ما هو قانون جورج فلويد للعدالة؟

النائبة الأميركية شيلا جاكسون لي (وسط) خلال مؤتمر صحافي بشأن "قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة" في  هيوستن بتكساس- 6 مارس 2021 - AFP
النائبة الأميركية شيلا جاكسون لي (وسط) خلال مؤتمر صحافي بشأن "قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة" في هيوستن بتكساس- 6 مارس 2021 - AFP
رشا جدة

جدَّدت مأساة مصرع الشاب الأميركي من أصول إفريقية تاير نيكولاس على أيدي رجال الشرطة الأميركية، الدعوات إلى ضرورة إصلاح الشرطة في الولايات المتحدة وتمرير مشروع "قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة"، المصمم لهذا الغرض.

وتحول مشروع القانون إلى قضية خلافية كبرى في البلاد، ويستبعد خبراء تمرير الكونجرس الحالي المنقسم للمشروع الذي طالما عارضه الجمهوريون.

إحياء القانون

وعلى الرغم من أن القانون طُرح منذ مصرع جورج فلويد (46 عاماً) على يد ضباط شرطة مينيابوليس في مايو 2020، إلا أنَّ قضية أخرى أعادت إحياءه.

وفي 7 يناير الماضي انتشرت لقطات من مقطع فيديو تصور عدداً من رجال الشرطة في مدينة ممفيس بولاية تينيسي الأميركية، يركلون ويلكمون ويستخدمون الهراوات بشكل متكرر لضرب شاب من أصول إفريقية مستلقٍ على الأرض وهو يصرخ.

وبعد 3 أيام من الواقعة، توفي الشاب الذي يدعى تاير نيكولاس (29 عاماً)، وأب لطفل لا يتعدى الـ 4 سنوات.

كانت رواية الشرطة هي أنَّ نيكولاس تم توقيفه لأنه كان يقود سيارته بشكل متهور وحاول الفرار بعد توقيفه.

وأظهرت لقطات الفيديو أنهم قاموا بضربه وسحله. وبعد الاعتقال، اشتكى نيكولاس من ضيق في التنفس، وتم نقله إلى المستشفى في حالة حرجة حيث توفي في 10 يناير الماضي، وفُصِل الضباط الخمسة الذين اتُهِموا بارتكاب جريمة القتل من الدرجة الثانية ومازالت محاكمتهم جارية. 

وعلى مدار أسابيع، خرجت التظاهرات المطالبة بإصلاح الشرطة، وفي بداية الشهر الجاري، وأثناء حضورها مراسم تأبين نيكولاس طالبت نائبة الرئيس كامالا هاريس المشرعين بإحياء المحادثات بشأن تشريع إصلاح الشرطة.

وقالت هاريس: "نطالب الكونجرس بتمرير قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة. جو بايدن سيوقع عليه. يجب ألا يؤجل، وألا يتم رفضه. إنه غير قابل للتفاوض".

قانون جورج فلويد

بعد حادث مصرع جورج فلويد في مايو 2020، أطلق جو بايدن (المرشح الديمقراطي حينها للسباق الرئاسي) حملته الانتخابية وسط وعود بإصلاح الشرطة، متعهداً "بالتوقيع على مشروع قانون شامل وهادف لإصلاحها".

كما مرَّر مجلس النواب الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون، "قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة"، مرتين الأولى في يونيو 2020 والأخرى في مارس 2021، لكن في كلتا المرتين انهارت المفاوضات بشأن القانون في مجلس الشيوخ الخاضع حينها لسيطرة الجمهوريين.

متظاهرون يحتجون على مصرع جورج فلويد في ديترويت بميشيجان، 29 مايو 2020 - Getty Images via AFP
متظاهرون يحتجون على مصرع جورج فلويد في ديترويت بميشيجان- 29 مايو 2020 - Getty Images via AFP

ويهدف مشروع القانون الفيدرالي إلى إصلاح إدارات الشرطة الأميركية من خلال قمع التكتيكات المثيرة للجدل مثل أوامر الضرب وتسهيل محاكمة الضباط المتهمين بالعنف، كما أنه يحظر على الضباط الفيدراليين استخدام القوة المميتة.

سياسات إصلاحية

وقال أستاذ العدالة الجنائية مدير برنامج الاستخبارات بجامعة ميشيجان ديفيد كارتر إنه على الرغم من عدم إقرار مشروع القانون، إلا أنَّ معظم أقسام الشرطة تبنَّت سياساتٍ إصلاحية مثل تخفيف حدَّة استخدام القوة والتدخل لإيقاف الضابط عندما يستخدم القوة المفرطة.

وأضاف كارتر لـ"الشرق" أنَّ هذه السياسات أظهرت تقدماً في معظم الأماكن لكن في مواقع أخرى مثل مدينة ممفيس تم تجاهلها لأنه لم يتم إضفاء الطابع المؤسسي عليها في ثقافة الشرطة بقسم شرطة المدينة، وبالتالي فشل المشرفون في تطبيقها.  

وفي الهيكل القانوني الأميركي لا يمكن أن تطلب حكومة الولايات المتحدة تغييرات في سياسة وممارسات الشرطة في إدارات الشرطة بالولايات والأقسام المحلية، وبدلاً من ذلك يمكنها زيادة مساءلة الشرطة عند وقوع حادث قوة مفرطة، وهو ما يعتقد كارتر أنه جوهر قانون جورج فلويد للعدالة. 

مزايا القانون

ويعدد كارتر مزايا القانون وتأثيره على تعديل سلوك الشرطة، إذ إنَّ من شأن القانون، كما يقول، أن يخفض على المدعين العامين المستوى المطلوب للحصول على لوائح اتهام لمقاضاة الضباط الذين يستخدمون القوة المفرطة.

كما أنه سيحد من سطوة ما يعرف بـ"الحصانة المؤهلة" التي تحمي ضباط الشرطة من المسؤولية الفردية، والتي تجعل من شبه المستحيل مقاضاة ضباط الشرطة لانتهاكهم الحقوق المدنية لشخص ما.

وأوضح كارتر أنَّ القانون سينشئ أيضاً سجلاً خاصاً بسوء السلوك لدى الشرطة الوطنية من أجل تجميع بيانات عن الشكاوى وسجلات سوء سلوك الشرطة عبر المستويات الفيدرالية والمحلية، ما يمنح وكالات إنفاذ القانون القدرة على البحث عن خلفية الضابط قبل التعيين، وهو ما قد يمنع الضباط الذين تم عزلهم بسبب سوء السلوك من العمل في وكالات أخرى.

وبحسب كارتر سيمنح القانون وزارة العدل الأميركية سلطة الاستدعاء الإداري في "تحقيقات النمط أو الممارسة"،  لتحديد ما إذا كانت إدارة الشرطة تمارس العنف مع المشتبه بهم، مضيفاً: "كل هذه أساليب للمساءلة ويمكن أن تكون فعالة في منع القوة المفرطة للشرطة".

تغييرات جوهرية

بعد إدانة ضابط الشرطة السابق ديريك شوفين في وفاة جورج فلويد خلال أبريل 2021، بدأت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، بقيادة النائب الديمقراطي كوري بوكر والجمهوري تيم سكوت، العمل على مشروع قانون إصلاح الشرطة، وفشلت المفاوضات بعد أشهر.

وكان من شأن مشروع القانون أن يخفض من معيار النية الجنائية لملاحقة الضباط من التعمد إلى التهور أو الإهمال، وإدانة ضابط إنفاذ القانون لسوء السلوك.

وانتقدت جمعية الشرطة الوطنية ذلك البند، زاعمة أنَّ الضابط حين يقتل دون قصد أو حقد مشتبهاً به عن طريق الخطأ فإنه سيُحاكم وفقاً للقانون الجديد على أنه ارتكب جريمة "رغم كونه خطأ مشروعاً"، على حد وصفها. 

ويرى أستاذ العلوم الإنسانية والاجتماعية وعلم الجريمة بجامعة "ويلفريد لوريير" الكندية، باتريك واتسون، أنَّ توحيد تعريف النية الجنائية للقتل وملاحقة الضباط على المستوى الفيدرالي، من أفضل الأمور في مشروع القانون، إذ يختلف تعريف نية القتل ما بين ولاية وأخرى، ما يسمح للكثيرين بالإفلات.

فرص أكبر للإدانة

وفي حديثه لـ"الشرق" يقول واتسون إنَّ معظم قضايا عنف الشرطة تعتمد على المحلفين، وفي كثير من الحالات لا يدين المحلفون الضباط بسبب عدم وجود نية التعمد، لكن في قانون فلويد ومع تغير الملاحقة الجنائية بنية الإهمال والتهور ستكون هناك فرصاً أكبر لإدانة الضباط في حالة سلب أرواح المشتبه بهم من خلال العنف.

ويعدد واتسون بعض الأمور الأخرى التي إذا تم تطبيقها من خلال القانون الجديد فسيكون تأثيرها جيداً، مشيراً في هذا الصدد إلى أنَّ وزارة العدل "لديها السلطة لمحاكمة الضباط سيئي السلوك، لكنها تمنح الولايات مسؤولية محاكمة ضباطها، وبالتالي تتم تبرئتهم، ولا يستطيع الضحية رفع قضية أخرى، نظراً للقاعدة القانونية في أميركا التي تقول إنه إذا رفعت قضية، وحكمت المحكمة في غير صالحك فإنك لا تستطيع رفع قضية أخرى في الشأن نفسه".

وأضاف واتسون أنَّ القانون الجديد يلزم بإنشاء وحدات تحقيق مستقلة عالية الجودة للتحقيق في مزاعم استخدام الضباط للقوة، بدلاً من مجرد توفير التمويل للولايات للقيام بذلك حتى لا يفلت الضابط من العقاب.

ومع ذلك يرى واتسون أنَّ ما تحتاجه الولايات المتحدة أكثر من قانون فلويد هو الاستثمار في المجتمعات، مضيفاً: "في علم الجريمة عرفنا لمدة عقود متتالية أنَّ تقديم الخدمات المجتمعية والفرص للأفراد لبناء تكاتف مع بعضهم البعض أفضل سبيل لتقليل الجرائم من هذا النوع، وأقل كلفة من بنود مقترحة في القانون تتطلب تمويلاً فيدرالياً لفرض عدد من السياسات بما في ذلك تزويد الضباط بكاميرات للجسم". 

إشكاليات الحصانة 

في سبتمبر 2021 وبعد أشهر من المفاوضات بين الحزبين بشأن قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة، لم يستطع المفاوضون تجاوز مخاوفهم بشأن مسألة "الحصانة المشروطة" أو "الحصانة المؤهلة"، وهو مبدأ قانوني يحمي ضباط الشرطة من المسؤولية المدنية عن سوء السلوك.

في نسخة القانون التي أقرها مجلس النواب، قيّد الديمقراطيون استخدام "الحصانة المؤهلة" لضمان إمكانية محاسبة ضباط الشرطة عند اتهامهم بخرق القانون، وهو ما عارضه الجمهوريون بشدة.

ويبين أستاذ العدالة الجنائية مدير برنامج الاستخبارات بجامعة ميشيجان ديفيد كارتر حجة الجمهوريين في التحفظ على هذا البند إذ يرون أنه يجعل من الدعاوى القضائية ضد ضباط الشرطة أمراً سهلاً، وبالتالي لن يكون الضباط سباقين في مكافحة الجريمة وسترتفع معدلاتها.

ويضيف: "لا يوجد دليل تجريبي لدعم أي من جانبي هذه الحجة. لكن جوهر القضية هو أنَّ هذا أصبح معركة سياسية بحتة تتضمن مفاوضات الكونجرس بشأن قضايا تتجاوز قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة، وهذا التشريع هو ببساطة ضحية للمعارك السياسية الأكبر".

الكونجرس الحالي

في حفل تأبين الشاب الأميركي من أصول إفريقية تاير نيكولاس الذي قضى على أيدي الشرطة، قال محامي العائلة بن كرومب إن النائبة الديمقراطية شيلا جاكسون لي، تعتزم إعادة تقديم "قانون جورج فلويد للعدالة في الشرطة" إلى مجلس النواب الحالي بعد خطاب حالة الاتحاد في 7 فبراير الجاري.

ويخضع مجلس النواب الحالي لسيطرة الجمهوريين وهو ما يجعل أستاذة الدراسات الأميركية الإفريقية بجامعة "نورث وسترن كيانجا تايلور" تفقد كل أمل في أن يمرر الكونجرس "إصلاحاً مهماً أو مفيداً للشرطة"، خاصة مع تأكيدها أنه لا توجد إرادة سياسية لفعل ذلك.

وقالت تايلور لـ"الشرق"، إنه إذا كانت الاحتجاجات التاريخية التي شارك فيها عشرات الملايين في عام 2020 رداً على القتل العلني لجورج فلويد لم تحدث فرقاً حينها "فأنا لست متأكدة من سبب اعتقاد أي شخص أن صور قتل نيكولاس ستحدث فرقاً. حكومة الولايات المتحدة ليست مهتمة بإصلاح الشرطة الفيدرالية، الشيء نفسه مع إصلاح قوانين الأسلحة في البلاد".

ويتفق أستاذ العلوم الإنسانية والاجتماعية وعلم الجريمة بجامعة "ويلفريد لوريير" الكندية، باتريك واتسون مع تايلور في أن الكونجرس لن يمرر "القانون" بسبب سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب.

مع ذلك، يرى واتسون أن إدانة الضباط الخمسة في ممفيس سابقة كبرى، فقد أصدر العديد من قادة الشرطة الكندية بياناتٍ وصفوا فيها ما حدث بأنه "جريمة قتل" قبل المحاكمة الجنائية "والتي لا أستطيع أن أتذكر أنني رأيتها من قبل. وربما يؤدي ذلك إلى الضغط على كتلة من الجمهوريين للتصويت لصالح القانون، رغم أني لن أراهن على ذلك".

من جانبه يعتقد أستاذ العدالة الجنائية بجامعة ميشيجان ديفيد كارتر أنَّ بعض تشريعات إصلاح الشرطة ستمرر من خلال الكونجرس الأميركي هذا العام، لكنها ستكون على الأرجح نسخة أقل قوة من قانون جورج فلويد، مضيفاً أنه "من المحتمل أن يكون توفير المزيد من التمويل الفيدرالي للتدريب والمساعدة الفنية لوكالات إنفاذ القانون الحكومية والمحلية بشأن إصلاح الشرطة أكثر فعالية".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات