وليام بيرنز ومفاجأة "سي آي إيه".. الدبلوماسية في خدمة الاستخبارات

الدبلوماسي الأميركي السابق وليام بيرنز يتحدث خلال مؤتمر في تكساس، 26 فبراير 2016  - Bloomberg
الدبلوماسي الأميركي السابق وليام بيرنز يتحدث خلال مؤتمر في تكساس، 26 فبراير 2016 - Bloomberg
دبي-الشرق

شكّل اختيار الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، الدبلوماسي السابق وليام بيرنز لقيادة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) مفاجأة، بعدما درس فريقه الانتقالي ترشيح شخصيات من داخل الوكالة لشغل المنصب الرفيع.

وأشارت شبكة "إن بي سي نيوز" إلى أن فريق بايدن أعلن أن بيرنز سيكون، إذا ثبّت مجلس الشيوخ توليه المنصب، أول دبلوماسي متمرّس يعمل مديراً لـ "سي آي إيه"، علماً أنه كان مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، لكن بايدن اختار أنتوني بلينكن لشغل الحقيبة.

كان بيرنز (64 عاماً) نائباً لوزير الخارجية، وعمل في الوزارة لمدة 33 عاماً. ولدى تقاعده في عام 2014، ترأس معهد "كارنيغي للسلام الدولي" في واشنطن.

يحمل بيرنز شهادتَي الدكتوراه والماجستير في العلاقات الدولية من جامعة أكسفورد، إضافة إلى بكالوريوس في التاريخ من جامعة لاسال. ويجيد العربية والفرنسية والروسية، وكان سفيراً لدى روسيا، بين عامي 2005 و2008، ولدى الأردن بين عامي 1998 و2001، كما عمل مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، بين عامي 2001 و2005، إضافة إلى مناصب أخرى.

الملك الأردني عبدالله الثاني خلال لقائه الدبلوماسي الأميركي وليام بيرنز في عمان - 30 نوفمبر 2001 - REUTERS
الملك الأردني عبدالله الثاني خلال لقائه الدبلوماسي الأميركي وليام بيرنز في عمان، 30 نوفمبر 2001 - REUTERS

كتاب عن مصر

أعدّ بيرنز كتاب "المساعدة الاقتصادية والسياسة الأميركية إزاء مصر، 1955-1981"، الذي نُشر في 1985، وكتاب "قناة خلفية: مذكرات الدبلوماسية الأميركية ومسألة تجديدها"، الصادر في عام 2019، علماً أنه كان أبرز المفاوضين في المحادثات السرية التي مهدت للاتفاق النووي الإيراني، المُبرم في عام 2015، خلال عهد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما.

وذكرت شبكة "سي إن إن" أن بيرنز عمل في مناصب مختلفة، خلال عهود 5 رؤساء أميركيين، ديموقراطيين وجمهوريين، و10 وزراء خارجية. وبرّرت اختياره لقيادة "سي آي إيه" بأن بايدن معجب بـ"خبرته الدبلوماسية وقدرته المتصوّرة على استعادة الوكالة صدقيتها في حقبة ما بعد ترمب، إلى جانب خبرته بشأن روسيا".

وأوردت صحيفة "واشنطن بوست" أن اختيار بيرنز "سيخيّب الذين أرادوا أن يخلف ضابط استخبارات، جينا هاسبل"، مديرة "سي أي إيه". وذكّرت بطرح اسم مايكل موريل، وهو مدير سابق بالإنابة للوكالة، اتهمه قياديون ديمقراطيون بالدفاع عن التعذيب، واسم توماس دونيلون، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة أوباما، وهو صديق مقرّب من بايدن، إضافة إلى ديفيد كوهين، وهو مسؤول في وزارة الخزانة، عمِل لسنتين نائباً لمدير "سي آي إيه" خلال عهد أوباما.

تحدي الصين

واعتبرت "واشنطن بوست" أن بايدن اختار شخصاً من خارج الوكالة، "يمكنه إصدار حكم مستقل لإدارتها". وورغم أنه يتقن العربية والروسية، يفتقر بيرنز إلى خبرة في ما يتعلّق بالصين، التي اعتبرت الصحيفة أنها "تشكّل تحدياً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً متزايداً"، ورأت فيها أبرز تحدٍّ للمدير المقبل لـ "سي آي إيه".

واستدركت أن نجاح بيرنز في مهمته الجديدة مرهون بأن يكون "غير دبلوماسي"، وتابعت: "قد لا تكون هذه غريزته الطبيعية، لكن هذه الوظيفة تتطلّب إبلاغ الناس، وخصوصاً المدير، أشياء لا يريدون سماعها".

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسفير الأميركي وليام بيرنز في موسكو - 8 نوفمبر 2005 - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والدبلوماسي الأميركي وليام بيرنز في موسكو، 8 نوفمبر 2005 - REUTERS

وذكرت "واشنطن بوست" أن سجلّ بيرنز يُظهر أنه كان ناقداً لقرارات سياسية، مستدركة أنه استوعب أحياناً أولئك الذين اعتقد أنهم كانوا مخطئين. وأضافت أنه حذر سراً من "افتراضات وردية متهوّرة"، تكمن وراء قرار الرئيس جورج بوش الابن بغزو العراق، في عام 2003، لكنه سأل في مذكراته: "لماذا لم أواجِه في معارضتي، أو أستقيل؟".

هجوم بنغازي

ورجّحت "سي إن إن" ألا يلقى مرشحو بايدن صعوبة لتثبيتهم في مجلس الشيوخ، الذي بات الديمقراطيون يسيطرون عليه. واستدركت أن دور بيرنز في التحقيق بالهجوم الدموي على القنصلية الأميركية في بنغازي، قد يخضع لمراجعة. وذكّرت بأنه أدلى بشهادة، خلال جلسة استماع في مجلس النواب عام 2012، بعدما عجزت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون عن ذلك، بسبب ارتجاج في المخ.

وقال بيرنز آنذاك: "تعلّمنا دروساً صعبة ومؤلمة في بنغازي.. علينا أن نفعل ما هو أفضل. نحن مدينون بذلك لزملائنا الذين خسروا حياتهم في بنغازي".

مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز يتحدث في طرابلس أمام صورة للسفير الأميركي كريستوفر ستيفنز  الذي قُتل في هجوم بنغازي - 20 سبتمبر 2012 - REUTERS
مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز يتحدث في طرابلس أمام صورة للسفير الأميركي كريستوفر ستيفنز الذي قُتل في هجوم بنغازي، 20 سبتمبر 2012 - REUTERS

انتقاد ترمب

كتب بيرنز، وليندا توماس غرينفيلد، مرشحة بايدن لمنصب مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مقالاً في مجلة "فورين أفيرز"، نشرته أواخر عام 2020، بعنوان "تحوّل الدبلوماسية، كيفية إنقاذ وزارة الخارجية"، انتقدا فيه تعامل إدارة ترمب مع موظفي الوزارة، و"تشويه سمعة" بعضهم، ممن "عملوا في ملفات مثيرة للجدل خلال إدارة أوباما، مثل المفاوضات النووية الإيرانية"، ما أسفر عن "خروج حياتهم المهنية عن مسارها".

وأضاف المقال أن تلك الإدارة "أولت القليل من الاهتمام للمشهد الدولي سريع التغيّر، حيث تتسارع المنافسة الجيوسياسية مع الصين الصاعدة، وروسيا العائدة". وتابع أن "استعادة الهيمنة الأميركية ليست واردة، في ضوء صعود الصين وانتشار القوة العالمية"، معتبراً أن على "الدبلوماسية الأميركية أن تقبل الدور المتضائل للدولة في الشؤون العالمية، ولكنه لا يزال محورياً". ولفت إلى أهمية "تنظيم حكيم للتنافس الجيوسياسي مع الصين".

ملف إيران

ويُرجّح أن تكون إيران من أبرز الملفات التي سيتعامل معها بيرنز، بصفته مديراً لـ "سي آي إيه". وفي عام 2019، كتب بيرنز، وجايك سوليفان، الذي اختاره بايدن مستشاراً للأمن القومي في البيت الأبيض، مقالاً في مجلة "ذي أتلانتيك"، انتقد سياسة "الضغط الأقصى" التي انتهجتها إدارة ترمب إزاء إيران، معتبراً أن "تصعيده العدواني للعقوبات، والخطاب الصاخب لأبرز مسؤوليه، وافتقار إدارته إلى التعامل المباشر مع طهران، تكشف هدفاً مختلفاً جوهرياً: استسلام النظام الإيراني أو انهياره".

سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي خلال لقائه مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز في جنيف - 19 يوليو 2008  - REUTERS
سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي خلال لقائه مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز في جنيف، 19 يوليو 2008 - REUTERS

وحضّ المقال إدارة ترمب على انتهاج "أجندة أكثر واقعية" بشأن الملف النووي الإيراني، معتبراً أن "الدبلوماسية هي أفضل طريقة لاختبار النيات وتحديد مجال الممكن، وإصلاح الضرر الذي ألحقه دورنا الأحادي بشراكاتنا الدولية، والاستثمار في إكراه أكثر فاعلية، إذا لزم الأمر لتركيز العقول في طهران". وحذر من أن "الإكراه من دون دبلوماسية يمكن أن يؤدي إلى أخطاء فادحة في الشرق الأوسط".