بدأت مؤشرات "انقسام سياسي" في أعلى هرم السلطة داخل الحزب الشيوعي في الصين، مع شروع الحلفاء الأوفياء للرئيس شي جين بينج في التنافس على النفوذ تمهيداً لسباق خلافته في قيادة الحزب، حسبما أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
ومن المقرر أن يعلن الرئيس الصيني مجموعة من التعيينات لشغل مناصب حاسمة في السلطة خلال الدورة السنوية المقبلة للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في مارس المقبل.
وبحسب الصحيفة فإن التعيينات المرتقبة ستشمل في الغالب رجالاً اشتغل معهم الرئيس الصيني منذ بداية مساره السياسي، أو مسؤولين يحظون بثقته واشتغلوا معه خلال العقود الأولى في مسيرته السياسية، فضلاً عن أسماء صاعدة جديدة من السياسيين الذين أثبتوا ولاءهم للرئيس الصيني، الذي أصبح أقوى قائد سياسي في البلاد منذ مؤسس النظام الصيني الحالي ماو تسي تونج.
وستكون تلك التعيينات بمثابة خطوة نحو استكمال بينج إجراءات توطيد سلطته في الوقت الذي يشرع فيه في فترة ولاية ثالثة غير مسبوقة مدتها خمس سنوات كزعيم للحزب الشيوعي الصيني.
ولفتت الصحيفة إلى أن التعيينات المرتقبة تشير كذلك إلى ظهور مجموعة جديدة من الفصائل وسط أتباع بينج والموالين له.
حقبة جديدة من الانقسام
وكتب وو جو جوانج، الذي عمل مستشاراً لرئيس الوزراء الصيني السابق تشاو زيانج، في مقال نشره مؤخراً مركز China Leadership Monitor، وهي مجموعة بحثية أميركية، أن "حقبة جديدة من الانقسامات السياسية بدأت تتكشف" داخل الحزب الشيوعي الصيني.
وقال وو، الذي يعمل الآن كباحث في جامعة ستانفورد ومركز الأبحاث الأميركي Asia Soceity، إنه "من غير المرجح أن يواجه وضع شي وسلطته كقائد أعلى أي تحديات من جانب كوادر الحزب الشيوعي الصيني رفيعي المستوى، لكن التنافس بين الفصائل بدأت بالفعل في الظهور بين المجموعات المختلفة لأتباع شي".
وكانت السمة المميزة لقيادة شي على مدى السنوات العشر الماضية هي مركزية صنع القرار، مما قلل من تأثير القادة الكبار الآخرين في الحزب. كما أنه نجح بالفعل في تفكيك الشبكات النافذة والقوية السابقة، التي كانت متحالفة مع أسلافه هو جينتاو والراحل جيانج زيمين.
وبينما لا تشكل الصراعات الحالية أي تهديد لسيطرة شي القوية على السلطة، فإنها تعكس تنافساً بين الفصائل الجديدة على السيطرة والنفوذ، استبقاً لمرحلة التنافس على خلافة شي في قيادة الحزب.
منافسة حتمية
وقال وو إنه في السنوات المقبلة "ستكون المنافسة بين الفصائل الموالية لشي حتمية"، لافتاً إلى أن "التغيير بين الأجيال داخل الحزب سيؤجج أيضاً صراعات السلطة بين الفصائل الفرعية التي تتشكل الآن".
ويشير وو، في مقاله، إلى 4 فصائل مهمة تتكون من مسؤولين اشتغل معهم شي في أربعة مناطق، وهي مقاطعة فوجيان، حين كان حاكماً للإقليم، وتشجيانج، وشنغهاي حيث ترأس اللجان الفرعية للحزب، وكذلك شنشي، المقاطعة الشمالية حيث تتمتع عائلة شي بشبكة علاقات عميقة.
كما أشار إلى 5 فصائل أخرى، بما في ذلك مجموعة من المسؤولين من القطاعين العسكري والصناعي، وأولئك الذين لهم صلات بجامعة تسينجهوا المرموقة في بكين، وأعضاء مرتبطين بمدرسة الحزب المركزية، والعديد من المسؤولين الذين تربطهم صلات واضحة بزوجة شي، المغنية بينج ليوان، فضلاً عن مجموعة أخرى من قطاع الأمن.
وكتب وو: "في الصورة الأوسع، يبدو أن صعود المجموعة [العسكرية والصناعية] يشير على ما يبدو إلى استراتيجية شي الجديدة للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية، التي تركز على الرفع من قدرة الدولة في القطاع التكنولوجي وتقليل دور القطاع الخاص في الاقتصاد الصيني".
فصائل فوجيان وتشجيانج
أما فيكتور شيه، الخبير في سياسات الصين بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، فيضيق نطاق الفصائل الأكثر أهمية إلى تلك المجموعات التي شكلها شي عندما في فوجيان وتشجيانج، وكذلك مجموعة الكوادر الشماليين، الذين منحهم شي مناصب في أجهزة مكافحة الفساد القوية بالحزب.
وبحسب "فاينانشيال تايمز"، فإن من ضمن رعايا شي الأوفياء من فوجيان هناك "هي ليفانج"، الذي يتوقع الكثيرون أنه سيحل محل ليو هي، الذي يعتبر كبير المسؤولين الاقتصاديين. كما تشمل القائمة كذلك، تساي تشي، المسؤول عن الدعاية والأيديولوجيا في الحزب، فضلاً عن وزير الأمن العام وانج شياو هونج، وكلاهما كانا على صلة مع شي عندما شغل منصب حاكم المقاطعة حتى 2002.
وقال شيه لـ"فاينانشيال تايمز" إنه "يجب أن نتذكر أن شي أمضى في فوجيان أطول فترة في مسيرته المهنية، مضيفاً: "لقد كان في فوجيان لأكثر من عقد. لذلك ترك هذا المكان بصمة عميقة عليه والعكس صحيح".
ومن بين المسؤولين من تشجيانج، حيث كان شي زعيم لجنة الحزب في المحافظة في الفترة من عام 2002 إلى عام 2007، تشير الصحيفة إلى لي تشيانج، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي والمرشح الأول لمنصب رئيس الوزراء الصيني المقبل، بالإضافة إلى رئيس لجنة الحزب في مقاطعة قوانجدونج، هوانج كونمينج ووزير أمن الدولة الجديد تشن ييشين.
مشهد معقد
وقال تشينج لي، وهو خبير في السياسة الصينية في معهد بروكينجز، للصحيفة إن الخبراء لا زالون في "المراحل الأولى" فقط من فهم المشهد الجديد "المعقد للغاية" في الصين. وأشار إلى الحاجة إلى تحليل الشبكة الواسعة المرتبطة بقيادة شي، بما في ذلك شبكة علاقاتهم الشخصية بالإضافة إلى اختلافاتهم في السياسة والأيديولوجيا.
من جانبه، يشير جوزيف توريجيان، الخبير في السياسات الصينية في الجامعة الأمريكية بواشنطن، إلى "سجل ضعيف للغاية" فيما يتعلق بدقة توقعات المراقبين المتخصصين في الصين بشأن التحولات وسط الحزب، والتي تطبعها السرية.
غير أنه رجح أن تكون الفترة المقبلة مشابهة لحقبة ماو سي تونج، حين قام بتطهير قادة جيله في الحزب وترقية الكوادر الأصغر سناً.
ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن توريجيان قوله إنه "من المؤكد أننا سنرى منافسة بين هذه المجموعات المختلفة التي برزت بعد حملة التطهير الأخيرة التي قام بها شي".
ولفت توريجيان إلى أن المجموعات الصاعدة حديثاً كانت تحاول إرضاء شي بالطريقة التي تراها أفضل، غير أنه أشار إلى أن أي فصائل تتشكل في أعلى هرم السطة بالحزب الشيوعي الصيني تخاطر كذلك بإغضاب شي، الذي قام بقمع معارضيه السياسيين، الذين اعتبرهم يشكلون تهديداً لحكمه.
وفي الأشهر التي سبقت مؤتمر الحزب في أكتوبر الماضي، صدرت أحكام بالسجن لفترات طويلة على مسؤولي العدل والأمن العام السابقين المتهمين بالانتماء إلى "عصابة سياسية" غير موالية للرئيس الصيني.
وأضاف توريجيان أن مثل هذه المجموعات من السياسيين في الصين "نادراً ما تتحد على شيء متماسك مثل ما نعتبر أنه فصيل" سياسي.
وتابع: "لا تريد تلك المجموعات أن تظر وكأنها تعمل كثيراً بالتنسيق مع بعضها البعض، لأن ذلك سيكون علامة تحذير فورية لشي جين بينج.. وقد يرغب في تحطيم ذلك الفصيل وتدميره".
اقرأ أيضاً: