بات شارع الملك فيصل جنوب العاصمة المصرية القاهرة، وجهة الكثير من السودانيين الفارين من جحيم الحرب في السودان، ومن بينهم الحاجة فاطمة محمد التي تحدثت لـ"الشرق" عن رحيلها من الولاية الشمالية حيث كانت تقطن والقدوم إلى مصر في رحلة شاقة استمرت لأيام.
وأوضحت الحاجة فاطمة معاناتها في منزلها في السودان الذي تركته لقربه من مناطق الاشتباكات التي كانت تسمع دويها بشكل مستمر، لتترك منزلها بكافة أثاثه ومحتوياته أملاً في العودة من جديد حال استقرت الأوضاع.
وقضت السيدة السودانية وأسرتها يوماً كاملاً أمام الحدود الفاصلة بين المعابر البرية جنوبي مصر، على خلفية التكدس والزحام الشديد التي خلقه النزوح الكبير لآلاف السودانيين، قبل أن تنجح في الدخول إلى مصر ويستقر بها الحال في منزل أقاربها الذين سنحت لهم الفرصة أن يكون لهم منزل في منطقة فيصل حيث يتجمع كثيرون منهم هناك.
ورغم ما وجدته من استقرار نسبي في أسعار متطلبات الحياة اليومية كالطعام والشراب وغيره في مصر، إلا أن فاطمة محمد تواجه صعوبات في الحصول على شقة خاصة لأسرتها بسبب غلاء أسعار العقارات.
وفي تصريحاته لـ"الشرق"، قال يوسف فتحي وهو أحد أقارب الحاجة فاطمة، إنهم يعيشون ظروفاً استثنائية في مصر، معرباً عن مخاوفه بشأن إطالة أمد بقائهم، نظراً لتكاليف المعيشة وحاجة الأبناء إلى الدخول للمدارس، وهو ما يشكل تحديات جمة أمام آلاف الأسر السودانية من النازحين.
تحديات معيشية
يتفق فتحي مع الحاجة فاطمة في التحدي الأكبر الذي يعيشه السودانيون النازحون على مصر، وهو البحث عن شقة مناسبة وبأسعار معقولة، خاصة وأنه لم يتمكن حتى اللحظة من استئجار شقة لأسرته، وظل في بيت أحد أقاربه، لكن هذا الحال لن يدوم طويلاً على حد قول الرجل الستيني، داعياً أطراف الصراع في السودان إلى أهمية تقديم تنازلات كي ينعم أهل البلاد بخيراتها ومواردها.
وبحسب إحصاءات حصلت عليها "الشرق" من المتحدثة الرسمية باسم مفوضية شؤون اللاجئين في مصر، كريستين بشاي، وصل إلى مصر منذ بدء الاقتتال في السودان أكثر من 170 ألف لاجئ، بينهم 164 ألف سوداني وفق إحصاءات تسلمتها المفوضية من وزارة الخارجية المصرية.
وأشارت بشاي إلى أن المفوضية لا تُسجل أرقاماً إنما تعتمد على بيانات وزارة الخارجية المصرية، إذ أن الجهة المخول لها التسجيل هي قوات حرس الحدود التابعة للجيش المصري، موضحة أن ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف لاجئ يعبرون الحدود يومياً، لافتةً إلى أن أغلبهم يتركزون في القاهرة، بجانب محافظتي الإسكندرية وأسوان، فضلاً عن تجمعات في محافظة الجيزة شمالي مصر.
عائلات مشتتة
المتحدثة الرسمية باسم مفوضية شؤون اللاجئين في مصر، أكدت لـ"الشرق" أن عدداً من الأسر السودانية لم تتمكن من الوصول بكامل عددها وفقاً لروايات بعض أفرادها، ما تسبب في تفكك بعض العائلات.
وقد رصدت المفوضية وصول عائلات دون الأب، بينما أخفق بعض الأطفال الذين لم يبلغوا السن القانونية في الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر مع عائلاتهم، وبقي بعضهم مع أحد أفراد أسرته في السودان.
وبحسب بشاي، شهدت الموجة الأولى من النزوح وصول سودانيين لهم أقارب في مصر أو أصدقاء بجانب من لديهم منازل، أما الموجة الثانية فأغلبهم لا يملكون منازل في مصر وقدموا للبحث عن مأوى، ما دفع بعض الجمعيات وبعض الأهالي في مصر إلى محاولة تأمين مأوى لهم لكنها لم تكن مناسبة وفق المفوضية.
وأوضحت بشاي أن مفوضية شؤون اللاجئين، تلقت طلباتاً كثيرة من لاجئين سودانيين في مصر، مؤكدة أنهم يقدمون مساعدات مالية لبعض الأسر السودانية الأكثر احتياجاً ويتم تسليمهم تلك الأموال عبر البريد المصري.
أطفال نازحون
في شأن ذي صلة، قال جيريمي هوبكنز ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" في مصر، إن أكثر من 170 ألف شخص عبروا إلى مصر عبر حدود قسطل وأرقين، بما في ذلك رعايا السودان ورعايا دول أخرى، متوقعاً أن يكون نصف هؤلاء النازحين من الأطفال.
وأشار هوبكنز إلى أن التنسيق الكامل مع الحكومة المصرية والهلال الأحمر وبعض شركاء التنمية لتقديم خدمات إنسانية فورية للأطفال والأسر المتضررة من النزاع في السودان، تشمل الرعاية الصحية الحرجة، واللقاحات، والوصول إلى المراحيض المحمولة والصرف الصحي، بجانب الدعم النفسي والاجتماعي والمقدم إلى الأطفال بشكل خاص.
وأكد هوبكنز في تصريحات لـ"الشرق"، أن منظمة اليونيسف، أجرت مناقشات جماعية مركزة مع العائلات السودانية الوافدة حديثاً إلى مدينة أسوان لفهم الاحتياجات والتحديات والأولويات، فيما تم إنشاء مساحات صديقة للأطفال في أماكن استقبالهم بمحافظة أسوان، بهدف تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، فيما تم التنسيق مع وزارة التربية والتعليم المصرية لإجراء امتحانات الثانوية العامة بمجرد استلام الاختبارات من قنصلية السودان، كما سيتم العمل على توفير مساحات تعليمية للطلاب السودانيين.
وأوضح أن العديد من الأسر المصرية عبرت عن تضامنها واستضافتها الأسر السودانية، لكنه رهن قدرة مصر وتلبية حاجات النازحين على توفير الموارد الكافية، مشيراً إلى أن مصر تُواصل تسهيل عبور النازحين السودانيين، وتوفير الخدمات الإنسانية للفارين من هذا الصراع.
جهود مصرية
اختتم المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو جراندي، زيارة لمصر استغرقت 3 أيام لدعم الأشخاص الفارين من السودان والبلدان التي تستضيفهم، وفق ما نشره الموقع الرسمي للمفوضية، إذ زار جراندي معبر قسطل الحدودي بين مصر والسودان، والتقي مجموعة من اللاجئين الوافدين حديثاً بجانب سلطات الحدود المصرية.
وقال إنه سمع تجارب مروعة، ورحلات محفوفة بالمخاطر ومكلفة، للوصول ما أدى إلى تمزق العديد من العائلات التي هي بحاجة إلى الدعم.
وأصدرت المفوضية مؤخراً خطة السودان الإقليمية للاستجابة للاجئين، والتي تسعى إلى الحصول على مبلغ 470.4 مليون دولار لدعم اللاجئين في المناطق التي فروا إليها، من بينه 25% تُقدم إلى مصر لمدة 6 أشهر بهدف دعم استجابتها لأزمة اللاجئين.
وكان المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين، وصرحت الرئاسة المصرية بأن السيسي ثمّن علاقة التعاون الممتدة منذ عقود بين مصر ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين، والجهود التي تبذلها المفوضية على الصعيد الدولي في ظل تصاعد الأزمة العالمية للاجئين.
وبحسب بيان الرئاسة المصرية فقد أعرب فيليبو جراندي، عن تقدير المفوضية للجهود التي تقوم بها مصر لاستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين من جنسيات مختلفة، مشدداً على أنه يتعين على المجتمع الدولي، والجهات المانحة تقديم يد العون للدول المستضيفة للاجئين والمتأثرة بحالات النزوح البشري.
كما التقي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط بالمفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وتناول اللقاء آخر المُستجدات الخاصة بقضايا اللاجئين في الدول العربية.
وأوضح أبو الغيط وفق بيان صادر من الجامعة العربية، الاثنين، أهمية دعم المفوضية للدول التي تقوم باستقبال اللاجئين، لا سيما مع عدم وضوح الموقف في السودان، مؤكداً أن وقف إطلاق نارٍ مُستدام يُمثل الخطوة الأولى الضرورية لوقف معاناة المدنيين، وتمكين المنظمات الإغاثية من التعامل على نحو أكثر نجاعة مع أوضاع اللاجئين.
اقرأ أيضاً: