توصلت لجنة مختصة في مجلس العموم البريطاني، الاثنين، إلى أن رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون قام بتضليل البرلمان فيما يعرف بـ "فضيحة الحفلات" (بارتي جيت). ولكن جونسون استبق حكم اللجنة بالاستقالة من منصبه كنائب عن دائرة "هيلنكدون وأكسبريدج". ثم فتح النار على رئيس حكومة بريطانيا الحالي وأشعل معركة داخل حزب المحافظين.
واشتدت الخصومة بين رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك والسابق بوريس جونسون، وباتت المواجهة بين حلفاء الأمس وأعداء اليوم، تهدد مستقبل المحافظين، ليس فقط بزيادة احتمال خسارة الانتخابات العامة المقبلة المقررة في العام المقبل، وإنما أيضاً لإمكانية انقسام الحزب الحاكم وتصدعه.
وأكد محللون أن المعركة المشتعلة بين معسكري سوناك وجونسون مؤجلة منذ الانتخابات الأخيرة على زعامة المحافظين بعد استقالة رئيسة الحكومة السابقة ليز ترس، مشيرين إلى أن ما قد تتمخض عنه المعركة، سيحدد قائد الحزب الأزرق في استحقاق 2024، ومحددات عهده الذي تقول استطلاعات الرأي إنه لن يكون غالباً داخل "10 داونينج ستريت" (مقر الحكومة).
وبين سوناك وجونسون ثمة برلمان يحاكم أخطاء قادة محافظين ارتكبت بمناسبات مختلفة، ومعارضة تنفخ النار في خلافات نواب الحزب الأزرق، وتدعو لانتخابات مبكرة تزيح من يقبضون على السلطة منذ 2010. والسؤال هنا، إلى متى تصمد الأكثرية النيابية ضد أي محاولة للإطاحة بورثة ونستون تشرشل ومارجريت تاتشر؟
"تضليل البرلمان"
صحيفة "إندبندنت" نقلت عن لجنة "الامتيازات" في البرلمان، أن بوريس جونسون ضلل مجلس العموم في قضية "بارتي جيت". وحكم اللجنة هذا سوف يوضع بين يدي المشرعين لاختيار نوع العقوبة المناسبة. وهو ما لا يمكن الحسم فيه لأن جونسون قد استقال من عضوية المؤسسة التشريعية قبل أيام.
وتعني إدانة جونسون أن البرلمان لم يقتنع بالأدلة التي قدمها رئيس الوزراء السابق للتأكيد على أنه لم يضلل البرلمان عمداً، عندما قال إنه ليس مذنباً بحضور حفلات أقيمت خلال فترة إغلاق فيروس كورونا التي فرضتها الحكومة عام 2020 لمواجهة جائحة كورونا. ثم تبين لاحقاً تورطه في المخالفة، وغرم بسبب ذلك من قبل الشرطة البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن نائب في الحزب الحاكم لم تسمه، قوله إن قرار اللجنة البرلمانية يعني خروج جونسون من المشهد بشكل كامل. ولكن رئيس الوزراء السابق لوح بالعودة في خطاب استقالته، ونقل عنه أصدقاء وحلفاء له، أنه لن يتخلى عن المعترك السياسي، ويمكن أن يترشح مجدداً لمجلس العموم عن ذات الدائرة أو غيرها.
ويتطلب أي إجراء ضد جونسون، تصويت مجلس العموم بكامل أعضائه. واستقالته بحسب عضو حزب المحافظين سامنثا سونز، جاءت يقيناً منه بأن "الأكثرية المحافظة في المجلس لن تقف على قلب رجل واحد لتحميه. أي أن خصومه في الحزب الحاكم كانوا سيتعاونون مع المعارضة لإصدار قرار بطرده من المؤسسة التشريعية".
