تعرف إلى تفاصيل ومراحل الخلاف بين مسؤولي النفط في ليبيا

ناقلة نفط تغادر ميناء الزويتينة النفطي على البحر المتوسط في ليبيا- 4 أكتوبر 2020 - REUTERS
ناقلة نفط تغادر ميناء الزويتينة النفطي على البحر المتوسط في ليبيا- 4 أكتوبر 2020 - REUTERS
دبي -الشرق

أحيت صفقة غاز بقيمة 8 مليارات دولار مع إيطاليا خلافات متجددة بين مسؤولي قطاع النفط في ليبيا، مع استمرار انجراف قطاع الطاقة إلى الصراع السياسي بالبلاد.

وكانت الخلافات المتعلقة بالنفط خلال العام الماضي محصورة بين الحكومتين المتنافستين على السلطة في البلاد. إذ أغلق متظاهرون وزعماء قبائل موانئ وحقول للنفط كـ"ورقة ضغط" لدفع حكومة عبد الحميد الدبيبة للتنحي عن السلطة، بعدما أقالها البرلمان وعيّن حكومة أخرى بقيادة فتحي باشاغا.

غير أن الخلاف الجديد الذي برز مؤخراً يعكس انقساماً وسط حكومة الدبيبة. فمن جهة تم التوقيع على الاتفاق من جانب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، الذي تم تعيينه في المنصب من قبل الدبيبة العام الماضي. ومن جهة أخرى، فإن وزير النفط بحكومة الدبيبة، محمد عون هو من أبرز الرافضين للصفقة.

فما حقيقة الخلاف بين مؤسسة النفط و وزارة النفط والغاز بحكومة الدبيبة؟

ما طبيعة الخلاف بشأن الصفقة؟

وقعت ليبيا وإيطاليا، السبت، اتفاقاً بقيمة قد تصل إلى 8 مليارات دولار يستمر لمدة 25 عاماً، تزود بموجبه طرابس، روما بكميات كبيرة من الغاز، لتعزيز إمدادات الطاقة إلى أوروبا، والتي تراجعت بسبب الحرب في أوكرانيا، وفق ما أعلنت وكالة الأنباء الليبية.

ووقع الاتفاق من الجانب الليبي رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، فيما وقع من جانب إيطاليا الرئيس التنفيذي لمجموعة الطاقة العملاقة "إيني" كلاوديو ديسكالزي.

وقوبلت الاتفاقية بالرفض من جانب محمد عون، وزير النفط والغاز بحكومة الدبيبة، الذي اعتبر أن "أي صفقة تبرمها المؤسسة الوطنية للنفط مع إيطاليا، تفريط في ثروة الدولة الليبية".

وقال عون الذي تغيّب عن استقبال ميلوني، ولم يشارك في المحادثات التي أجرتها بطرابلس، في مقطع فيديو على الموقع الإلكتروني للوزارة، إن "مثل هذه الاتفاقات يجب أن تعقدها الوزارة، واتهم رئيس مؤسسة النفط فرحات بن قدارة بتجاوز صلاحياته".

لكن بن قدارة دافع في المقابل عن الاتفاقية. وقال في مؤتمر صحافي: "راعينا في اتفاقيتنا مع شركة (إيني) الإيطالية نشاط دول الجوار في مجال الاكتشافات البحرية والمخاطر المحيطة"، لافتاً إلى أن "الاتفاقية تدلّ على عمق العلاقات بين دولتين جارتين في حوض البحر المتوسط".

واعتبر أن "الاتفاقية تعني أكثر من تطوير لحقول غاز تقترب احتياطاتها من 6 تريليونات قدم مكعب من الغاز وقدرة إنتاجية بين 750 و800 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً لمدة 25 عاماً". 

ما علاقة الدبيبة بالخلاف؟ 

تم التوقيع على اتفاق المؤسسة الوطنية للنفط الليبية وشركة "إيني" الايطالية تحت إشراف عبد الحميد الدبيبة ورئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني خلال زيارتها إلى طرابلس.

ويعتبر كلا طرفي الخلاف الرئيسيين بشأن الصفقة محمد عون وفرحات بن قدارة مسؤولين في الحكومة التي يقودها الدبيبة.

وجاء تعيين عون وزيراً للنفط في فبراير 2021 إثر المحادثات التي رعتها  الأمم المتحدة، وأسفرت عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بقيادة  الدبيبة.

Eni Chief Executive Officer Claudio Descalzi and NOC head Farhat Bengdara attend an event to sign an agreement between the two companies in Tripoli - REUTERS
رئيس الحكومة الليبية المقالة من قبل البرلمان عبد الحميد الدبيبة يصفق، بينما يصافح رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة الطاقة الإطالية "إيني"، كلاوديو ديسكالزي- 28 يناير 2023- REUTERS

في المقابل، فإن فرحات بن قدارة، وهو محافظ البنك المركزي الأسبق في عهد معمر القذافي، تم تعيينه رئيساً لمؤسسة النفط الليبية من قبل عبد الحميد الدبيبة في يونيو 2021، وذلك خلفاً لمصطفى صنع الله الذي قررت حكومة الدبيبة إقالته من منصبه ويقيم حالياً في تركيا.

وبحسب وكالة "بلومبرغ"، فإن الدبيبة قرر آنذاك استبدال صنع الله بفرحات بن قدارة، كوسيلة لإرضاء حكومة فتحي باشاغا وحلفائها في شرق ليبيا، بمن فيهم قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، الذي يسيطر مؤيدوه على عدة حقول نفطية ليبية شرقي البلاد، مشيرةً إلى أن بن قدارة شخصية مقربة من حفتر.

وكان وزير النفط محمد عون على خلاف مع مصطفى صنع الله بشأن إدارة عائدات النفط وحاول مرات عديدة إقالته من المنصب. غير أن الدبيبة كان يرفض قرارات عون بإقالة صنع الله، نظراً لأن الأخير كان محسوباً على الدبيبة في صراعه مع حكومة باشاغا.

وحين قرر الدبيبة التخلي عن صنع الله وتعيين فرحات بن قدارة خلفاً له، رحب وزير النفط بالقرار، وقال عقب لقاء مع بن قدارة في أغسطس الماضي، إن وزارته تؤكد دعمها الكامل للمؤسسة الوطنية للنفط، "لما فيه صالح البلاد".

ولم يمر وقت طويل على تلك التصريحات، حتى الخلافات بين الطرفين إلى العلن.

هل هناك خلاف بين الدبيبة وعون؟

برزت الخلافات بين الدبيبة وعون في سبتمبر الماضي، حين أعاد رئيس الحكومة المقالة من البرلمان تشكيل المجلس الأعلى لشؤون الطاقة تحت رئاسته، مانحاً لنفسه بذلك صلاحيات واسعة تتجاوز وزير النفط والغاز بحكومته، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط أيضاً.

هذا القرار أخرج وزير النفط عون عن صمته، إذ طالب عون بـ سحب القرار، واتهم الدبيبة بمحاولة نزع صلاحياته، قائلاً إن "القارئ لمحتوى هذا القرار سيلاحظ مباشرة أنه محاولة لسلب اختصاصات وزارة النفط والغاز". 

وبعد أيام قليلة، تصاعد الخلاف مجدداً بين الدبيبة وعون، إثر توقيع حكومة الدبيبة مذكرة تفاهم مع تركيا للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، بينما كان عون في زيارة رسمية إلى جنوب إفريقيا.

وتم التوقيع على الوثيقة في 3 أكتوبر الماضي من قبل وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الدبيبة، محمد الحويج المكلف بوزارة النفط والغاز، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز.

ورفض عون الاتفاق، وقال إن الدبيبة قام بتكليف وزير الاقتصاد والتجارة بالحكومة، محمد الحويج، بتسيير مهام وزارة النفط، بينما كان هو في زيارة عمل إلى جنوب أفريقيا، فقط بهدف "تمرير صفقة مع تركيا في مجال النفط والغاز".

وأضاف عون، في تصريح تلفزيوني، أن هذه سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ عمله بالحكومة، مشيراً إلى أن التكليف لا يحدث إلا في حال خروج الوزير في إجازة رسمية وليس لسفره في مهمة عمل.

وتراجع  عون عن اعتراضه على إبرام الاتفاقية مع تركيا. وقال في تصريحات صوتية بثتها منصة "حكومتنا" التابعة للحكومة، إنه تم تضمين ملاحظاته بشأن الصفقة في الاتفاق، وأكد أنه ليس لديه الآن مانع من توقيع الاتفاقية. 

وقبل ظهور الخلاف بين الجانبان إلى العلن عبر تصريحات رسمية، فإن عون كان قد أعرب تأييده لقرار البرلمان بإقالة حكومة الدبيبة وتعيين حكومة باشاغا.

وقال في مقابلة مع "بلومبرغ" في فبراير 2022، إن  مجلس النواب الشرعي أصدر قراراً باختيار رئيس حكومة جديد، و"علينا احترامه بأي شكل"، وهو موقف يتعارض مع موقف الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة سوى لحكومة تُنتخب في اقتراع عام.

 كيف انجرت مؤسسة النفط للصراع السياسي؟

انجرّت المؤسسة الوطنية للنفط إلى صراع السياسة الليبية تحت قيادة صنع الله، الذي تقلد منصب رئيس مجلس الإدارة منذ 2014 وتفاوض مع شركات الطاقة مثل "بي بي" و"إيني". وقال بعض السياسيين في شرق البلاد إن الشركة تمنع الأموال عن المنطقة، وهو ما أنكرته المؤسسة.

وتتولى المؤسسة الوطنية للنفط تسويق النفط، فيما تتدفق عائدات النفط عبر مصرف ليبيا المركزي، الذي يوجد مقره في طرابلس.

وعلى مدى أعوام سعت المؤسسة إلى تحييد تهديد الفصائل المحلية وحرس المنشآت النفطية، القوة المسؤولة عن حماية الأصول النفطية لكنها تضم أيضاً جماعات مسلحة متقلبة الولاء وسبق أن أغلقت المنشآت في عدة مرات للضغط من أجل تلبية مطالب سياسية، بحسب "رويترز".

ويستغل المصرف المركزي عائدات النفط من أجل توزيع أجور موظفي الدولة، والتي تشكل أكثر من نصف الإنفاق العام، في أنحاء البلاد، المنقسم منذ 2014 بين معسكرين متنافسين في طرابلس والشرق، لكل منهما مؤسساته الخاصة به.

وتتهم حكومة باشاغا، منذ منحها الثقة في مارس2022، غريمتها في طرابلس بـ"تبديد أموال الشعب الليبي، على أهداف وبرامج دعائية، ودعم التشكيلات المسلَّحة"، لكن الأخيرة تقول إن ميزانيتها تخضع للرقابة من ديوان المحاسبة، كما أنها تنفق بالتساوي على جميع المناطق والمؤسسات الليبية.

وفي ظل المناكفات السياسية بين الحكومتين، شهدت ليبيا إغلاقات متزايدة للموانئ وحقول النفط من قبل متظاهرين في العام الماضي، قبل أن تستأنف البلاد إنتاج النفط عقب توصل حكومة الدبيبة إلى اتفاق في يوليو الماضي مع المحتجين وزعماء القبائل لإعادة فتح الحقول ومحطات التصدير التي أُغلقت إلى حد كبير لعدة أشهر.

ويسيطر الشرق على ثلثي موارد النفط والغاز مقابل الثلث للغرب الليبي، إذ تقع معظم منشآت النفط الليبية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي، ضمنها  4 موانئ تصدير في منطقة الهلال النفطي في شمال شرقي البلاد، إضافة إلى ميناء الحريقة في طبرق قرب الحدود مع مصر. ومن هذه المنافذ يتم تصدير القسم الأكبر من النفط الليبي.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات