بريطانيا تعود إلى إفريقيا لمواجهة نفوذ روسيا والحركات المسلحة

وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي يتحدث إلى جنود من القوات المسلحة في غانا بالعاصمة أكرا. 31 يوليو 2023 - AFP
وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي يتحدث إلى جنود من القوات المسلحة في غانا بالعاصمة أكرا. 31 يوليو 2023 - AFP
لندن-بهاء جهاد

أنهى وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، هذا الأسبوع، جولة إفريقية شملت غانا ونيجيريا وزامبيا، في تحركات منسقة يرى خبراء ومتخصصون أنها تهدف لحماية الأمن القومي للمملكة المتحدة، في ظل المخاوف من الحركات المسلًّحة في المنطقة، ونفوذ روسيا المتزايد في القارة السمراء.

وأعلن كليفرلي خلال الجولة عن برامج دعم مالي واقتصادي للدول الثلاث، وأكد في كل محطة أهمية القارة لبلاده، ليس فقط كونها سوقاً تجارية كبيرة ومهمة للاقتصاد البريطاني، وإنما أيضاً باعتبارها منطقة بالغة الأهمية على خارطة السياسة الدولية لمواجهة أزمات العالم المختلفة.

تزامنت جولة كليفرلي مع الأزمة التي تعيشها النيجر عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم.

وأدانت بريطانيا الانقلاب، مؤكدة رفضها لما جرى ومطالبة بعودة السلطة المنتخبة إلى سدة الحكم.

وكانت أزمة النيجر حاضرة بقوة خلال جولة كليفرلي ومباحثاته مع قادة الدول الثلاث، ولم يخف قلق بريطانيا مما جرى، محذراً من تنامي التأثير الروسي المحتمل على مجريات الأحداث في النيجر بشكل خاص وفي القارة الإفريقية عموماً.

برامج الدعم

جولة كليفرلي للدول الثلاث شهدت الإعلان عن مئات ملايين الجنيهات الإسترلينية لدعم قطاعات الغذاء، والأعمال، والطاقة المتجددة.

البداية كانت من غينيا التي أعلن فيها عن 40 مليون جنيه (نحو 50.8 مليون دولار) لتمويل 150 مشروعاً صغيراً ومتوسطاً، ونحو 4 ملايين جنيه (الجنيه يعادل نحو 1.27 دولار) لمعالجة مشكلات التجارة غير المشروعة للذهب بين البلدين.

وفي نيجيريا، صرّح الوزير البريطاني بأنَّ بلاده ستوفر أكثر من 65 مليون جنيه لدعم توجه الدولة الإفريقية نحو الاستدامة في قطاعي الزراعة والطاقة، حيث ستخصص لندن 10 ملايين للبنية التحتية الصديقة للبيئة في لاجوس، وأكثر من 55 مليوناً للزراعة المستدامة والتحول للطاقة المستدامة في عموم البلاد.

المحطة الأخيرة كانت زامبيا التي يعد كليفرلي أول وزير خارجية بريطاني يزورها منذ 30 عاماً، وأعلن منها عن خطط المملكة المتحدة لتوسيع استثماراتها في الاقتصاد الأخضر إلى 3 مليارات جنيه، موزعة بين 2.5 مليار يوفرها القطاع الخاص، و500 مليون من حكومة لندن.

التمدد الروسي

الدبلوماسي البريطاني والمتحدث السابق باسم الحكومة جيرارد راسل، قال إنَّ المملكة المتحدة تتطلع إلى تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية من أجل احتواء التمدد الروسي في القارة من جهة، ومواجهة التهديدات المحتملة للحركات المتشددة العابرة للبحر المتوسط باتجاه أوروبا، من جهة أخرى.

وأضاف لـ"الشرق" أن "الوجود الصيني في القارة الإفريقية لا يضاهي الخطر الناشئ عن التمدد الروسي وجماعة (فاجنر) بالنسبة للمملكة المتحدة، وبالتالي يمكن اعتبار المساعي الروسية للهيمنة على دول القارة السمراء، أكبر مباعث القلق البريطاني وأبرز أسباب جولة كليفرلي الأخيرة".

وأشار راسل إلى أنَّ الدعم المالي "قد يحدث فرقاً إيجابياً في علاقات المملكة المتحدة مع الدول الإفريقية، ولكن يجب أن يكون هذا الدعم كبيراً وموزعاً أو مداراً بشكل جيد، ويواكب احتياجات تلك الدول في مجالات التنمية المختلفة"، معتبراً أنَّ "هذه المواصفات لا تبدو متوفرة كثيراً في جهود لندن حالياً".

ورأى أن لندن تحتاج إلى إجراءات وتدابير أخرى غير الدعم المالي لتعزيز علاقاتها في إفريقيا. خاصة أن حجم المساعدات التي تقدمها إلى حكومات القارة السمراء ليست كبيرة، كما أن المملكة المتحدة غابت لعقود عن تلك الساحة المهمة في رسم السياسة الدولية الجديدة.

"تهديدات إرهابية"

بالتزامن مع جولة كليفرلي، نشرت صحيفة "تليجراف" البريطانية تقريراً عما سمته "الخطر الذي يهدد بريطانيا وأوروبا عموماً، في حال استمرار تجاهل حكومات القارة العجوز لضرورة دعم الدول الإفريقية"، معتبرة أنَّ تراجع حضور الغرب في تلك الدول "فتح الباب واسعاً أمام تمدد النفوذ الروسي والصيني".

وقالت الصحيفة إنَّ ما حدث في النيجر ينذر باحتمال نشوب اضطرابات في عموم القارة الإفريقية، مضيفة أنَّ هذه الاضطرابات "تعد بيئة مثالية لتمدد الحركات المتطرفة في البلاد، وتصدير إرهابها مع المهاجرين واللاجئين عبر البحر إلى الدول الأوروبية، لتكون لندن وغيرها من عواصم الغرب تحت الخطر"، على حد تعبيرها.

واتهمت الصحيفة روسيا بتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية "عبر مساعدتها في مجالات الغذاء والتنمية، ومن خلال نشر مقاتلي (فاجنر) لدعم جهات على حساب أخرى، ما أدى لقلب الموازين لمصلحة الجهات الموالية لموسكو والمعادية لمصالح الغرب كما حدث في مالي، وقد يحدث في النيجر"، بحسب الصحيفة.

تعاون عسكري

وفي مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، قال كليفرلي إنَّ بلاده تتطلع إلى تعزيز تعاونها الأمني والعسكري مع الدول الإفريقية.

وشدَّد على أنَّ لندن ستنظر بجدية في جميع طلبات دول القارة السمراء لتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة الأخطار الإرهابية التي تواجهها.

وأشار إلى أنَّ دولاً إفريقية اتجهت للاعتماد على قوات "فاجنر" الروسية بعدما فشلت في الحصول على الدعم العسكري المطلوب من الحكومات الغربية.

وأضاف: "روسيا والصين قدمتا عروضاً مغرية جداً إلى دول القارة السمراء، ولكنهما لم تحصلا في المقابل على الاستجابة المنشودة".

واستشهد بما اعتبره "تراجعاً" في عدد المشاركين في القمة الإفريقية الروسية التي عقدت في سانت بطرسبرج إلى 17 زعيماً، مقارنة بـ43 حضروا الحدث ذاته عام 2019.

واعتبر كليفرلي أن هذا التراجع "دليل على أن حكومات القارة السمراء لا تستعجل توسيع التعاون مع موسكو، خاصة بعد الهجوم الذي تشنه على أوكرانيا منذ فبراير 2022".

بالنسبة للصين، قال كليفرلي إن حديثه مع القادة الأفارقة "أظهر عدم ارتياحهم بشأن المديونيات الضخمة التي تطالبهم بها بكين".

وأضاف أنَّ كثيراً من زعماء القارة السمراء "شعروا بالاستياء إزاء عدم حضور الصين في "نادي باريس" لبحث سبل التعامل مع الديون السيادية للدول الفقيرة".

منفعة متبادلة

وتشير جولة كليفرلي إلى أنَّ لندن اختارت الاقتصاد بوابةً لتوطيد علاقاتها مع الحكومات الإفريقية.

ويرى المحلل الاقتصادي اسلم بوسلان أن هذا التوجه "يحمل منفعة متبادلة للطرفين، خاصة أن المملكة المتحدة في أمس الحاجة إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع العالم بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي".

وأضاف لـ"الشرق" أنَّ "إفريقيا تمثل سوقاً مهمة لبريطانيا، ووضعت حكومة لندن منذ عامين خارطة عمل لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع دول القارة السمراء، هذه الخطة تشبه السياسة التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، إضافة إلى تحسينات وتسهيلات أتاحها الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)".

ورأى أنَّ المملكة المتحدة تحاول استعادة زخم العلاقات الاقتصادية التي سادت بينها وبين القارة السمراء قبل 10 سنوات، إذْ تشير الأرقام إلى أنَّ قيمة التجارة البريطانية مع إفريقيا بلغت، العام الماضي، نحو 35 مليار دولار، في حين بلغت أكثر من 43 مليار دولار في عام 2012.

ووفقاً لأرقام غير رسمية، تراجعت حصة بريطانيا من الواردات الإفريقية حالياً إلى نحو 2.1% مقارنة بـ7% عام 1997 و3.2% عام 2012، أما صادرات المملكة المتحدة فهي تشكل الآن 2.6% من واردات إفريقيا، مقارنة بنسبة 4.4% في 2013، و ما يفوق 5.9% في مطلع الألفية الجديدة.

اهتمام مبكر

الباحثة في الشأن البريطاني جين كوبر، قالت إن اهتمام لندن بإفريقيا اتضحت ملامحه بعد "بريكست" ووصول بوريس جونسون إلى السلطة عام 2019.

وأشارت كوبر إلى أن رئيس الوزراء الأسبق قال في قمة الاستثمار البريطاني الإفريقي عام 2020 "إن الوقت حان لاستعادة علاقاتنا مع دول القارة السمراء".

وأضافت لـ"الشرق" أن خطط لندن في قارة إفريقيا تأثرت بعوامل عدة من بينها كورونا والمشكلات الداخلية التي تعرض لها حزب المحافظين على ضوء ما يسمى بـ"فضائح الحفلات"، لكن مع وصول ريشي سوناك إلى السلطة العام الماضي عادت الخطط مجدداً لحيز التنفيذ.

وبحسب كوبر، تمثل زيارة غانا ونيجيريا وزامبيا، الجولة الإفريقية الثالثة لوزير الخارجية البريطاني منذ سبتمبر 2022، إذ ذهب أولاً إلى إثيوبيا وكينيا، ثم توجه في مارس الماضي، إلى سيراليون الواقعة على الساحل الغربي للقارة السمراء، مشيرة إلى أن أسباب هذه الزيارات تتنوع بين الاقتصاد والأمن واستدامة البيئة.

وتوقعت كوبر أن تعكس قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية المقررة في أبريل المقبل، مدى نجاح المملكة المتحدة في استقطاب دول القارة السمراء، موضحة:"هذا المسعى يحتاج لأكثر من الإجراءات المعلنة حتى الآن، ليس فقط من ناحية زيادة أموال المساعدات، وإنما أيضاً في توسيع التعاون العسكري مع دول القارة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات