في الوقت الذي تخوض فيه حكومة إسرائيل معركة إقرار التعديلات القضائية التي تهز البلاد باحتجاجات حاشدة وتثير مخاوف من احتمال حدوث اضطرابات مدنية، لا يبالي مكون رئيسي في الائتلاف الحاكم الهش بمواصلة هذه السياسة.
فطائفة الحريديم المتشددة، سريعة النمو، تحتل مكانة أكبر في السياسة الإسرائيلية مما يساعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التمتع بأغلبية برلمانية ضيقة.
صحيح أنَّ الطائفة تحاول التركيز على الحياة الروحية المرتبطة بالدراسة والعبادات الدينية، لكن دورها المحوري في الائتلاف يعني أنَّ تدخلها يتزايد في القضايا السياسية الوطنية التي سعت تقليدياً إلى تفاديها.
ومسعى نتنياهو للحد من سلطات القضاء هو هدف رئيس لحلفائه القوميين الذين سمح له دعمهم بالعودة إلى رئاسة الحكومة العام الماضي، لكن ذلك دفع بحشود ضخمة من المحتجين إلى الشوارع في تحذير من أنَّ الديمقراطية في خطر.
وتمثل الأزمة مفارقة لطائفة الحريديم، فالطائفة كجزء من حكومة نتنياهو، قد تدعم أحزابها السياسية على الأرجح الخطط ضمن قائمة تتضمن أيضاً أولوياتها السياسة.
ومع ذلك، فإنَّ اهتمامها بالقضية فاتر، وتعتبر التعديلات القضائية ركيزة أحد أكثر الخلافات الإسرائيلية إثارة للانقسام في إسرائيل على الإطلاق.
وقال يوشع فيفر، وهو قاض ديني وأستاذ قانون وحاخام في القدس: "هناك شعور قوي بالأخوة داخل الحريديم. هذا الشعور بالأخوة يواجه تحدياً شديداً من حروب اليهود الدائرة الآن".
مخاوف الحريديم
ويخشى بعض السياسيين الحريديم من أن الأزمة يمكن أن تعرقل طموحهم نحو إقرار قانون يكفل إعفاء أبناء الطائفة من التجنيد العسكري الإلزامي للسماح لهم بدراسة النصوص اليهودية المقدسة.
وفي رامات بيت شيمش، غربي القدس، التي يقطنها الحريديم، قال الحاخام إسحق شاشوا إن تركيزه، مثل آخرين في طائفته، منصب على دراسة التوراة.
وبعد احتجاجات على قانون يتعلق بالتعديلات القضائية في مدينة مجاورة استنكر شاشوا تركيز وسائل الإعلام الإسرائيلية على القضية قائلاً إن المحتجين "لا يمثلون الدولة كلها".
ويقترح بعض السياسيين الحريديم أنهم قد ينسحبون من الائتلاف، وهو ما يؤدي إلى سقوط حكومة نتنياهو، إذا لم يتم الوفاء بأولوياتهم، لكن لم يتضح ما إذا كان هذا يمثل تهديداً جاداً.
وقال أبراهام يوستمان، المحامي الذي مثل أحد أحزاب الحريديم: "لا يوجد سبب للبقاء في حكومة لا تعالج هذه القضية، فهذه من وجهة نظرهم القضية الأولى والأخيرة عن سبب مشاركتهم (في الحكومة).. يجب أن يؤتي نهج المقايضات في السياسة الذي يركز على قضايا مثل التجنيد الإجباري ثماره مع اكتساب الحريديم النفوذ".
أرض مجهولة
وقال عوفر شيلح، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي والزعيم السابق في البرلمان عن حزب (هناك مستقبل) الذي كان يشارك في الحكومة من قبل: "عالم الحريديم برمته في مفترق طرق على نحو ما لأنهم أصبحوا أكبر حجماً وأكثر قوة، لكن مع هذا تأتي المسؤولية التي طالما ابتعدوا عنها".
وأضاف: "في الدورة البرلمانية التالية للكنيست سيكون السؤال الرئيسي هو ما الذي سيركز عليه التحالف. فهل سيكون إقرار قوانين يُراد بها إعفاء قانوني للحريديم من الخدمة العسكرية أم المضي قدماً في التعديلات القضائية".
وأوقف الكنيست جلساته في فترة العطلة، ومن ثم قد لا تتضح استراتيجية نتنياهو المستقبلية قبل أسابيع. ويسيطر نتنياهو مع شركائه الحريديم والقوميين على 64 من أصل 120 مقعداً في الكنيست (البرلمان).
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن تكتل يهدوت هتوراة (التوراة اليهودي المتحد) الذي يضم أحزاب الحريديم قال، الأسبوع الماضي، إنه "لم ينضم إلى الائتلاف للدفع بتعديل قضائي، لكن لحسم أوضاع طلاب يشيفا"، وهي مدراس تعليم اليهودية، فيما يتعلق بالتجنيد الإجباري.
زيادة أعداد الحريديم
يبلغ عدد الحريديم في إسرائيل 1.2 مليون نسمة، أو نحو 13% من السكان، ونشب لذلك خلاف مع الإسرائيليين الآخرين حول إعفائهم بحكم واقع الحال حالياً من التجنيد الإجباري وقضايا أخرى.
والعلمانيون الإسرائيليون غاضبون من دعم طائفة نسب التوظيف بها منخفضة لأن نحو نصف ذكور الطائفة يتابعون دراساتهم الدينية.
والحريديم مصطلح عبري يعني "المرتجفون أمام الله". ووسط هذه الطائفة آراء متباينة تجاه دولة إسرائيل نفسها.
فكثيرون يفضلون العيش في جيوب مثل "رامات بيت شيمش" أو مدن أكبر وأقدم بما في ذلك بني براك، قرب تل أبيب، حتى لو كان ذلك يعني تحمل الزحام والضجيج.
وهناك كتلة كبيرة وسط الحريديم معروفة باسم "عيدا حريديت" ترفض الاعتراف بدولة إسرائيل، وتقاطع الانتخابات وتقول إنها يجب أن تعيش منفصلة عن المجتمع العلماني والأقل تديناً.
وشهد ائتلاف نتنياهو توتراً بسبب اقتحامات وزير الأمن الوطني المتطرف إيتمار بن جفير للمسجد الأقصى، فحاخامات الحريديم يقولون إنه يجب على اليهود ألا يزوروا الموقع.
وقال أبراهام ايزنشتاين، وهو حاخام بارز في بيت شيمش: "ما يحدث توقعه حكماؤنا منذ أكثر من 70 عاماً (قبل قيام إسرائيل). الديمقراطية المختلطة التقدمية لا تعمل، وما يحدث الآن هو الفوضى".