سادت حالة من الجدل داخل الأوساط القانونية في الولايات المتحدة بشأن الأحكام القضائية التي صدرت ضد أعضاء في جماعتي اليمين المتطرف Proud Boys (الأولاد الفخورون) وOath Keepers (حراس القسم)، بعد إدانتهم بالتآمر لاقتحام مبنى الكونجرس في محاولة لإبطال هزيمة الرئيس السابق دونالد ترمب في انتخابات 2020 أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن.
وتباينت آراء الخبراء والقانونيين بشأن جدوى الأحكام وتأثيرها على أنشطة المجموعات المماثلة في الانتخابات المقبلة لعام 2024.
في أوائل سبتمبر الجاري، صدر حُكم بالسجن 22 عاماً على الزعيم السابق لمجموعة Proud Boys إنريكي تاريو، بعد إدانته بتهمة التآمر للتحريض على الفتنة في ما يتعلق بهجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول.
وعقوبة تاريو هي أقسى عقوبة صدرت حتى الآن في قضية الاقتحام، بعد أن تجاوزت العقوبة الصادرة ضد مؤسس جماعة Oath Keepers (حراس القسم) ستيوارت رودز بالسجن 18 عاماً بتهمة التآمر ضد الدولة.
وكان تاريو واحداً من 4 أعضاء في جماعة "الأولاد الفخورين" الذين أدينوا، في مايو، بالتآمر ضد الولايات المتحدة.
وقبل الحكم عليه بأسبوع، صدرت أحكام على متهمين آخرين مثل السجن 17 عاماً على جو بيجز، والسجن 15 عاماً على زاكاري ريهل، والسجن 18 عاماً على زعيم "الأولاد الفخورون" السابق إيثان نوردين.
الديمقراطية وقانون الفتنة
ويرى خبير الأمن القومي والعلاقات الدولية وأستاذ العلوم السياسية في "جامعة نيوهامبشير" ليونيل انجرام أن هذه الأحكام القاسية ليست كافية وحدها، لكنها في الوقت نفسه ضرورية في سياق الجريمة وللتذكير بأنَّ هناك حدوداً للأنشطة السياسية.
وقال انجرام لـ"الشرق" إنه "يجب تفعيل حدود النشاط السياسي لأن ارتكاب مثل تلك الجرائم يشكل خطراً على القيم الديمقراطية"، معتبراً أنَّ "أفعال المدانين كانت تهدف بوضوح إلى التأثير على الحكومة وتعزيز العنف السياسي بشكل عام في البلاد".
وأشار أستاذ الحقوق والعدالة في جامعة نيويورك فيكتور جوود إلى انتهاك جماعة "الأولاد الفخورون" قانون الفتنة، وهي الجريمة التي أدين بها المتهمون، لكنه في الوقت نفسه اعتبر أن الحكم "مبالغ فيه".
وقال جوود لـ"الشرق": "لقد انتهكوا القانون بالفعل لا أحد ينكر ذلك، لكن الحكم عليهم بالسجن لمدة 22 عاماً، هو في رأيي أمر مبالغ فيه إلى حد كبير".
من هم "الأولاد الفخورون"؟
تعد Proud Boys (الأولاد الفخورون) واحدة من عشرات المليشيات اليمينية المتطرفة في عموم الولايات المتحدة التي شاركت في اقتحام مبنى الكابيتول، في محاولة لإلغاء هزيمة ترمب في انتخابات 2020.
ولدى المجموعة 119 فرعاً منتشرة في 46 ولاية إضافة إلى كندا، التي صنفت الحركة بأنها "جماعة إرهابية"، بعد اشتراك أعضائها في اقتحام الكونجرس الأميركي.
وتأسست Proud Boys (الأولاد الفخورون) في أميركا عام 2016 على يد الناشط اليميني الكندي البريطاني جافين ماكينز الذي نأى بنفسه عنها بعد ذلك.
وبسبب نهجها العنيف في المواجهات السياسية، اعتبرتها وزارة العدل الأميركية "جماعة يمينية متطرفة" تصف نفسها بـ"الشوفينيين الغربيين".
ووصفتها رابطة مكافحة التشهير بأنها "جماعة يمينية متطرفة لديها أجندة عنيفة"، لافتة إلى أنَّ أعضاءها في المقام الأول "معادون للنساء والإسلام ومناهضون للهجرة، كما يتبنى بعضهم أيديولوجيات تفوق البيض ومعاداة السامية".
وكانت الدوافع الأيديولوجية للجماعة سبباً في ارتكاب بعض أعضائها عدداً من الجرائم، على حد قول ليونيل انجرام، وهو لا يعني هنا الجرائم التي أدينوا بها أخيراً.
وقال انجرام إنَّ "أعضاء الجماعة شاركوا عام 2017 في أعمال عنف بمدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا، خلفت العديد من الإصابات وأودت بحياة شخص واحد".
وأضاف: "هناك أكثر من واقعة تسببوا فيها بإحداث عنف، أهمها حالياً ما حدث في 6 يناير وارتكابهم جريمة الفتنة".
قانون التحريض على الفتنة
وعلى الرغم من عدم مشاركته ميدانياً في اقتحام الكونجرس، إلا أن المحكمة عاقبت تاريو بناءً على لائحة اتهام تنسب إليه "قيادة التخطيط المسبق والبقاء على تواصل مع أعضاء آخرين من منظمة براود بويز خلال عملية اقتحام مبنى الكابيتول".
وأدَّى ذلك إلى الحكم على الزعيم السابق لمجموعة Proud Boys (الأولاد الفخورون) بتهمة التآمر للتحريض على الفتنة، وتهم أخرى تتعلق باختراق مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير 2021.
وتجرم الحكومة الفيدرالية التآمر للتحريض على الفتنة، وينص البند 18 من القانون الأميركي رقم 2384 الخاص بذلك، على أنه "إذا تآمر شخصان أو أكثر في أي ولاية أو إقليم، أو أي مكان يخضع لولاية الولايات المتحدة، على الإطاحة بحكومة الولايات المتحدة، أو إسقاطها أو تدميرها بالقوة أو شن حرب ضدها، أو معارضة سلطتها بالقوة، فإنه ستتم معاقبة كل مشارك بالغرامة أو السجن لمدة لا تزيد عن 20 عاماً، أو كلا العقوبتين".
ويرى فيكتور جوود أن هذا التعريف فضفاض للغاية، خاصة الجزء الذي يمكن فيه للمرء "التآمر للعمل بالقوة لمنع أو إعاقة أو تأخير تنفيذ أي قانون في الولايات المتحدة".
وقال جوود: "ربما تكون الفتنة أكثر الجرائم غموضاً في العالم"، معتبراً أنَّ الإدانة شجعت بعض المدعين العامين على استخدام قوانين مماثلة ضد المتظاهرين الآخرين، حتى لو كانوا سلميين تماماً، بدلاً من دعم القيم الديمقراطية.
وأشار جوود إلى قانون "RICO" الذي استخدمه المدعي العام في جورجيا لتوجيه اتهامات ضد عدد من "النشطاء السلميين" الذين كانوا يحتجون على هدم أراضي متنزه لبناء منشأة للشرطة.
وقال: "مع مثل هذه التهمة الجنائية الثقيلة، لا يستطيع الكثيرون دفع الكفالة ويتم احتجازهم فعلياً في الحبس الوقائي بانتظار المحاكمة".
واستنكر جوود استخدام قانوني الفتنة و"RICO" وهو"قانون المنظمات الفاسدة والمتأثرة بالابتزاز" الذي صدر عام 1970 بهدف محاربة الجريمة المنظمة مستهدفاً المافيا، واستخدمه المدعون في جورجيا ضد ترمب، "لما لهما من تأثير مروع على ممارسة الحق الدستوري في الاحتجاج"، على حد قوله.
في المقابل، يرى أستاذ العدل والقانون والجريمة بالجامعة الأميركية في واشنطن ديفيد ماليت أن تصنيف جرائم Proud Boys (الأولاد الفخورون) على أنها "جرائم إرهاب"، وما ترتب عليها من عقوبات أشد قسوة مما كان سيفرضه القاضي دون استخدام ذلك التصنيف، "أمر جيد ومنطقي".
وأضاف: "إذا كان هناك أي شيء قد يبقي أميركا في مأمن من الإرهاب الداخلي، في مواجهة الانقسامات الأيديولوجية، فهو القوانين التي تم تطويرها في الأصل لوقف أنصار المنظمات الإرهابية الأجنبية مثل تنظيم القاعدة".
من هم Oath Keepers (حراس القسم)؟
بدأت جماعة Oath Keepers (حراس القسم)، المؤيدة للسلاح والمناهضة للحكومة نشاطها عام 2009، بمظاهرة في مدينة ليكسينجتون في ولاية ماساتشوستس.
ويقود الحركة ستيورات رودز، وهو جندي مظلي سابق في الجيش الأميركي، درس القانون في جامعة ييل وكان مساعداً لعضو الكونجرس الجمهوري الليبرالي رون بول من تكساس.
منذ البداية، حاولت الجماعة تجنيد أعضاء ينتمون إلى الجيش ومؤسسات تطبيق القانون في صفوفها، حتى أنَّ اسم "حراس القسم" في حد ذاته يمثل تعهدهم بأداء القسم العسكري الذي أقسمه هؤلاء الأفراد في الجيش والشرطة للدفاع عن الدستور ضد كل الأعداء سواء كانوا أجانب أو محليين.
ويصف مركز قانون الحاجة الجنوبي "حراس القسم" بأنها "جماعة متطرفة يمينية ذات أيدلوجية راديكالية مناهضة للحكومة متجذرة في نظريات مؤامرة خطيرة، كما أن لها تاريخاً طويلاً في الأنشطة الإجرامية".
"الأولاد الفخورون" و"حراس القسم".. هل هم ضحايا ترمب؟
وارتبط اسم الجماعتين بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي قال خلال المناظرة الرئاسية التلفزيونية مع جو بايدن والحديث عن تفوق الجنس الأبيض ونشاط المجموعات المسلحة في أميركا، موجهاً حديثه إلى جماعة Proud Boys (الأولاد الفخورون) التي ترتدي قبعات تحمل شعاره الانتخابي: "تنحوا وابقوا على مقربة".
بعد انتخابات 2020، كرَّر زعيم المجموعة ستيوارت رودز مزاعم ترمب بأن الاقتراع تم تزويره. وبعد أيام من التصويت، ألقى رودز كلمة أمام تجمع صغير في فيرجينيا بعنوان "أوقفوا السرقة"، حث فيها الجميع على عدم قبول النتائج.
مع ذلك، حاول محامو زعيمي Proud Boys (الأولاد الفخورون) و Oath Keepers (حراس القسم) تصويرهما بأنهما "كبش فداء" لترمب الذي تحدث في تجمع "أوقفوا السرقة" على مقربة من البيت الأبيض في 6 يناير، وحرض مؤيديه على "الدخول في قتال كالجحيم".
ويستبعد انجرام إمكانية توصيف المتهمين في القضية بأنهم "أكباش فداء" لترمب، وإنما "أفراد ارتكبوا جرائم، وما فعلوه، كان غير قانوني وخاطئ".
ويقول انجرام إنَّ تلك المجموعات نموذج شائع تحت حكم الرؤساء الجمهوريين، وأضاف: "في الحقيقة لم يكن لديهم، على الإطلاق، أي التزام تجاه ترمب، وأعتقد أيضاً أنَّ تصرفات ترمب كانت غير قانونية وخاطئة".
وعلى الرغم من اتفاق فيكتور مع انجرام على أنَّ المتهمين ليسوا "أكباش فداء"، إلا أنه يعتبر أنهم على الأقل ليسوا بمنزلة "الثمرة القريبة" التي يمكن للنائب العام أن يلاحقها بسهولة.
وأضاف أن المتهمين "بالغون ويعرفون ما يفعلون، لكن يبدو أنه حدث خطأ في حساباتهم واعتقدوا أنهم في أسوأ الأحوال قد يواجهون تهمة جنحة التعدي على ممتلكات الغير".
مصير الجماعات المتطرفة
لا يوجد إحصاء محدد للجماعات المتطرفة المسلحة في الولايات المتحدة، لكن بعد الملاحقات القضائية الفيدرالية للجماعات المتطرفة المتورطة في هجوم الكابيتول انحلَّت العديد من الفصائل اليمينية المتطرفة أو اختفت.
وكشف مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه، وهو مجموعة عالمية لمراقبة النزاعات، أن ما لا يقل عن 56 مجموعة يمينية متطرفة كانت نشطة في عام 2022، مقابل 83 مجموعة في عام 2021، و159 في عام 2020.
واعتبر فيكتور أنَّ القلق من ممارسة الحق الدستوري في الاحتجاج هو جوهر الرسالة التي يتم إرسالها من خلال إدانة أعضاء في Oath Keepers (حراس القسم)، موضحاً: "مارس حقك في الاحتجاج على مسؤوليتك الخاصة".
وقال انجرام: "سيستمر وجود بعض الأشخاص الذين لديهم الدافع للتصرف بشكل مخالف للقانون. فالعصيان المدني هو عمل قانوني ضمن حدود. وعندما يتجاوز تلك الحدود، يجب معاقبته".
ويتفق ماليت مع إنجرام في أن الأحكام القاسية قد تردع آخرين عن الانضمام إلى المجموعات وتؤثر على عمل المليشيات المتطرفة، لكن ماليت ينبه في الوقت نفسه إلى أنَّ بعض الجمهوريين "يطلقون حملاتهم الآن على وعد بالعفو عن المتمردين، وقد يمنح هذا آخرين الأمل في نجاح العنف السياسي في عام 2024".