طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الاثنين، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بالتدخل العاجل لإلزام إسرائيل بوقف تهجير أهالي مخيم جنين، في وقت أكد "الهلال الأحمر" إجلاء أكثر من ثلاثة آلاف من أهالي المخيم، في حين قالت إسرائيل إنها لم "تأمر بإخلاء المخيم من سكانه".
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" عن عباس قوله، إن "هذه الجريمة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية والمتمثلة بتهجير أهالي المخيم، تضاف إلى جرائم الاحتلال في تهجيرهم، المرة الأولى من أراضيهم التي اقتلعوا منها عام 1948 وتدمير قراهم ومدنهم، وما ارتكب بحقهم عام 2002، وما يجري اليوم بحقهم".
وأضاف، أن "التعامل مع حكومة الاحتلال بالمعايير المزدوجة وعدم محاسبتها على جرائمها السابقة بحق شعبنا، يشجعها على ارتكاب المزيد من هذه الجرائم التي كان آخرها ما تقوم به الليلة بحق أهلنا في مخيم جنين".
وفجر الاثنين، شن الجيش الإسرائيلي هجوماً واسع النطاق على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة، ومخيمها، وقتل 8 فلسطينيين وأصاب 80، كما قتل فلسطيني آخر في إطلاق نار في مدينة البيرة، ما يرفع العدد إلى 9.
وفي وقت سابق الاثنين، أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية، بأن القوات الإسرائيلية أرغمت مئات المواطنين من أهالي مخيم جنين على مغادرته، تحت تهديد قصف منازلهم.
ونقلت الوكالة عن شهود قولهم إن "قوات الاحتلال أجبرت مئات المواطنين على إخلاء منازلهم، في المنطقة القريبة من دوار الحصان، وذلك بعد أن طالبتهم عبر مكبرات الصوت بإخلاء المنازل"، مؤكدين لجوء العائلات لساحات المستشفيات وقاعة بلدية جنين.
كما أفاد رئيس بلدية جنين نضال أبو صالح في تصريح لـ"الشرق"، بأن المئات لجأوا الى الأماكن العامة من مستشفيات ومدارس، وأن الكثير من سكان المدينة فتحوا بيوتهم لهؤلاء المواطنين.
وشوهد الآلاف من سكان المخيم يغادرون بيوتهم وهم يحملون أطفالهم وبعض الاحتياجات الشخصية.
من جهته، ذكر "الهلال الأحمر" الفلسطيني، الاثنين، أنه أخلى 3000 شخص من مخيم جنين في الضفة الغربية حتى الآن، مع تواصل العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة جنين ومخيمها، وفق ما ذكرته وكالة أنباء "العالم العربي"، لافتاً إلى أن العدد في ازدياد.
نفي إسرائيلي
في المقابل، نفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي صدور أمر من الجيش بإخلاء المخيم من سكانه، وكتب على "تويتر" أن تلك الأنباء "أخبار كاذبة وإشاعات".
إلى ذلك، وجهت "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) نداء الاثنين، لاتخاذ إجراءات عاجلة تضمن إنقاذ المصابين في مخيم جنين، الذي يواجه عملية عسكرية إسرائيلية.
وقالت الوكالة في بيان: "تطلب الأونروا اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان حصول المصابين على الرعاية الطبية، وتكرر وكالة الغوث دعوتها لجميع الأطراف لكسر هذه الحلقة من العنف المتزايد، الذي يؤدي بشكل خطير إلى عدم الاستقرار".
وأعربت الوكالة عن قلقها البالغ إزاء عملية الجيش الإسرائيلي المستمرة في مخيم جنين، المعروف بالكثافة السكانية العالية.
وقالت الوكالة الأممية إن العملية الإسرائيلية قتلت خمسة خمسة لاجئين فلسطينيين وجرحت 50 آخرين، من بين ثمانية فلسطينيين قضوا في المخيم.
وأضافت: "تم الإبلاغ عن أضرار جسيمة وقعت للبنية التحتية للمخيم، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بشبكة المياه. وقد تعطلت خدمات المياه والكهرباء في مناطق واسعة من المخيم، مما جعل سكان المخيم غير قادرين على الانتقال من منازلهم، وكثير منهم في حاجة ماسة إلى الطعام ومياه الشرب ومسحوق حليب الأطفال".
وقالت "الأونروا" إنها تشغل 10 منشآت يديرها 90 من موظفي الوكالة في مخيم جنين. ولم تتمكن جميع المنشآت، بما في ذلك أربع مدارس ومركز صحي، من العمل بسبب كثافة إطلاق النار.
وأضاف البيان أن "الأونروا لا تستطيع حتى الآن تأكيد ما إذا كانت أي من منشآتها قد تضررت، كما لا تستطيع الوكالة تأكيد العدد النهائي للضحايا بين لاجئي فلسطين في مخيم جنين".
ارتفاع عدد الضحايا
وميدانياً، ارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين جراء الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ فجر الاثنين، إذ أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية بوفاة فلسطيني يبلغ من العمر 17 عاماً، متأثراً بإصابته برصاص الجيش الإسرائيلي.
وارتفع بذلك عدد الضحايا جراء الهجوم إلى 9، في حين ارتفع عدد الضحايا الذين سقطوا خلال يوم الاثنين، إلى 10 أشخاص، بعدما قتل الجيش الإسرائيلي فلسطينياً في البيرة. كما ارتفع عدد المصابين إلى حوالى 100 شخص، بينهم 20 حالتهم خطرة.
إجراءات السلطة الفلسطينية
ورداً على الهجوم الإسرائيلي، أعلنت الرئاسة الفلسطينية اتخاذ عدة إجراءات، في مقدمتها "وقف جميع الاتصالات واللقاءات مع الجانب الإسرائيلي، والاستمرار في وقف التنسيق الأمني"، بالإضافة إلى دعوة الأمناء العامين لاجتماع طارئ، "للاتفاق على رؤية وطنية شاملة، وتوحيد الصف لمواجهة العدوان الإسرائيلي والتصدي له".
كما أعلنت أن تفاهمات العقبة وشرم الشيخ "لم يعد لها جدوى ولم تعد قائمة"، نظراً لعدم التزام إسرائيل بها، مشيرة إلى عزمها التوجه الفوري لمجلس الأمن الدولي، لتنفيذ القرار 2334، وقرار الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ووقف الإجراءات أحادية الجانب، وفرض العقوبات على دولة الاحتلال"، بالإضافة إلى "دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتعجيل في البت في القضايا المحالة إليها".
وأضاف البيان أن القرارات شملت أيضاً "دعم العائلات الفلسطينية لرفع قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية (ICC) ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي لما قامت به من مجازر وقتل بحق أبنائها المدنيين الأبرياء"، و"المطالبة بوقف عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة بسبب عدم التزامها بتنفيذ القرارات 181، 194"، بالإضافة إلى "رفع قضايا على دولة الاحتلال لما ارتكبته من جرائم تتحمل مسؤوليتها خلال فترة احتلالها، ورفع قضايا ضد إسرائيل، لما ارتكبته من مذابح وتدمير قرى وتهجير الشعب الفلسطيني في فترة النكبة".
وتابع البيان أن السلطة الفلسطينية قررت "الدعوة الفورية لقدوم لجنة التحقيق الدولية المستمرة في مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق وإحالة مخرجاتها بشأن مسؤولية الاحتلال عن هذه المجازر وأعمال الإرهاب للمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن، إضافة إلى "استكمال الانضمام إلى بقية المنظمات الأممية والدولية، و"رفع قضايا ضد أميركا وبريطانيا بسبب وعد بلفور، وطلب الاعتراف والاعتذار والتعويض"، فضلاً عن "تقنين العلاقة مع الإدارة الأميركية، و"التحرك على المستويات العربية والإسلامية والدولية من أجل دعم الموقف الفلسطيني".
كما قررت القيادة الفلسطينية وفقاً لبيان صادر عنها، "استمرار اللجان الشعبية في الدفاع عن المدن والقرى والمخيمات"، مطالبة "جميع الأجهزة والهيئات الفلسطينية بأخذ دورها في مهمة الدفاع عن الشعب الفلسطيني"، مؤكدة "على حق شعبنا في الدفاع عن نفسه، وأن مهمة السلطة بمؤسساتها المختلفة هي حماية الشعب الفلسطيني، ووضع جميع إمكاناتها لهذا الغرض، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته في هذا المجال، مع التأكيد على الالتزام بالشرعية الدولية والقانون الدولي".
وشددت على "التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية وبمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، والالتزام بالشرعية الدولية، ومواصلة العمل من أجل نيل دولة فلسطين عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، وحصولها على مزيدٍ من الاعترافات الدولية بها".
دعوة لإضراب
من جهتها، دعت حركة "فتح" إلى أن يكون يوم الثلاثاء، "يوم إضراب شامل وعام لكافة مناحي الحياة".
ودعت المنظمة "جماهير شعبنا إلى مواجهة هذا الاحتلال في كافة المناطق والشوارع والميادين، واعتباره يوم نفير عام وغضب وعنفوان في وجه هذا المحتل".
اتصالات مصرية مكثفة
وكانت مصادر مطلعة أفادت لـ"الشرق" في وقت سابق الاثنين، بأن اتصالات مصرية مكثفة تتم مع الجانب الإسرائيلي لوقف العملية العسكرية في جنين، بهدف تجنب مواجهة بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع.
وأضافت المصادر، أن الجانب المصري أوضح خلال تلك الاتصالات، رفضه للخروقات التي يقوم بها الجانب الإسرائيلي والتي تأتي على عكس ما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات الأمنية التي عقدت في العقبة وشرم الشيخ وضمت مسؤولين من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
ودانت القاهرة الاعتداء الإسرائيلي على مدينة جنين بالضفة الغربية. وأكدت الخارجية المصرية في بيان رسمي رفضها الكامل للاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية المتكررة ضد المدن الفلسطينية، وما تسفر عنه من وقوع ضحايا أبرياء من المدنيين في استخدام مفرط وعشوائي للقوة، وانتهاك سافر لأحكام القانون الدولي والشرعية الدولية، لاسيما القانون الإنساني الدولي الذى يفرض التزامات واضحة ومحددة على إسرائيل باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال.
جلسة عاجلة
من جهتها، أفادت مصادر في الجامعة العربية لـ"الشرق"، بأن الجامعة ستعقد الثلاثاء، اجتماعاً طارئاً على مستوى المندوبين الدائمين بالقاهرة، بهدف بحث الهجوم الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها.
ويأتي هذا القرار بعدما أعلن مندوب فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية السفير مهند العكلوك الاثنين، أنه تقدم بطلب لعقد اجتماع عاجل لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين في دورة غير عادية، لبحث التصعيد الإسرائيلي في جنين.
وقال السفير الفلسطيني إن الاجتماع العاجل الذي سيعقد بناءً على طلب فلسطين وبالتنسيق مع مصر والأردن "سيبحث سبل التحرك الفعال على المستوى العربي والدولي لوقف هذا العدوان الإسرائيلي ومساءلة مرتكبيه وطلب توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني".
ضرورة حماية المدنيين
كما أعلنت واشنطن أنّها تدعم "حقّ إسرائيل في الدفاع عن شعبها"، مشدّدة في الوقت نفسه على ضرورة حماية المدنيين.
وقال متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية لصحافيين: "نحن ندعم أمن إسرائيل وحقّها في الدفاع عن شعبها ضدّ حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني والجماعات الإرهابية الأخرى"، وفق تعبيره.
وشدّد المتحدّث على "ضرورة اتّخاذ جميع الاحتياطات الممكنة للحيلولة دون مقتل مدنيين".
كما دعت واشنطن، الحليفة الرئيسية لإسرائيل، إلى استئناف التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
الأمم المتحدة تدعو لاحترام القانون الدولي
من جهته، قال متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إن الأمين العام يشعر بقلق عميق إزاء التطورات الجارية في مدينة جنين بالضفة الغربية.
وأضاف نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق في بيان، أن جوتيريش "يؤكد أن جميع العمليات العسكرية يجب أن تتم في ظل الاحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني".
"تصعيد خطير"
واعتبر المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، في تغريدة عبر تويتر، أن التصعيد الحالي في الضفة الغربية المحتلة "خطير للغاية"، مشيراً إلى أن العملية العسكرية الجديدة لإسرائيل تأتي "بعد شهور من التوترات المتصاعدة".
وشدد على ضرورة حماية السكان المدنيين، مشيراً إلى أنه على اتصال مباشر مع جميع الأطراف المعنية لتهدئة الموقف بشكل عاجل وضمان وصول المساعدات الإنسانية وإيصال الإمدادات الطبية وغيرها من الإمدادات الضرورية إلى جنين".
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية الاثنين إن القوات الإسرائيلية قتلت تسعة فلسطينيين وأصابت 28 آخرين بينهم ثمانية بجروح خطيرة، خلال العملية العسكرية الإسرائيلية التي بدأت فى مدينة جنين ومخيمها، وكذلك في إطلاق نار في مدينة البيرة.
وأضافت الوزارة أن من ضمن الضحايا ثلاثة سقطوا نتيجة القصف، فيما تبقى الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب وجود إصابات حرجة.
في المقابل، قال الجيش الإسرائيلي إن جندياً أصيب بجروح طفيفة جراء شظية قنبلة يدوية أطلقها فلسطينيون خلال العملية في مخيم جنين. وأضاف في بيان أنه تم تحويل الجندي للعلاج الطبي في المستشفى وتم إبلاغ عائلته.
