وضع قادة الولايات المتحدة والمكسيك وكندا التوترات التجارية القائمة بين بلدانهم جانباً، وبحثوا في تكامل اقتصادي أعمق خلال محادثات عقدوها الثلاثاء، شملت الأمن والهجرة.
بدأت المحادثات المذكورة باجتماع ثنائي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، تلاه اجتماع ثلاثي جمعهما مع الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور في إطار محادثات ثلاثية تعرف باسم قمة "الأصدقاء الثلاثة".
هايتي
وقال الرئيس الأميركي في ملاحظاته التمهيدية إلى جانب الزعيم الكندي، إنهما سيناقشان خصوصاً "سبلاً للمساعدة في استقرار هايتي" من بين أمور أخرى.
ويتحدّث الأميركيون والكنديون منذ فترة عن احتمال إرسال قوة تدخل دولية إلى الدولة الكاريبية التي دمرها انعدام الأمن والمشكلات الصحية.
وقال ترودو: "يمكننا أن نبني أموراً رائعة هنا"، مشيراً إلى أن كندا والولايات المتحدة والمكسيك، التي يجمعها اتفاق للمبادلات التجارية هي "أكبر تكتل للتجارة الحرة في العالم".
بدوره، قال الرئيس الأميركي إنه "محظوظ لوجود كندا في شمال (الولايات المتحدة) والمكسيك في جنوبها ومحيطين حول" بلاده.
وفي وقت لاحق، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيزور كندا في مارس.
وقال مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان لصحافيين إن تعزيز الروابط الاقتصادية الإقليمية "يسمح للولايات المتحدة بأن تكون مركزاً صناعياً كبيراً تحدث عنه الرئيس بايدن ويعود بالفائدة أيضاً على المكسيك وكندا".
وأضاف: "خفضّ ذلك ارتهاننا لدول أخرى ومناطق أخرى من العالم لا تشاركنا بالضرورة القيم نفسها التي نتشاركها مع شركائنا في أميركا الشمالية".
وتأمل المكسيك في الاستفادة من جهود واشنطن لخفض الاعتماد على الصناعات الآسيوية.
ودعت الولايات المتحدة، العام الماضي، المكسيك للانضمام إلى مبادرة بمليارات الدولارات لتعزيز صناعة شبه الموصلات لمنافسة الصين في هذا المجال، إلا ان العلاقات بين الرئيسين المكسيكي والأميركي لم تكن سلسة على الدوام، فقد رفعت الولايات المتحدة وكندا شكوى ضد المكسيك في إطار الاتفاق التجاري الثلاثي.
وتفيد واشنطن وأوتاوا بأن سعي لوبيز أوبرادور إلى تعزيز دور الدولة في صناعات الطاقة تلحق الضرر بالمستثمرين الأجانب وتعيق تطوير مصادر الطاقة النظيفة.
وفي حين قد يطرح بايدن وترودو مخاوفهما مع الرئيس المكسيكي حول إصلاحات قطاع الطاقة بطريقة غير علنية، يرجح أن يشددوا علنا على القدرة على تعزيز التعاون.
الهجرة
ودافع الرئيس بايدن عن مقاربته في التعامل مع قضية أمن الحدود وسياسة الهجرة، التي واجهت
انتقادات سواء من الجمهوريين والديمقراطيين. وقال الجمهوريون إن الرئيس لم يفعل ما يكفي للحد من معدلات الهجرة القياسية على الحدود الجنوبية، بينما يعتبر ديمقراطيون تقدميون بأن خطواته التنفيذية الأخيرة تمادت كثيراً، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".
وقبل رحلة بايدن إلى مكسيكو سيتي، أدخلت إدارته خطوات جديدة لمنع المهاجرين الذين يلتمسون اللجوء على الحدود الجنوبية من خلال توسيع استخدامها للعديد من إجراءات مراقبة الحدود في عهد سلفه دونالد ترمب، التي تعتمد جزئياً على المكسيك لاستعادة 30 ألف مهاجر شهرياً من كوبا وهايتي ونيكاراجوا وفنزويلا. كما قدمت مساراً قانونياً لما يصل إلى 30 ألف مهاجر من تلك البلدان الأربعة لدخول الولايات المتحدة بشكل قانوني شهرياً.
وعلى الرغم من عدم الإعلان عن برامج رئيسية إضافية لمعالجة الهجرة خلال القمة، قال مسؤولون مكسيكيون وأميركيون، إنهم سيواصلون التشاور بشأن ما إذا كان بإمكانهم زيادة عدد المهاجرين العائدين إلى المكسيك.
واتفق القادة على مواصلة توسيع المسارات القانونية للمهاجرين، ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة، ومشاركة سبل لجعل عملية اللجوء أكثر نزاهة وكفاءة.
أشباه الموصلات
وإلى جانب الهجرة، أعلن القادة عن التزامات لبناء صناعة أشباه الموصلات في المنطقة، وتحقيق أهدافهم المناخية ومعالجة تدفق الفنتانيل (مسكنات المخدرات الاصطناعية) إلى الولايات المتحدة.
واتفقوا على تنظيم منتدى لأشباه الموصلات مع ممثلي الصناعة والمسؤولين الحكوميين في أوائل عام 2023، والتنسيق بشأن معرفة احتياجات واستثمارات سلسلة التوريد الخاصة بأشباه الموصلات.
ويقول مسؤولون أميركيون إن شركات أشباه الموصلات التي تبني منشآت تصنيع جديدة في الولايات المتحدة ترغب في وضع أجزاء من سلاسل التوريد الخاصة بها في المكسيك.
خفض الانبعاثات
كما التزمت البلدان بخفض انبعاثات غاز الميثان من قطاع النفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي بنسبة 15% على الأقل بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2020، وإعداد مقترح لخفض فقد الأغذية وهدرها إلى النصف بحلول عام 2030. كما ستضع خطة لتحديد معايير، وتركيب شواحن السيارات الكهربائية على امتداد حدودها الدولية.
تأتي الالتزامات في الوقت الذي تحاول فيه البلدان إظهار جبهة موحدة، حتى أثناء عملها على تسوية اختلافات في العديد من قضايا السياسة، بما في ذلك الطاقة.
وتجري السلطات المكسيكية مشاورات مع الولايات المتحدة في محاولة لتجنب نزاع بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا بشأن سياسة الطاقة المكسيكية. ويقول مكتب الممثل التجاري الأميركي إن هذه السياسة تعرض مليارات الدولارات من الاستثمارات الأميركية للخطر.
مؤشرات خلاف
وظهرت اختلافات بين الولايات المتحدة والمكسيك، الاثنين، على صعيد نهج كل من البلدين في التعامل مع تدفق المهاجرين بأعداد قياسية إلى حدودهما المشتركة.
وقال لوبيز أوبرداور في مستهل محادثات ثنائية: "حان الوقت لإنهاء هذا التغاضي، هذا التخلي، هذا الازدراء بأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي". ويدعو الرئيس المكسيكي إلى استثمارات أميركية إضافية في المنطقة.
ودافع بايدن عن أداء واشنطن بقوله إنها "أنفقت عشرات مليارات الدولارات" في السنوات الخمس عشرة الأخيرة لصالح المنطقة، وأكد أن "الولايات المتحدة تقدم مساعدة خارجية تفوق مساعدات الدول الأخرى مجتمعة".
وحضت منظمة العفو الدولية قادة أميركا الشمالية على وضع حقوق اللاجئين والمهاجرين "في صدارة أولياتهم" خلال المحادثات الثلاثية و"التوقف عن تطبيق سياسات هجرة لا إنسانية مشتركة".
وقالت مديرة منظمة العفو في الأميركيتين إريكا جيفارا-روساس: "مع استمرار ارتفاع عدد الأشخاص الذين يفرون من العنف والاضطهاد، ترتدي حماية حقوق المهاجرين واللاجئين الإنسانية أهمية حيوية".
وأضافت: "بدلاً من وضع عوائق إضافية أمام تنقل الأفراد وتعريضهم لمزيد من الصعوبات على الرئيسين بايدن ولوبيز أوبرادور ورئيس الوزراء ترودو اعتماد إجراءات لحماية حقوقهم في أميركا الشمالية والخارج".
وأعلن بايدن، الخميس، توسيع الصلاحيات لصد أشخاص يصلون إلى الحدود لدخول الولايات المتحدة من دون استحصالهم على إذن.
وفي الوقت ذاته قررت إدارة بايدن إصدار 30 ألف تصريح إقامة إضافي شهرياً لمهاجرين من كوبا وهايتي ونيكاراجوا وفنزويلا، وهي البلدان التي تسجل حالياً أكبر تدفق للمهاجرين بطريقة غير قانونية.
"آفة" الفنتانيل
ومن أولويات بايدن الأخرى معالجة ما سماه الرئيس الأميركي "آفة الفنتانيل"، في إشارة إلى المادة المخدرة القوية التي تحصد الكثير من الضحايا وتهربها كارتلات مكسيكية عبر الحدود.
وتضغط الولايات المتحدة على المكسيك لبذل المزيد من الجهد لمواجهة تهديد الفنتانيل، الذي تنتج الكثير منه عصابات مكسيكية قبل تهريبه إلى الولايات المتحدة، التي سجلت في عام 2021 أكثر من 107 آلاف حالة وفاة بسبب جرعات زائدة من المخدرات، تعزى إلى الفنتانيل إلى حد كبير.
ووفقاً للصحيفة، توتر التعاون في مجال إنفاذ القانون بين الولايات المتحدة والمكسيك، منذ اعتقال وزير الدفاع المكسيكي السابق الجنرال سلفادور سيينفويجوس في عام 2020. قبل أن يفرج عنه المدعي العام الأميركي آنذاك وليام بار، بعد أن هددت المكسيك بـ"وقف التعاون".
وقبل أيام من رحلة بايدن، ألقى الجيش المكسيكي القبض على أوفيديو جوزمان، نجل امبراطور المخدرات السابق خواكين جوزمان الشهير بـ"إل تشابو". في حين قال الرئيس المكسيكي إن اعتقال جوزمان لا علاقة له بزيارة بايدن.
وفي عام 2021، أعلنت الولايات المتحدة والمكسيك تعديل نهجهما في مكافحة الاتجار بالمخدرات ومعالجة جذور مشكلة الهجرة وتشجيع التنمية الاقتصادية وتعزيز مكافحة تهريب الأسلحة عبر الحدود.
اقرأ أيضاً: