يقدّم رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وقياديون أرمينيون، اتفاق وقف النار في ناجورنو قره باغ، بوصفه "محاولة لتقليل الخسائر ولتجنّب المجازفة بسقوط الإقليم بأكمله" في المعارك مع الجيش الأذربيجاني.
سيطرة القوات الأذربيجانية على منطقة شوشا، التي يسميها الأرمن شوشي، شكّلت تحوّلاً في مسار الحرب، إذ تقع على قمة جبل يشرف على ستيباناكيرت، عاصمة الإقليم، وجعلت القوات الأذربيجانية في موقع يمكّنها من شنّ هجوم على المدينة التي تبعد 10 كيلومترات من شوشي. أرغم ذلك يريفان على التسليم بأنها لن تخرج منتصرة في المعركة، وبأن عليها إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
حجم الاحتجاجات على الاتفاق في أرمينيا عكس انقساماً داخلياً، مهدداً بتداعيات يصعب التكهّن بمداها.
ومع إقرار وزارة الدفاع في قره باغ بمقتل 1302 من عسكرييها، منذ اندلاع القتال في 27 سبتمبر الماضي، حرص باشينيان على تأكيد أن الهدنة "كانت مؤلمة جداً، بالنسبة إلي ولشعبنا"، مشدداً على أن "القرار اتُخذ بناءً على تحليل عميق للوضع القتالي، وبالتعاون مع أفضل الخبراء".
رئيس الوزراء الأرميني، شدد على أن لا خيار آخر أمامه، بعدما أبلغه الجيش بضرورة ذلك، ونقلت عنه وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء قوله: "وجدنا أنفسنا في موقف لم يكن فيه بديل من توقيع الاتفاق".
"خسارة أرتساخ"
أما زعيم ناجورنو قره باغ أرايك هاروتيونيان فقدّم تحليلاً أكثر تشاؤماً، قائلاً: "لو استمرت الأعمال العدائية بالوتيرة ذاتها، لكنا خسرنا كل أرتساخ (التسمية الأرمنية للإقليم) خلال أيام"، كما أفادت وكالة "أسوشييتد برس".
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن هاروتيونيان قوله إن سقوط شوشي كان أصعب ليلة في حياته، وزاد: "نتيجة 43 يوماً من القتال، خسرنا منطقة فيزولي، وجبرائيل، وكوباتلو، ومناطق زانغيلان، وغالبية مقاطعة هادروت، وأجزاء من مقاطعتَي مارتوني وعسكران، والأهم من ذلك شوشي". ولفت إلى أن القوات الأذربيجانية باتت على بعد كيلومترات من ستيباناكيرت.
ورأت "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) في الاتفاق "نصراً لأذربيجان وهزيمة لأرمينيا"، علماً أن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف اعتبره "تاريخياً"، ويرقى إلى "استسلام" من يريفان، وفق الشبكة، فيما شهدت بلاده احتفالات صاخبة بـ"النصر".
كان واضحاً أن الاتفاق الجديد لن يلقى مصير اتفاقين سابقين تم التوصل إليهما خلال القتال، إذ أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشدداً على وجوب أن "يؤمّن ظروفاً لازمة لتسوية كاملة وبعيدة المدى للأزمة.. على أساس عادل ولمصلحة شعبَي أرمينيا وأذربيجان"، وفقاً لوكالة "رويترز".
تفاصيل الاتفاق
تكفي نظرة سريعة إلى بنود الاتفاق، ليفهم المرء لماذا تحدث باشينيان عن هدنة "مؤلمة جداً". وأفاد "مركز الدراسات الشرقية" (مقرّه وارسو) بأن الهدنة "تفترض بقاء قوات الأطراف المتحاربة في مواقعها الحالية، وأن تسلّم أرمينيا أذربيجان، بحلول 1 ديسمبر، المناطق المتاخمة لناجورنو قره باغ، التي سيطرت عليها منذ عام 1994، باستثناء حزام طوله 5 كيلومترات لما يُسمّى ممرّ لاشين، ما يتيح استمرار تواصل بري بين يريفان وستيباناكيرت".
وكانت القوات الأرمينية احتلت خلال الحرب التي انتهت عام 1994 سبع مناطق أذربيجانية محاذية لقره باغ، اعتبرتها طوق حماية للإقليم. وستشكل خسارتها ضربة لإحساسه بالأمن، علماً أن يريفان لم تستطع مجاراة باكو، التي استثمرت ثروتها النفطية في شراء أسلحة متطوّرة وتعزيز جيشها، تمهيداً لاستعادة الإقليم.
واعتبر "مركز الدراسات الشرقية" أن الانتشار السريع للقوات الروسية التي كُلّفت بحفظ السلام، على خط الحدود بين أذربيجان وقره باغ، وتشمل 1960 عسكرياً وناقلات مدرعة، يوحي بأن "قرار استخدامها يجب أن يكون اتُخذ في موعد لا يتجاوز نهاية الأسبوع الماضي"، علماً أنها ستبقى هناك لما لا يقلّ عن 5 سنوات، قابلة للتجديد 5 سنوات أخرى، بموافقة طرفَي النزاع.
وأشار المركز إلى "فتح كل الطرق في المنطقة، وينطبق ذلك على الطريق بين الجزء الرئيس من أذربيجان وجمهورية ناختشيفان ذات الحكم الذاتي، والتي تمرّ عبر أراضي أرمينيا"، مضيفاً أن حرس الحدود الروس سيتحكّمون بحركة المرور في هذا الجزء.
معضلة عودة اللاجئين
وفي خطوة مهمة يُرجّح أن يثير تطبيقها مشكلات، يتيح الاتفاق لللاجئين والمشردين "العودة إلى أماكن إقامتهم" في الإقليم، إضافة إلى تبادل الطرفين الأسرى وجثث القتلى. وأفاد المركز بأن الاتفاق "لا يحدّد الوضع القانوني لجزء من ناجورنو قره باغ سيبقى تحت السيطرة الأرمينية".
"مركز الدراسات الشرقية" رأى في وقف النار، في المرحلة الحالية من القتال "نصراً لأذربيجان واستسلاماً لأرمينيا بحكم الأمر الواقع، التي تفقد غالبية الأراضي التي احتلتها في مطلع تسعينات" القرن العشرين.
واعتبر أن موسكو "عزّزت وجودها في منطقة جنوب القوقاز"، وستبقي أرمينيا وأذربيجان "ضمن منطقة نفوذها".
كذلك، يُعتبر مسار الحرب مكسباً لتركيا، حليفة أذربيجان والتي زوّدتها بأسلحة، خصوصاً طائرات مسيّرة، شكّلت عاملاً عسكرياً رجّح كفة باكو.
وفيما تحدث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عما وصفه بـ"نجاح مقدس"، نفى الكرملين إعلان أنقرة اتفاقاً على نشر قوات حفظ سلام تركية في المنطقة، مشيراً إلى أن مركزاً لمراقبة الهدنة، على مشارف ناجورنو قرع باغ، يخضع لاتفاق منفصل، وفقاً لـ"رويترز".