وتوضح سونز في تصريحات لـ"الشرق"، أن "استقالة جونسون لن تكون الإجراء الوحيد الذي سيفجّر الحرب بين المحافظين وخصومهم، كما أن الخلاف القديم الجديد بين رئيس الوزراء السابق والحالي سيأخذ منحاً تصاعدياً حتى تحسم مسألة قيادة الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة، وترسم توجهات المحافظين العامة للمرحلة المقبلة".
قائمة امتيازات النبلاء
الخلاف بين جونسون وسوناك، طفا على السطح مؤخراً بعدما أعلن مجلس اللوردات، أسماء الأشخاص الذين يستحقون "امتيازات النبلاء" بناء على توصية من رئيس الوزراء السابق. ولكن القائمة خلت من بعض أسماء تعد حليفة وقريبة من جونسون، واُستبدلت بأشخاص يحسبون على دائرة رئيس الحكومة الحالي ريشي سوناك.
معسكر جونسون، اتهم سوناك وحلفائه بين نواب المحافظين بتغيير القائمة، ولكن رئيس الوزراء نفى، وقال إن جونسون طلب منه نقض اختيار مجلس اللوردات، وإعادة الأسماء المحذوفة إلى مجموعة أصحاب الامتيازات المستحقة، فرفض سوناك الطلب بحجة أنه "ليس مستعداً للأمر، ويرى فيه تجاوزاً للقانون".
جواب جونسون على تصريح سوناك جاء مختصراً جداً، ولكنه بالغ الدلالة. فقال إن رئيس الوزراء "يتفوه بالتفاهات". وانفجر بعدها السجال بين معسكري القياديين المحافظين، وانقسم النواب المحافظون بينهما. وما كان يُهمس به الأمس من خلافات داخل الحزب الحاكم، بات محط صدام مسموع ومرئي من قبل وسائل الإعلام المختلفة.
و"قائمة الشرف"، أو الأشخاص الذين يرشحون لدرجة النبلاء ويستحقون عضوية مجلس اللوردات، هي حق لكل رئيس حكومة يريد تكريم موظفين ونواب عملوا معه بإخلاص. ويقول الصحفي المعتمد لدى البرلمان البريطاني عادل درويش، إن سوناك كان بوسعه الإبقاء على توصية جونسون في هذا الشأن دون تغيير.
ولفت درويش في تصريحات لـ"الشرق"، إلى وجود "سابقة قانونية تسمح لسوناك بتجاوز اعتراضات مجلس اللوردات على قائمة الشرف"، ولكن رئيس الحكومة رفض ذلك، رغم أن أكثرية الوزراء والنواب المحافظين، يرون في قائمة جونسون "إنصافاً مستحقاً" بعد ما تعرض له الحزب من ضغوطات خلال الفترة الأخيرة.
ويشير درويش إلى أن الخلاف بشأن "قائمة الشرف" هو معركة تمتد جذورها إلى استقالة جونسون من رئاسة الحكومة العام الماضي، إذ يعتبر كثير من النواب المحافظين أن سوناك سبباً رئيسياً فيها. واليوم بعد خروج رئيس الوزراء السابق من البرلمان، يبدو أن الخصومة بين معسكري القياديين ماضية نحو التصعيد.
"معركة الولاء والإخلاص"
محرر الشؤون السياسية في هيئة الإذاعة البريطانية كريس ماسون، يصف ما يجري بين جونسون وسوناك بمعركة "الولاء والإخلاص". ويقول إنها تتجاوز "قائمة الشرف" التي يعتقد ماسون أن رئيس الوزراء لم يتدخل فيها. مستنداً في ذلك على تصريحات لرئاسة الحكومة، ولجنة "هولاك" المختصة بمراجعة الأسماء المرشحة.
ويشير المحرر السياسي إلى أن المواجهة بين سوناك وجونسون "لن تنتهي مع استقالة الأخير من البرلمان، فرئيس الوزراء السابق قادر على الفعل والتأثير في الحزب، ويتوجب على سوناك الاستعداد لمعارك مقبلة مع خصمه والنواب المؤيدين له في البرلمان. وحتى أولئك الذين استقالوا على ضوء حذف أسمائهم من قائمة الشرف".
نادين دوريس، كانت بين 3 نواب استقالوا بعد شطب اسمها من القائمة. وقد اتهمت عبر صحيفة "ديلي ميل"، كلاً من رئيس الحكومة ومستشاره السياسي جيمس فورسيث، بتغيير لائحة المرشحين. واصفة ما حدث بـ"تآمر القوى الشريرة ضدها لجعلها حزينة، ولكن قوة كبيرة بداخلها تدفعها إلى مواصلة القتال كما اعتادت دائماً".
استقالة جونسون ورفاقه، تضع الحزب الحاكم أمام انتخابات برلمانية مبكرة في مناطق محددة. وهو استحقاق تشير استطلاعات الرأي إلى أن سوناك ليس مستعداً له. خاصة وأن المحافظين منقسمون بين معسكرين أحدهما مؤيد لرئيس الوزراء، والآخر يدعم بقوة مسار وخط جونسون في العمل السياسي أياً كانت نتائجه لاحقاً.
عودة جونسون
ما تسرب عن "لجنة الامتيازات" هو أنها كانت ستقترح على مجلس العموم تعليق عضوية جونسون لأكثر من 10 أيام. وهذا يعني وفق القانون، إعادة الأمر إلى سكان المنطقة التي يمثلها، لإجراء انتخابات مبكرة واختيار نائب جديد في البرلمان. ولكن استقالة جونسون المفاجئة خلطت الأوراق داخل الحزب الحاكم وخارجه.
الوزير السابق والنائب في الحزب الحاكم جاكوب ريس موج، حذر سوناك من تداعيات حظر جونسون، ومنعه من الترشح مجدداً لانتخابات البرلمان. منوهاً في تصريحات نقلتها قناة "أخبار بريطانيا"، إلى أن هذا الإجراء سيؤدي دون شك إلى إشعال "حرب أهلية" بين المحافظين، ويقود إلى تصدع الحزب، على حد تعبيره.
لا يخفي موج تأييده لرئيس الوزراء السابق، ليس في العودة إلى البرلمان فحسب، وإنما في توليه قيادة الحزب الحاكم مجدداً. وموقف النائب والوزير السابق في هذا الشأن يتسق مع رغبة قائمة طويلة من النواب المحافظين، الذين يعتقدون أن جونسون تعرض لخديعة، واستقالته من رئاسة الحكومة عصفت بمستقبل الحزب الأزرق.
وما يثيره النائب موج، إزاء احتمال تصدع حزب المحافظين في حال منع جونسون من الترشح لعضوية البرلمان مرة أخرى، لا يأتي من فراغ. إذ قال الرئيس السابق لـ"حزب الاستقلال" نايجل فاراج، إنه يخطط لتحالف مع جونسون في سبيل حماية مكتسبات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفق وصفه.
وكشف فاراج أنه ناقش أمر التحالف السياسي الجديد مع مقربين من جونسون. كما أن هناك نواباً آخرين من الحزب الحاكم يميلون لمثل هذه الفكرة. ولكن الكاتب في الشأن البريطاني جوش سيلف يستبعد وقوع مثل هذا الانشقاق بين المحافظين، ولكنه لا يستبعد صداماً داخلياً كبيراً يهوي بمستقبل الحزب الأزرق لعقد من الزمن.
ويقول سيلف في مقال نشره موقع "بولتيكس"، إن المعطيات تشير إلى تباين بين جونسون وفاراج في ملفات عدة. والواقع يقول إن مثل هذا التحالف يصعب تحقيقه قبل الانتخابات المقبلة. ولكن هذا لا يلغي حقيقة أن هذه الدعوة المبطنة التي وجهها فاراج لرئيس الوزراء السابق، "مجدية سياسياً للطرفين في الوقت الراهن".
اقرأ أيضاً: