قلبت الشركات الصينية المصنعة للطائرات المسيرة، السوق العالمية رأساً على عقب، وباتت تنافس بقوة نظيراتها في الولايات المتحدة وإسرائيل، بعدما لجأت دول عدة إلى استخدام المسيرات الصينية، ما أثار قلقاً في واشنطن، وفق وكالة بلومبرغ.
وأبرمت "شركة صناعة الطيران الصينية" (أفيك)، المملوكة للدولة، صفقات كثيرة، صدّرت بموجبها عشرات الطائرات المسيّرة.
ونقلت بلومبرغ عن هيذر بيني، وهي باحثة في "معهد ميتشل لدراسات الفضاء" (مقرّه ولاية فيرجينيا)، قولها إن تلك الطائرات "اختُبرت الآن في معارك"، مضيفة أن الصينيين "تمكّنوا في تصنيعهم من تطبيق الدروس المستفادة".
وبعد 10 سنين على قتالها جماعة "بوكو حرام" المتطرفة، حصلت نيجيريا على طائرات مسيّرة صينية الصنع من طراز Wing Loong II، كما استخدمتها مصر لمواجهة الجماعات المتطرفة في سيناء، وفق بلومبرغ.
ونالت نيجيريا الجيل الثاني من Wing Loongs، ويعني اسمها "الزاحف المجنّح"، والتي يمكن أن تحلّق بسرعة تبلغ 370 كيلومتراً في الساعة، وترتفع إلى أكثر من 9 آلاف متر، وتحمل عشرات الصواريخ.
ومنذ عام 2015، عندما قدّمت "أفيك" أحدث طراز من هذه الطائرة، أنتجت 50 منها لتصديرها، إضافة إلى عدد غير معروف مخصّص للجيش الصيني. وتعمل الشركة لصنع طائرات أكثر تقدّماً، مثل طائرة مسيّرة قتالية خفية، بتصميم لجناح طيران، مشابه لتصميم قاذفة القنابل الأميركية "بي-2".
المرتبة السادسة في العالم
وباتت شركة "أفيك" تحتل مركزاً متقدّماً في تجارة الأسلحة بالعالم، نتيجة برنامج الطائرات المسيّرة، إضافة إلى شحنات لمقاتلات، ومدربين، وناقلات، ومروحيات هجومية. ففي عام 2019، باعت معدات عسكرية بقيمة 22.5 مليار دولار، وفقاً لـ "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، لتحتل بذلك المرتبة السادسة في العالم، وراء 5 شركات أميركية.
وأشارت بلومبرغ إلى أن طائرات "أفيك" تتمتع بميزتين مهمتين تسهّلان بيعها، هما أنها أرخص من الطائرات المماثلة المصنّعة في الولايات المتحدة أو إسرائيل، كما أن الصين لا تهتم كثيراً بكيفية استخدامها، كما تقول أولريكي فرانكي، وهي باحثة في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" (مقرّه لندن)، مضيفة أن "الصين مستعدة لتصدير طائرات مسيّرة مسلحة إلى أي جهة تقريباً".
وأفاد "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" بأن بكين سلّمت 220 طائرة مسيّرة إلى 16 دولة، في العقد الماضي. وقال مايكل هورويتز، وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا، إن ذلك دفع دولاً أخرى إلى تعزيز قدراتها في هذا المجال.
الصين ترفض الانتقادات
وتعمل اليابان وكوريا الجنوبية وبيلاروسيا، على تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، كما زوّدت تركيا أذربيجان بطائرات مشابهة، ساعدتها في إلحاق هزيمة بأرمينيا في نزاع بإقليم ناجورنو قره باغ العام الماضي.
وفي يناير الماضي، وافقت روسيا على إرسال طائرات مسيّرة إلى ميانمار، كما تطوّر نماذج بعيدة المدى. وأعلنت صربيا وباكستان عزمهما على استخدام مشترياتهما من الصين، لإطلاق برامجهما الخاصة. وقال هورويتز في هذا الصدد: "انتشار الطائرات المسيّرة المسلحة أمر لا مفرّ منه، نتيجة الصادرات الصينية".
وترفض الحكومة الصينية اتهامها بإثارة سباق تسلّح، مشددة على أنها تستهدف تحسين القدرات الدفاعية لعملائها فحسب. وقالت ناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية الشهر الماضي، إن بلادها "تمتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول، عكس الولايات المتحدة". وأضافت: "نحن حذرون ومسؤولون في تصدير الأسلحة. هذا مختلف تماماً عمّا تفعله الولايات المتحدة".
تحدّ لإدارة بايدن
واعتبرت بلومبرغ أن الطائرات المسيّرة الصينية، تشكّل تحدياً للرئيس الأميركي جو بايدن، فيما يحاول تجاوز السياسة الخارجية الأحادية التي انتهجتها إدارة سلفه دونالد ترمب.
وفي الخريف الماضي، اعتبر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب شركة "أفيك"، والمؤسسات التابعة لها، جزءاً من الجيش الصيني، ممّا حدّ من استحواذها على تكنولوجيا أميركية. ولكن في الصيف الماضي، أعاد الرئيس السابق تفسير "نظام التحكّم في تكنولوجيا الصواريخ"، وهو اتفاق وقعته أكثر من 30 دولة في عام 1987، وفرض لفترة طويلة حظراً على صادرات الطائرات المسيّرة الأميركية، للسماح ببيع العديد منها.
وفي نوفمبر الماضي، وافقت الإدارة الأميركية على صفقة قيمتها 600 مليون دولار، لتزويد تايوان بأربع طائرات مسيّرة من طراز "إم كيو-9 ريبر". وفي الشهر التالي، أبلغت وزارة الخارجية الكونغرس بعقد لبيع المغرب 4 من تلك الطائرات.
وتتصدّر "أفيك" حملة أوسع تشنّها الصين لتطوير صناعة الطيران، المدنية والعسكرية. وباعت "شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية" طائرات مسيّرة مقاتلة لدول، بما في ذلك مصر والعراق وصربيا، علماً أنها المرة الأولى التي تنشر فيها دولة أوروبية طائرات مسيّرة صينية، وفق بلومبرغ.
"متطلّبات تجارة الأسلحة"
واستكملت شركة China North Industries Group Corp، في نوفمبر الماضي، تطوير مروحية مسيّرة من طراز "غولدن إيغل"، والتي اعتبرت صحيفة "غلوبال تايمز" الرسمية الصينية، أنها "مصمّمة لتلبية متطلّبات تجارة الأسلحة".
وتطوّر "شركة الطائرات التجارية الصينية"، المملوكة بنسبة 12٪ لشركة "أفيك"، طائرة ركاب لتنافس طائرتَي "بوينغ-737" و"إيرباص إيه 320". كذلك لدى "أفيك" مشاريع مشتركة مع نحو 10 شركات متعددة الجنسيات، في أعمال مدنية تركّز على الصين، مثل مكوّنات الطائرات وإلكترونيات الطيران.
وقال بافل باتشاك، مدير برنامج "تشاينا مونيتور" في معهد وارسو، إن الخبرة المتزايدة لـ "أفيك" تؤتي ثمارها في تحسين الجودة. ورغم أن الطائرات المسيّرة الصينية لا تضاهي تلك الأميركية والإسرائيلية، إلا أنها تتمتع بقدرة تنافسية متزايدة، والفرق في الأسعار كبير، إذ أن سعر أفضل طائرة لـ "أفيك" يتراوح بين مليون ومليونَي دولار، في مقابل أكثر من 15 مليوناً لنموذج أميركي مشابه، وفق بلومبرغ.
ويقول باتشاك في هذا الصدد: "ربما لا تكون الطائرات المسيّرة الصينية بجودة تلك الأميركية. لكن الأمر يتعلّق بـ 15 طائرة مسيّرة بدل طائرة واحدة، ومن دون أي ضجيج بشأن حقوق الإنسان. هذا عرض جيد".