شيخ الأزهر أمام مجلس الأمن: الأخوة الإنسانية هي علاج الأزمات المعاصرة

صورة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب تظهر على شاشة أثناء إلقاء كلمته عبر الفيديو أمام مجلس الأمن الدولي. 14 يونيو 2023 - azhar.eg
صورة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب تظهر على شاشة أثناء إلقاء كلمته عبر الفيديو أمام مجلس الأمن الدولي. 14 يونيو 2023 - azhar.eg
دبي -الشرق

اعتبر شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين الدكتور أحمد الطيب، الأربعاء، أن "الأخوة الإنسانية هي الخيار الأكثر فعالية لعلاج الأزمات المعاصرة"، واصفاً إياها بـ"الفردوس المفقود"، فيما شدد الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة على دور الزعماء الدينيين في السلام العالمي.

جاء ذلك خلال جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي على المستوى الوزاري بشأن "قيم الأخوة الإنسانية في تعزيز السلام واستدامته"، ترأستها نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الدولة في الإمارات التي ترأس مجلس الأمن، الشهر الجاري. 

وقال الطيب في كلمة هي الأولى من نوعها لرمز ديني إسلامي بارز أمام مجلس الأمن، إن "الأزمات التي تخيم على إنسان العصر الحديث، هنا في الشرق، وتزحف الآن بقوة لتضيق عليه الخناق في الغرب، ما كان لها أن تكون لو أن حضارتنا الحديثة وثقافتنا المعاصرة لم تبالغ في التنكر للدين، ولم تلقِ به وبتعاليمه وراء ظهرها ولو أنها تعلمت من هدي السماء حرمة الدماء، وقيمة العدل ومحوريته في استقرار الأفراد والمجتمعات".

وأضاف: "لا يسعنا إزاء هذه الأزمات إلا أن نواصل الدعوة إلى نشر السلام والمحبة بين الشعوب قدر المستطاع، والتصدي لخطاب الكراهية بين الناس، واستغلال الأديان والمذاهب في إشعال الحروب بين الشعوب، وبث الخوف والرعب في قلوب الآمنين".

إحياء ثقافة الحوار

وأوضح الطيب أن "هذا ما سعى ويسعى إليه الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، بالتعاون مع الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الغربية والشرقية والمؤسسات الدينية الأخرى، من أجلِ إحياء ثقافة الحوار والتعارف بين أتباع الأديان، وترسيخ مبدأ السلام والتعايش السلمي".

وأشار في هذا الصدد إلى "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" التي قدَّمها مع البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، إلى العالم من العاصمة الإماراتية أبوظبي في 4 فبراير 2019.

وأضاف: "لقد أكدنا مراراً على ضرورة مبادئ الأخوة الإنسانية كأساس للسلم والأمن الدوليين في مؤتمرات زعماء الأديان في كازاخستان، وملتقى حوار الشرق والغرب في البحرين، ومؤتمرات أخرى في إفريقيا وأسيا وأوروبا".

تجمع لقادة الأديان

وكشف شيخ الأزهر أحمد الطيب، في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، أن الأزهر يعمل بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، والكنيسة الكاثوليكية وكنيسة كانتربيري، وغيرها من المؤسسات الدينية المختلفة، على تنظيم تجمع لقادة الأديان ورموزها "للتشاور بشأن هذه الأزمات وتحديد المسؤولية المشتركة في مواجهتها، خاصة قضية تغير المناخ وتزايد وتيرة الحروب والصراعات".

وشدَّد شيخ الأزهر على أن هذه الجهود "تحتاج لدعمِ القادة السياسيين وصناع القرار في المجتمع الدولي، حتى تؤتي ثمارها المرجوة في تحقيق الهدف المشترك بين الجميع، وهو تحقيق السلم والأمن الدوليين، على أرض الواقع وفي حياة الشعوب، وليس فقط بمجرد قرارات وتوصيات لا يلتزم بها أحد أو يُلقِي لها بالاً".

"الحرب حالة استثنائية"

وقال شيخ الأزهر، إنه "ليس من العدل، ولا من العلم في شيء ما يُقال من أن الإسلام دين السيف ودين الحروب".

وأكد أن "الحرب في الإسلام حالة استثنائية وضرورة من ضرورات الدفاع عن النفس وعن الأرض والعِرض والشرف، وأن المسؤول الأوَّل عن ظاهرة الإرهاب التي يبْرأ منها الإسلام نفسه قبل غيره، هو سياسات الهيمنة العالمية، والفلسفات المادية، والمذاهب الاقتصادية المتنكرة لضوابط الأخلاق".

ودعا شيخ الأزهر إلى "وقف الحروب العبثية التي اندلعت في العقود الأخيرة، وفي مقدمتها حروب العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا واليمن، وغيرها وكذلك الحروب على الحدود الشرقية لأوروبا".

وشدد الطيب على ضرورة وقف "ما يكابده الشعب الفلسطيني من غطرسة القوة، وقسوة المستبد".

وأضاف: "وإني لآسى كثيراً لصمت المجتمع الدولي عن حقوق هذا الشعب (الفلسطيني) الأبي، والاعتداءات المتكررة على المقدسات الإسلامية والمسيحية".

وحث شيخ الأزهر، مجلس الأمن، والمجتمع الدولي على الإسراع إلى "إقرار دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس"، مضيفاً: "كما أدعو إلى حماية المسجد الأقصى الشريف من هذه الانتهاكات التي يتعرَّض لها يوماً بعد يوم".

الاختلاف سنة إلهية

وشدَّد شيخ الأزهر على أن الاختلاف "سنة إلهية"، موضحاً أن "محاولات اصطفاف الشعوب خلف دين واحد، أو ثقافة أو حضارة واحدة، محاولات مقضي عليها بالفشل الذريع، طال الزمن أو قصر، لأنها تسبح ضد إرادة خالق العباد، والعليم بما يصلحهم وينفعهم".

وأكد أن "الاختلاف هو حجر الزاوية في مفهوم الخلق الإلهي للإنسان، بكل ما يستلزمه من حقوق وواجبات حدَدها القرآن في وضوح لا لبس فيه، في مُقدمتها: حق حرية الاعتقاد، وحق حرية الرأي، وواجب المسؤولية الفردية والأسرية والمجتمعية، لذلك حرم القرآن كل ما يُصادر هذه الحقوق أو يعبث بحرمتها، حتى إنه ليحرم أي ممارسة لإجبار الناس على تغيير عقائدهم وأديانهم".

وأشار إلى أنه "في ظل هذه نظرية التعارف التي أقرها القرآن في العلاقات الدولية لا مكان لنظريات الصدام والصراع، أو نظرية العِرْق، أو نظريَّة رسالة الرجل الأبيض وهيمنته على باقي عباد الله، واستعمار بلادهم واستنزاف خيراتهم.. فقط علاقة السلام بين الناس هي ما يعتمده الإسلام، وسائر الأديان الإلهية من قبله".

"تحالف من أجل السلام"

من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في إحاطته إلى عقد تحالف من أجل السلام، يتجذر في حقوق الإنسان وقيم الأخوة الإنسانية. 

وقال إن وثيقة "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش معا"، التي وقعها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر تعد نموذجاً للرحمة والتضامن الإنساني.

وأشار جوتيريش إلى أنه يقع على عاتق الزعماء الدينيين، مسؤولية "منع استغلال الكراهية بين أتباعهم"، مؤكداً أنَّ الزعماء الدينيين هم حلفاء أساسيون في سعينا المشترك من أجل السلام العالمي.

بدورها، أكدت نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الدولة الإماراتية، على ضرورة الإقرار بأن التصدي لخطاب الكراهية والعنصرية والتطرف بكافة أشكاله وصوره هو جزء لا يتجزأ من ولاية مجلس الأمن المتمثلة في صون السلم والأمن الدوليين.

وقالت إن ذلك يأتي تنفيذاً للتعهدات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة بأن "ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب... وأن نتحلى بالتسامح، وأن نعيش معا في سلام".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات