الرئيس الصيني "أكثر الأهداف غموضاً" في سباق التجسس بين واشنطن وبكين

الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينج خلال لقاء على هامش قمة العشرين في بالي بإندونيسيا. 14 نوفمبر 2022 - REUTERS
الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينج خلال لقاء على هامش قمة العشرين في بالي بإندونيسيا. 14 نوفمبر 2022 - REUTERS
دبي -الشرق

تتبارى الولايات المتحدة، والصين لتوسيع نطاق عمليات التجسس حول العالم، فيما تتخذ الدولتان خطوات جريئة في إطار "حرب ظل تجسسية، وعملية بحث عن الأسرار" محفوفة بالمخاطر، لمحاولة جمع معلومات استخباراتية عن تفكير القادة والقدرات العسكرية، وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، والتي رجحت أن تكون قرارات ونوايا الرئيس الصيني شي جين بينج "أكثر الأهداف غموضاً" في هذا السباق.

وكشفت الصحيفة الأميركية، الأحد، أنه في الوقت الذي انحرف فيه منطاد صيني يشتبه أنه "منطاد تجسس"، ودخل أجواء الولايات المتحدة في فبراير الماضي، علمت وكالات استخبارات أميركية، أن الرئيس الصيني شي جين بينج، كان "غاضباً" من كبار قادة الجيش الصيني.

وقالت إن وكالات الاستخبارات كانت تحاول فهم ما كان يعرفه شي، والتدابير التي سيتخذها بعد إسقاط المنطاد، الذي كان يستهدف قواعد عسكرية أميركية في جوام وهاواي.

وأضافت الصحيفة، أن الرئيس الصيني "لم يكن معارضاً لعمليات التجسس المحفوفة بالمخاطر ضد الولايات المتحدة، لكن وكالات استخبارات أميركية خلصت إلى أن الجيش الصيني لم يبلغ الرئيس بمعلومات عن المنطاد حتى وصوله إلى الولايات المتحدة".

وفي حين رفض مسؤولون أميركيون، مناقشة الكيفية التي حصلت بها وكالات استخبارات على هذه المعلومات، تضمنت التفاصيل التي أوردتها "نيويورك تايمز" لأول مرة، أنهم "اكتشفوا أن الرئيس الصيني، عندما علم بمسار المنطاد وأدرك أنه كان يعرقل محادثات مخطط لها مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وبخ كبار الجنرالات لعدم إبلاغه بانحراف المنطاد"، وفقاً لمسؤولين أميركيين مطلعين على المعلومات الاستخباراتية.

سباق تجسس

ووفقاً للصحيفة، سلطت واقعة انحراف المنطاد إلى أجواء الولايات المتحدة الضوء على "سباق التجسس المتزايد والسري للغاية بين أميركا والصين"، في حين تعكس أزمة المنطاد، وهي جزء صغير من جهود تجسس أكبر بكثير تقوم بها الصين، "نزعة عدائية جريئة جديدة" لبكين في جمع المعلومات الاستخبارية عن الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تزايد قدرات واشنطن على جمع معلوماتها الخاصة عن الصين".

وبالنسبة لواشنطن، تمثل جهود التجسس جزءاً هاماً من استراتيجية الرئيس الأميركي جو بايدن، لتقييد النهوض العسكري والتقني للصين، بما يتماشى مع اعتقاده بأن الصين تشكل أكبر التحديات للنفوذ الأميركي على المدى الطويل.

وبالنسبة لبكين، يقود شي "التقبل الجديد" للإجراءات الجريئة التي تتخذ في وكالات التجسس الصينية، حيث قاد جيشه إلى الدخول في تحركات عدائية على طول حدود البلاد، ودفع وكالة الاستخبارات الأجنبية إلى أن تصبح أكثر نشاطاً في مناطق بعيدة.

وتهدف الجهود الرئيسية التي يبذلها الجانبان إلى الإجابة على سؤالين أكثر صعوبة بشأن نوايا القادة في الدولة المنافسة، والقدرات العسكرية والتقنية التي يتمتعون بها، حسبما ذكرت "نيويورك تايمز".

وقال المسؤولون الأميركيون الذين طلبوا عدم كشف هوياتهم، إن وكالة الاستخبارات المركزية IA) تركز على الرئيس الصيني، وخاصة نواياه بشأن تايوان. في حين كثفت فرق الاستخبارات المضادة التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، في جميع أنحاء الولايات المتحدة جهودها لمطاردة الجهود الصينية لتجنيد جواسيس داخل البلاد.

وتمكن ضباط أميركيون من رصد العشرات من عمليات الاختراق، التي نفذها مواطنون صينيون  ضد قواعد عسكرية على أراضٍ أميركية خلال الأشهر الـ12 الماضية.

معركة ذكاء اصطناعي

في غضون ذلك، تتسابق الولايات المتحدة والصين لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ تؤمن الدولتان بأن هذه التكنولوجيا ضرورية للحفاظ على التفوق العسكري والاقتصادي، وستمنح وكالات التجسس لديهما قدرات جديدة، بحسب الصحيفة.

ويعتقد مسؤولون أميركيون أن الجهود الصينية تمتد إلى جميع جوانب الأمن القومي، والدبلوماسية، والتكنولوجيا التجارية المتقدمة في الولايات المتحدة والدول الشريكة.

"نيويورك تايمز" لفتت إلى أن CIA، ووكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاجون، أسستا مراكز جديدة تركز على التجسس على الصين. كما عزز مسؤولون أميركيون قدراتهم على اعتراض الاتصالات الإلكترونية، بما في ذلك استخدام طائرات التجسس قبالة سواحل الصين.

وقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، كريستوفر راي، في مقابلة مع "نيويورك تايمز"، إن صراع التجسس مع الصين أكبر من نظيره الذي دار بين الأميركيين والسوفييت خلال الحرب الباردة. ويرى أن اقتصاد الصين وعدد سكانها الكبير يمكنانها من بناء أجهزة استخبارات أكبر من تلك الموجودة في الولايات المتحدة.

وأضاف راي: "الحقيقة هي أنه بالمقارنة مع جمهورية الصين الشعبية، فنحن أقل عدداً بكثير في الواقع، ولكن علينا الدفاع عن الشعب الأمريكي هنا في الوطن. أرى أن هذا هو التحدي الذي يواجه جيلنا".

في المقابل، ترى الصين الأمر بشكل مختلف، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانج وينبين، إن الولايات المتحدة "أقوى في عالم التجسس وتمتلك أكبر شبكة تجسس في العالم".

مخاوف وأزمات دبلوماسية

"نيويورك تايمز" رأت أن التجسس يُمكن أن يمنع الانزلاق إلى حرب، أو يُسهل مسار مفاوضات حساسة، محذرة من أنه ربما يسرع دخول الدول في صراعات مسلحة أو يؤدي إلى حدوث خلافات دبلوماسية.

وذكرت أنه في أواخر فبراير الماضي، بعد أسابيع من إلغاء زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى بكين، بسبب واقعة المنطاد، واجه بلينكن وزير الخارجية الصيني بتقييم استخباراتي أميركي مفاده أن بكين تفكر في تقديم أسلحة لروسيا.

ونقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن الكشف عن هذه المعلومات زاد حدة التوترات، لكنه ربما لعب دوراً في منع الصين من إرسال أسلحة إلى روسيا. وأثار بلينكن قضية الأنشطة الاستخبارية الصينية في كوبا أثناء زيارته إلى بكين في يونيو الماضي.

وأوضح مسؤولون أميركيون آخرون، أن قدرة الصين على استخدام الأقمار الصناعية للاستطلاع، التي تحسنت بشكل كبير، والهجمات السيبرانية، يمثلان أهم وسيلتين لجمع المعلومات الاستخبارية.

وقال المسؤولون إن أسطول المناطيد، على الرغم من كونه أقل تطوراً بكثير، مكّن الصين من استغلال المنطقة غير الخاضعة للرقابة في الفضاء القريب. بينما تحذّر الولايات المتحدة حلفائها من أن قدرات التجسس الإلكتروني الصينية، ربما تزداد إذا استخدمت دول العالم تقنيات شركات الاتصالات الصينية.

"سعي وراء كل شيء"

ويمثل الذكاء الاصطناعي ساحة معركة أخرى، حيث تعتبر الولايات المتحدة تقدمها في الذكاء الاصطناعي كوسيلة تساعد على معادلة قوة الصين من حيث العدد، بينما يأمل مسؤولون صينيون أن تساعدهم التكنولوجيا في مواجهة القوة العسكرية الأميركية، حسبما قال مسؤولون أميركيون.

كما يشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق أكثر من أي وقت مضى إزاء جهود الوكالات الصينية لجمع المعلومات الاستخبارية من خلال الاتصالات الشخصية. وقالوا إن وزارة أمن الدولة، جهاز الاستخبارات الرئيسي في الصين، تهدف إلى تجنيد مصادر في جميع هيئات الحكومة الأميركية، وشركات التكنولوجيا، وقطاع الصناعات الدفاعية.

وأوضح مسؤولون حاليون وسابقون، أن العملاء الصينيين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "لينكد إن"، لجذب مجندين محتملين.

واستجابت الوكالات الفيدرالية الأميركية لهذا التهديد بزيادة عمليات القبض على الجواسيس داخل الولايات المتحدة. وقال راي، مدير FBI، إن الوكالة تجري آلاف التحقيقات بشأن عمليات تجسس صينية.

وتضم جميع المكاتب الميدانية التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، التي يبلغ عددها 56 مكتباً، فرق استخبارات مضادة تركز إلى حد كبير على التهديد الذي تشكله المخابرات الصينية.

وتتعلق التحقيقات بمحاولات قام بها جواسيس صينيون لتجنيد مخبرين، وسرقة معلومات، واختراق أنظمة، ومراقبة ومضايقة المعارضين الصينيين في الولايات المتحدة.

وأضاف راي: "إنهم يسعون كل شيء. ما يجعل أجهزة الاستخبارات الصينية خطيرة للغاية، هي الطريقة التي تستخدم بها جميع الوسائل المتاحة لديها ضدنا جميعاً في وقت واحد".

"أكثر الأهداف غموضاً"

ورجحت الصحيفة، أن قرارات ونوايا الرئيس الصيني هي "المعلومات الاستخبارية الأكثر قيمة"، التي تسعى وراءها وكالات التجسس الأميركية، لافتة إلى أن الرئيس شي يمثل أيضاً "الهدف الأكثر غموضاً".

وفي الوقت الراهن، تبحث وكالات أميركية أسباب خضوع وزير الدفاع لي شانج فو، للتحقيق بتهمة "الفساد"، والإطاحة بوزير الخارجية تشين جانج، إذ تعتمد الدبلوماسية والسياسة الأميركية على معرفة الدوافع وراء هذه التحركات، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".

تجدر الإشارة إلى أنه قبل 10 سنوات، تمكن مسؤولو مكافحة التجسس في الصين من القضاء على شبكة مخبرين أميركية بعد الكشف عن هويات المخبرين. ومنذ ذلك الحين، واجهت وكالة الاستخبارات المركزية تحدياً كبيراً لإعادة بناء شبكتها، هو ما يعزى جزئياً إلى توسع شبكات المراقبة الإلكترونية في الصين، ما صعب تحرك ضباط العمليات الأميركيين بحرية في الصين لمقابلة المصادر.

وتمتلك الصين برنامج ذكاء اصطناعي، قادر على التعرف على الوجوه وكشف طريقة مشي الجواسيس الأميركيين، ما يعني أن أساليب التنكر التقليدية ليست كافية لتجنب الرصد، وفقاً لمسؤول استخباراتي سابق.

وقال مسؤولون استخباراتيون سابقون، إن العملاء الأميركيين يضطرون الآن إلى قضاء أيام بدلاً من ساعات، لرصد عملاء صينيين يتعقبونهم قبل مقابلة المصادر أو تبادل الرسائل.

وقالت "نيويورك تايمز" إن الرئيس الصيني، مثل غيره ممن وصفتهم بـ"القادة السلطويين"، يقلل استخدامه للهواتف أو الاتصالات الإلكترونية؛ ليصعب على وكالات الاستخبارات الأجنبية اعتراض أوامره.

ولكن المسؤولين في الصين يستخدمون الأجهزة الإلكترونية، ما يمنح الوكالات الأميركية فرصة لاعتراض المعلومات.

وأضافت الصحيفة أن المسؤولين الأميركيين الذين يسافرون إلى الصين يتخذون تدابير مضادة لتجنب سرقة الأسرار الحكومية، ويمنحون هواتف وأجهزة حاسوب محمولة مؤقتة، ويُطلب منهم ترك أجهزتهم العادية في منازلهم.

وقال مدير مجلس الأمن القومي الأميركي السابق لشؤون الصين، دينيس وايلدر، إن فهم نوايا القادة الأميركيين يمثل أحد الأولويات القصوى لوكالات الاستخبارات الصينية.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات