حكمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الجمعة، بالسجن المؤبد على سليم عياش المرتبط بـ"حزب الله" والمُدان بالمشاركة في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005.
وأوضحت المحكمة في جلسة النطق بالحكم، أن غرفة الدرجة الأولى قررت تنفيذ 5 عقوبات سجن مؤبد على عياش، بمعنى عقوبة واحدة عن كل من الجرائم الخمس المتهم بارتكابها، على أن تنفَّذ في الوقت نفسه، لافتة إلى أنها لم تجد في هذه القضية ما يمكن أن يشكل ظروفاً مخفِّفة، أي ما يمكن أن يخفض العقوبة.
والجرائم الـ5 هي: تدبير مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي، وارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة، وقتل الحريري عمداً باستعمال مواد متفجرة، وقتل 21 شخصاً آخر عمداً باستعمال مواد متفجرة، ومحاولة قتل 226 شخصاً عمداً باستعمال مواد متفجرة.
وأوضحت المحكمة أن تحديد العقوبة يرتكز على عامل أساسي هو خطورة الجرائم، لافتة إلى أن الجرائم التي ارتكبها سليم عياش بالغة الخطورة، إذ لم يقتصر هدفها على قتل رفيق الحريري، بل شمل أيضاً التسبب بدمار هائل وخسائر في الأرواح، وطال المجتمع اللبناني ككل.
وأضافت أن "الاعتداء نُفّذ بقصد إيجاد حالة ذعر وهذا ما تسبب به فعلاً، وبثّ شعوراً بانعدام الأمن والخسارة الكبيرة بين اللبنانيين، إضافة إلى سقوط جرحى وإصابات نفسية واضطرابات ونوبات هلع واكتئاب".
وأشارت المحكمة إلى أنه وفقاً للادعاء، تقتضي الجرائم التي ارتكبها سليم عياش، فرض العقوبة الأشد استناداً على القانون اللبناني، وهي عقوبة السجن المؤبد، مشيرة إلى أن فرض عقوبة منفصلة لكل جريمة، يعزز الإدراك العام أن كل جريمة خطيرة بحد ذاتها.
مصلحة لسوريا
وأكدت المحكمة أن الاعتداء على رفيق الحريري كان سياسياً، كونه استقال في أكتوبر 2004، وكان يستعد للانتخابات النيابية في مايو 2005، في وقت كانت سوريا تهمين على الحياة السياسية في لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية في أوائل التسعينات.
وأضافت المحكمة أن غرفة الدرجة الأولى رأت أن الأدلة كانت كافية لتثبت أن الاعتداء على رفيق الحريري كان له علاقة مع الوجود السوري في لبنان ومعارضته.
وتابعت أن "الاعتداء على رفيق الحريري شاركت فيه إحدى الدول على الرغم من عدم وجود أدلة مباشرة على ذلك، والدولة الأكثر استفادة هي سوريا، وسليم عياش مرتبط بحزب الله الذي هو حليف سوريا".
مراقبة وتنسيق
ووفق المحكمة، يرجح القرار النهائي أن تنفيذ الاعتداء على رفيق الحريري اتُّخذ مطلع فبراير 2005، خلال الأسبوعين السابقين للعملية، وكان سليم عياش أحد المتورطين في الاعتداء وساهم مباشرة به، لكن غرفة الدرجة الأولى لم تستنج أنه حرّض على تنفيذه.
وقالت المحكمة إن سليم عياش شارك في مراقبة الحريري 5 مرات في الأسبوعين اللذين سبقا الاعتداء، وتولى تنسيق أعمال الاعتداء عبر هاتفه الخلوي الأحمر رقم 741.
وقبل الاعتداء بساعتين، حصل 33 اتصالاً بين شبكة مستخدمي الهواتف الحمراء، وتلقى عياش الاتصال الأخير خلال مغادرة الحريري مجلس النواب، ثم وقع الاعتداء، ولم تستخدم تلك الهواتف الخلوية بعد ذلك.
وشغل رفيق الحريري منصب رئيس وزراء لبنان قبل استقالته في أكتوبر 2004. وقُتل في 14 فبراير 2005، عندما فجّر انتحاري شاحنة مليئة بالمتفجرات أثناء مرور موكبه المدرّع، ما أودى بحياة الحريري و21 شخصاً آخرين وخلّف 226 جريحاً.
وكان سليم عيّاش (57 عاماً) حوكم غيابياً، وأدين في أغسطس الماضي، لدوره في التفجير. لكنه لا يزال طليقاً، إذ رفض الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله تسليمه مع 3 متهمين آخرين تمت تبرئتهم في نهاية المطاف، هم أسعد صبرا وحسين عنيسي وحسن حبيب مرعي.
وخلال جلسة استماع في نوفمبر، قال المدّعون إن السجن المؤبد هو "الحكم الوحيد العادل والمناسب" لسليم عياش، معتبرين أن الأمر يتعلق بـ"أخطر هجوم إرهابي وقع على الأراضي اللبنانية"، ومطالبين بمصادرة أملاكه.
"ثقافة المساءلة"
ووفق وكالة "فرانس برس"، رأى خبراء أن هذا الحكم مهم حتى لو صدر غيابياً.
وقال الباحث في معهد "آسر" في لاهاي، كريستوف بولوسان، للوكالة، إن المحاكم الدولية تشبه "عملاقاً بلا أذرع أو أرجل" لأنها تعتمد على الدول في اعتقال المشبوهين وليست في وضع يمكّنها من تنفيذ أي قرار بنفسها.
وأضاف: "لكن رغم هذا العائق، نجحت المحكمة الخاصة بلبنان على الأقل في تشكيل ملف قضائي مقنع حول ما حدث قبل 15 عاماً، ما ساعد المجتمع اللبناني على الانتقال من ثقافة الإفلات من العقاب إلى ثقافة المساءلة".
وفي 2007، وافق مجلس الأمن الدولي على إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان في لايدشندام بهولندا، وقدّمها على أنها أول محكمة دولية في العالم تهدف إلى التحقيق في الجرائم الإرهابية.
وسيكون سليم عياش في قلب محاكمة أخرى في المحكمة نفسها، تتعلق بـ3 اعتداءات دموية أخرى ضد سياسيين لبنانيين في عامي 2004 و2005.