظل أزمة كورونا وتظاهرات كانت من الأوسع خلال ولايته الأولى، قرّر تأجيل محاولة أولى في 2020.

وإثر إعادة انتخابه في العام 2022 بناء على برنامج يتضمّن إصلاح نظام التقاعد، تردّد ماكرون كثيراً بشأن توقيت هذه الخطوة.

French President Emmanuel Macron addresses New Year wishes to health care workers - REUTERS
الرئيس الفرنسي يلقي خطاباً بمناسبة العام الجديد أمام عمال الرعاية الصحية في مستشفى سان فرانسيلين، كورباي إيسين، ضواحي باريس -6 يناير 2023 - REUTERS

"خطوة تمس سمعة الرئيس"

وكان السياسي الوسطي فرانسوا بايرو الذي يُعد من أقرب حلفاء الرئيس قد صرّح خلال ديسمبر من العام الماضي بأنه "لم نبذل معاً المجهود التوعوي اللازم"، لكن بات ينبغي لماكرون أن يُوضح أجندته، في خطوة قد تمس بسمعته وقدرته على الترويج لإصلاحات أخرى.

ومن المرتقب الكشف عن الخطوط العريضة للنص الخاص بنظام التقاعد، الثلاثاء، على أن يُقدَّم مشروع قانون للبرلمان في فبراير.

ويخشى البعض فورة شعبية جديدة، على شاكلة تلك التي انطلقت عفوياً في الشوارع سنة 2018 لما عُرف بـ "السترات الصفراء".

وقال فريديريك دابي مدير معهد الاستطلاعات "إيفبوب" هذا الأسبوع عبر أثير "أوروب 1" إن "البوادر موجودة وتكفي شرارة لإشعال الوضع".

سترات صفراء جديدة

وقد دعت مجموعة من "السترات الصفراء" إلى تظاهرات السبت. لكن التكهّن بمزاج الفرنسيين ليس بالمسألة اليسيرة.

فقد شهدت فرنسا، على غرار بلدان أوروبية أخرى كثيرة، إضرابات في الأشهر الأخيرة، في قطاعات السكك الحديد والمستشفيات ومصافي تكرير النفط، وسط مطالبات برفع الأجور للتعويض عن تضخّم بحدود 6%.

غير أن غالبية الأشخاص الذين استُطلعت آراؤهم قالوا إنهم يعتبرون نظام التقاعد الحالي غير مستدام.

وكان أحد مستشاري الرئيس طلب عدم الكشف عن هويته قد أقرّ منذ فترة وجيزة أنه "يسود نوع من القدرية في الرأي العام"، مضيفاً "سوف نمضي إلى النهاية والرأي العام يدرك ذلك".

واعتبرت أديلايد باسيك، المديرة العامة لمعهد الاستطلاعات "BVA France" من جهتها أن الرأي العام بات "متعباً ومتبرّماً" بعد سلسلة من الأزمات، من دون أن يكون في الوسع معرفة إن كان هذا التبرّم "سيفضي إلى حركات اجتماعية كبيرة أو بالأحرى إلى نوع من الرضوخ".

لكن ما يمكن تأكيده هو أن "العام 2023 سيكون محفوفاً بالمخاطر للرئيس"، على حدّ قول باسيك.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات