إسرائيل بين انشقاقين.. "الليكود" والرئيس الجديد لـ"الشاباك"

جدعون ساعر أثناء إطلاق حملته لقيادة حزب "الليكود" في تل أبيب - 16 ديسمبر 2019 - AFP
جدعون ساعر أثناء إطلاق حملته لقيادة حزب "الليكود" في تل أبيب - 16 ديسمبر 2019 - AFP
القدس -الشرق

مثلما تعهد به في مؤتمر صحافي مساء الثلاثاء، وصل السياسي البارز في حزب "الليكود" جدعون ساعر، إلى مقر الكنيست الأربعاء، وقدم استقالته من عضوية البرلمان، معلناً إنشاء حزب جديد لمنافسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

خطوة ساعر تزامنت مع أزمة ولّدتها مساعي نتنياهو لتعيين مئير بن شبات رئيساً لجهاز "الشاباك" والتي أثارت ردود فعل ومواقف توحي بانشقاق الموقف في صفوف الجهاز الأمني الإسرائيلي، لتبدو إسرائيل والحال هذه، وكأنها تعيش على وقع انشقاقين في السياسة والأمن على حد سواء.

قلق متعدد الجهات

أشار استطلاع أجرته إذاعة "103 إف إم" المحلية في تل أبيب إلى أن حزب ساعر الجديد سيحظى بـ17 مقعداً في الكنيست، لو أجريت الانتخابات اليوم، مقابل 25 مقعداً لـ"الليكود"، و19 لـ"يمينا"، و14 لـ"يش عتيد"، و11 للقائمة المشتركة، و9 لـ"شاس"، و7 لـ"يسرائيل بيتينو"، و7 لـ"يهدوت هتوراة"، و6 لـ"أزرق أبيض"، و5 لـ"ميرتس". 

وعلى الرغم من أن تجارب الماضي في السياسة الإسرائيلية، تقول إن الاستطلاعات الأولية التي تأتي بعد الحدث مباشرة، عادة ما تكون غير دقيقة، وتتغير مع مرور الوقت. لكن نتائج استطلاع "103 إف إم" بدت مقلقة لأكثر من لاعب سياسي على الساحة الإسرائيلية.

فوفق الاستطلاع، يأخد ساعر 3 مقاعد من "الليكود" و4 من "يمينا"، بزعامة وزير الدفاع السابق نفتالي بينيت. 

جدعون ساعر يتحدث إلى مؤيديه في ريشون لتسيون بإسرائيل، 26 ديسمبر 2019 - REUTERS
جدعون ساعر يتحدث إلى مؤيديه في ريشون لتسيون  -
26 ديسمبر 2019 - REUTERS

وفي هذا السياق، يقول المحرر السياسي في صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية يوسي فيرتر، إن "ساعر سيترشح إلى الانتخابات للإطاحة بنتنياهو"، مضيفاً أن وزير الدفاع السابق بينيت، الذي أعطته الاستطلاعات الأفضلية خلال الأشهر الماضية، "لم يستطع أن يُقنع المصوتين في اليمين الذين سئموا سلوكيات نتنياهو، بأنه لن ينضم إليه بعد الانتخابات".

ويلفت إلى أن "المصوتين لبينيت، لم يروا إمكانية لتشكيل حكومة برئاسته من دون أحزاب يمينية أخرى، خصوصاً مع خشيتهم من أن بينيت قد يلجأ إلى أحزاب من خارج معسكر اليمين، لتشكيل حكومة في حال حقق النتائج الواردة في الاستطلاعات". 

تصادم

في المقابل، تصطدم خطوة ساعر بمخططات بينيت، باعتبار أن هناك من ينافسه أمام نتنياهو على زعامة اليمين الإسرائيلي بعد الانتخابات، فيما ستضر الخطوة أيضاً بنتنياهو الذي خسر نظرياً سبعة أعضاء في الكنيست من "الليكود" و"يمينا"، كان من المفترض أن يدعموا التصويت لصالح القوانين التي تلغي محاكمته. 

وتعقيباً على خطوة ساعر، يقول المحلل السياسي الإسرائيلي أوري درومي لـ"الشرق": "أعتقد أن ساعر يرى نفسه دائماً في الطليعة، ونتنياهو قام بتقزيمه وتهميشه، وهو أمر لطالما أثار ساعر، لكن هذه ليست الأسباب الرئيسية".

جدعون ساعر (وسط الصورة) ، عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود ، ترافقه زوجته جولا إيفن سار (يسار ، أسفل) خلال انطلاق حملته من أجل قيادة حزب الليكود في أور يهودا ، بالقرب من تل أبيب ، 16 كانون الأول (ديسمبر) 2019. - سار هي المنافس الوحيد لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو لقيادة حزب الليكود قبل الانتخابات العامة المقررة في عام 2020. (تصوير جاك غويز / وكالة الصحافة الفرنسية) - AFP
جدعون ساعر وزوجته جولا إيفن ساعر خلال انطلاق حملته من أجل قيادة حزب "الليكود" قرب تل أبيب، 16 ديسمبر 2019 - AFP

وأضاف درومي: "الحقيقة أن هناك حرب على الليكود القديم، اليمين الليبرالي المنصف الذي يحترم القانون وسيادته، والمنفتح على الآخرين، الذين يتعامل معهم باحترام متبادل"، مؤكداً أن "الليكود كان حركة شهدت دائماً نقاشات حادة، لكنها تصرفت بشكل ديمقراطي، إلا أنه منذ أن سيطر نتنياهو عليها لم تعد كذلك، إذ قام بطرد جزء كبير من مؤسسيه".

وبحسب درومي، فإن "ما يجب أن يقلق نتنياهو بشأنه حقاً، هو أن ساعر سيأخذ أصواتاً من حزبي الليكود ويمينا، وهناك الكثير من مؤيدي الليكود الذين يعيشون خيبة أمل من الحال التي وصل إليه، لكنهم لا يريدون تركه"، مضيفاً أن "ساعر يستطيع أن يشكل بيتاً لهؤلاء الأشخاص الغاضبين".  

تناقض نتنياهو

ويشير أوري درومي لـ"الشرق" إلى أن "ساعر، في مواقفه السياسية والعقائدية، يُعتبر أكثر يمينية من نتنياهو"، ويتابع: "أشك أن لدى نتنياهو عقيدة أيديولوجية، يستطيع من خلالها أن يتحدث عن دولتين لشعبين، ويوقع اتفاقية الخليل، وفي الوقت ذاته يتحدث عن ضم المستوطنات وأجزاء واسعة من الضفة الغربية، ويتنازل عنها مقابل اتفاق سلام مع دولة الإمارات العربية المتحدة". 

ويضيف: "لكن هذه المرة، هناك فروق إضافية تتعلق بمسائل مثل سلطة القانون، وتحويل الحزب إلى ملكية نتنياهو الخاصة، كما قال ساعر، بالإضافة إلى الفشل في موضوع معالجة وباء كورونا وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية على إسرائيل". 

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشريكه في الائتلاف الحاكم بيني غانتس في الكنيست- 17 مايو 2020 - REUTERS
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشريكه في الائتلاف الحاكم بيني غانتس في الكنيست - 17 مايو 2020 - REUTERS

تجدر الإشارة إلى أن الاستطلاعات، قلبت موازين القوى داخل اليمين في إسرائيل، إلا أنها لم تضعفه، إذ أظهرت نتائجها خلال الأشهر القليلة الماضية، أن المعركة الانتخابية المقبلة، ستكون على زعامة معسكر اليمين (الليكود)، الذي حصل على أغلبية فاقت 61 %، وأظهرت تراجع معسكرات الوسط، واليسار، والأحزاب العربية. 

استقالة ساعر لم تكن الأولى في تاريخ "الليكود" منذ تأسيسه في عام 1973. فقد شهد الحزب اليميني انفصال رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق أرئيل شارون، وتشكيله حزب "كاديما" في عام 2005، لتنفيذ خطته للانفصال عن غزة وشمال الضفة الغربية.

ووفقاً لدرومي، فإن "شارون انفصل عن الليكود، وتوجه وفقاً للمعايير الإسرائيلية نحو اليسار، ليحقق خطة الانفصال عن غزة".

المعركة في الداخل

استطلاع إذاعة "103 إف إم" وعلى الرغم من أنه نقل المعركة إلى داخل معسكر "الليكود"، إلا أنه حافظ على "قواعد اللعبة" التي سادت في ثلاث معارك انتخابية شهدتها إسرائيل خلال العام الماضي، إذ أبقت الخلاف الأساسي بين مؤيد لاستمرار نتنياهو في الحكم، ومن يريد الإطاحة به. 

ووفقاً للاستطلاع، حصد ساعر أصواتاً من "أزرق أبيض"، وبات يهدد وجود الحزب، وبالتالي أنشأ أرضية مصالح مشتركة بين غانتس ونتنياهو، بهدف وقف عجلة انتخابات مارس، والعمل على محو تأثير انشقاق ساعر عن "الليكود"، وربما "دفنه في مقبرة السياسيين الإسرائيليين"، كما علق وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي مئير أوحنا، في مقابلة مع قناة "كان" الإسرائيلية، الثلاثاء، تعقيباً على خطوة ساعر. 

هجوم "الليكود" على ساعر، قابله هجوم سياسي من حلفائه الجدد في حزب "ديرخ إرتس"، إذ قرر عضو الكنيست تسفي هاوزر، ووزير الاتصالات يوعاز هندل، الانضمام إلى ساعر، لكن من خلال البقاء داخل الحكومة لتشكيل رادع لنتنياهو.

وقال عضو الكنيست تسفي هاوزر في مؤتمر صحافي: "إن تكون يمينياً لا يعني أن تكون بيبياً"، في إشارة إلى بيبي لقب نتنياهو، مضيفاً: "أن تكون يمينياً يعني أن تكون صاحب مبادئ قيمة، لا مكان لأي تسويات، بعد الآن حان الوقت لإزاحة نتنياهو". 

معضلة "الشاباك"

من جهة أخرى، وفي خطوة بدت أقرب إلى انشقاق آخر، إنما على صعيد الأمن هذه المرة، هددت قيادات كبيرة في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" بتقديم استقالاتها، في حال تعيين رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات رئيساً للجهاز، خلفاً لرئيسه الحالي نداف أرغمان الذي ستنتهي مدة خدمته بعد نصف عام.

ونقلت قناة "كان" الإسرائيلية عن مسؤولين في الجهاز، حضروا اجتماعات مغلقة، أن "التعيين المرتقب لبن شبات يأتي لأسباب سياسية وشخصية لكونه مقرّباً من نتنياهو، وليس لأسباب مهنية"، وأن "بن شبات غير ملائم لقيادة الجهاز ولا يثقون به، وهذا ما جعلهم يلوّحون بتقديم استقالاتهم في حال تم تعيينه".

 ووفقاً للقناة، فإن المسؤولين قالوا في اجتماعات مغلقة، إن "التعيين المرتقب لبن شبات، يأتي لأسباب سياسية وشخصية، وليس لأسباب مهنية"، وإن "بن شبات غير ملائم لقيادة الجهاز، ولا يثقون به، ولهذا فهم يهددون بتقديم استقالاتهم في حال تم تعيينه".

وأكدوا أن "التعيين المرتقب لبن شبات يأتي لأسباب سياسية وشخصية لكونه مقرّباً من نتنياهو، وليس لأسباب مهنية"، وأن "بن شبات غير ملائم لقيادة الجهاز ولا يثقون به، وهذا ما جعلهم يلوّحون بتقديم استقالاتهم في حال تم تعيينه".

من جانبها، أكدت صحيفة "هاآرتس" أن كبار المسؤولين في "الشاباك" متخوفون من العلاقات الوثيقة التي تجمع نتنياهو ببن شبات، ما قد يقوّض استقلالية عملية اتخاذ القرار داخل الجهاز. وشددت الصحيفة على أن "أربعة من كبار المسؤولين الحاليين في الشاباك يفكرون في التنحي أو الاستقالة في حال تعيين بن شبات".