إسرائيل على أعتاب الانتخابات.. "نجوم" الجيش والإعلام يقودون الأحزاب الجديدة

(من أعلى اليسار إلى اليمين) رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الداخلية السابق جدعون ساعر، وزعيم حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينت، وزعيم "أزرق أبيض" بيني غانتس، ووزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، ورئيس حزب "يش عتيد" يائير لبيد - AFP
(من أعلى اليسار إلى اليمين) رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الداخلية السابق جدعون ساعر، وزعيم حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينت، وزعيم "أزرق أبيض" بيني غانتس، ووزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، ورئيس حزب "يش عتيد" يائير لبيد - AFP
رام الله -محمد دراغمة

تتجه إسرائيل في مارس المقبل، إلى إجراء رابع انتخابات عامة في غضون أقل من عامين، وعلى غرار الانتخابات الثلاثة السابقة، فإن حزب "أمل جديد" الذي وُلد حديثاً، سيكون المنافس الرئيسي للحزب التاريخي "الليكود"، الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.

ولم يتغير السبب الرئيسي الذي قاد إسرائيل إلى الانتخابات هذه المرة، عن المرات السابقة، فالخلاف ليس على برنامج سياسي أو اجتماعي، وإنما يتمحور الصراع على السلطة بين نتنياهو وخصومه، كما يرى منتقدوه، حول جدارته في الاستمرار في إدارة السلطة التنفيذية، في ظل محاكمته بتهم فساد.  

وخلال الانتخابات الثلاثة الماضية، شهدت إسرائيل تشكيل ائتلاف واسع بقيادة عدد من نجوم الجيش والسياسة، حمل اسم "أزرق- أبيض"، وكان يهدف لإزاحة نتنياهو عن الحكم، لكنه فشل في ذلك، واضطر جزء من الحزب، يقوده بيني غانتس، إلى الشراكة مع نتنياهو في بناء حكومة ائتلافية، انهارت بعد 9 أشهر، وللأسباب ذاتها أيضاً، المتعلقة بالصراع على الحكم.

أنصار
أنصار "أزرق - أبيض" يرفعون صورة زعيم الحزب بيني غانتس خلال احتجاجات في تل أبيب - 19 أبريل 2020 - REUTERS

هل يصبح ساعر رئيساً للوزراء؟

وفي خضم المشهد السياسي العاصف، انشق أحد قادة حزب "الليكود"، جدعون ساعر، ليشكل في الآونة الأخيرة حزباً جديداً حمل اسم "أمل جديد"، ثم سرعان ما سطع نجمه في سماء الخارطة السياسية المضطربة، قبل أن يصبح المنافس الأول لنتنياهو في الانتخابات المقبلة، وفق نتائج استطلاعات الرأي العام.

ويُعد الحزب الجديد واحداً من أحزاب عدة جديدة، تأسست في العقدين الأخيرين في إسرائيل، معتمدة على نجوم عسكريين وإعلاميين وسياسيين، لم يجدوا مكاناً لهم في الأحزاب السياسية القديمة والتاريخية.  

واستطاعت بعض الأحزاب الجديدة، فعلياً، الوصول إلى الحكم، مثل حزب "كاديما" الذي أسسه أرئيل شارون، بعد انشقاقه عن حزب "الليكود" في عام 2005، لكن رغم صعوده السريع، ما لبث أن انطفأ نجم الحزب، بعد وفاة زعيمه. 

واتخذت بعض الأحزاب مكاناً مهماً في المشهد السياسي، معتمدة على استمرارية نجومية القائد والمؤسس، مثل أحزاب "يوجد مستقبل" بقيادة الإعلامي السابق يائير لبيد، و"البيت اليهودي" بقيادة "ليكودي" منشق آخر هو نفتالي بنت، و"إسرائيل بيتنا" بقيادة "ليكودي" ثالث منشق، هو أفيغدور ليبرمان. 

ومن الأحزاب الجديدة التي سطع نجمها واختفت أيضاً حزب "تنوعاه" أي بمعنى "الحركة" بقيادة "الليكودية" المنشقة، وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني. وكان الحزب حصل في عام 2013 على 6 مقاعد في "الكنيست".

حزب "كولانو" بقيادة موشيه كحلون، نجم الاقتصاد الذي انشق عن "الليكود"، حصل على 10 مقاعد في انتخابات عام 2015، وحزب "شينوي" بقيادة الإعلامي تومي لبيد، الذي حصل في انتخابات 2003 على 15 مقعداً.

على أنقاض الحزب المؤسس

وأرجعت مديرة مركز الدراسات الإسرائيلية في رام الله، الدكتورة هنيدة غانم، ظاهرة نشوء وتكاثر الأحزاب في إسرائيل إلى عاملين، داخلي و عالمي.

وقالت هنيدة غانم في تصريحات لـ"الشرق" إن "إسرائيل دولة مهاجرين، والمجتمع الإسرائيلي مجتمع فسيفسائي، تشكل من جماعات ذات خلفيات متنوعة، منها الروسي والأميركي والبريطاني والبولندي والمغربي والعراقي والكردي واليمني.. وغيرهم، وعندما أخذ حزب (العمل) المؤسس لإسرائيل في الانهيار، بدأت تظهر أحزاب قطاعية، بعضها يسطع، وبعضها يختفي". 

وأضافت أن "هناك ظاهرة عالمية، تتمثل في دخول النجوم إلى عالم السياسة، في مرحلة ما بعد انهيار الأيديولوجيا، إضافة إلى الدور الذي يلعبه التطور في وسائل التواصل الاجتماعي، لترويج هؤلاء النجوم".  

وأشارت غانم إلى عامل آخر في تشكيل وقيادة الأحزاب في إسرائيل، وصفته بأنه "عبادة النجوم العسكريين"، إذ ينجرف جزء كبير من الشارع وراء كبار العسكريين الذين يدخلون السياسة، بعد تقاعدهم من الجيش، خصوصاً رؤساء الأركان، والذين تتنافس الأحزاب القائمة على استقطابهم لقيادتها في الانتخابات، مثل إيهود باراك، وبيني غانتس، وغابي أشكنازي، وغادي أيزنكوت، وغيرهم.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء مغادرة الكنيست بعد تصويت لحل البرلمان- 2 ديسمبر 2020 - VIA REUTERS
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء مغادرة الكنيست بعد التصويت لحل البرلمان - 2 ديسمبر 2020 - REUTERS

ظاهرة "البيبية"

ومن أبرز مظاهر النجومية الشخصية في الحياة السياسية الإسرائيلية اليوم، ظاهرة "البيبية"، نسبة إلى رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الذي ما زال يحظى بأكبر نسبة تأييد في استطلاعات الرأي العام، على الرغم من توجيه اتهامات رسمية له بالفساد. 

ويقول الصحفي المختص في الشؤون الإسرائيلية، وديع عواودة لـ"الشرق" إن "هناك كتلة انتخابية ضخمة تقف إلى جانب نتنياهو، بصرف النظر عن أي اعتبار آخر مثل: ماذا فعل؟ وماذا لم يفعل؟ وماذا سرق؟ وماذا لم يسرق؟ أو ماذا كذب..". 

وأضاف أن "هذه الكتلة تتألف من جمهور غالبيته من اليهود الشرقيين المُهمشين، الذين تعرضوا للظلم من مؤسسي إسرائيل، واليوم يقفون ضد المؤسسات الرسمية التي تواجه نتنياهو، مثل المؤسسة القضائية والإعلامية والأمنية". 

ويميل اليهود الشرقيون تقليدياً إلى التمرد على المؤسسة الرسمية، التي أسسها اليهود الغربيون، والتي يتهمونها باتباع سياسة استعلائية وعنصرية ضدهم.  

وهاجر اليهود الشرقيون إلى إسرائيل بعد تأسيسها في عام 1948، من قبل اليهود الغربيين الذين أقاموا الحركة الصهيونية في الغرب، وقادوا الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين، وشكلوا المؤسسات، قبل إعلان قيام إسرائيل رسمياً، مثل الجامعات والمدارس والمستشفيات والطرق وشركات المواصلات والاتصالات وغيرها، وقاتلوا الجيوش العربية، وفرضوا سيطرتهم على البلاد بالقوة المسلحة. 

وبعد ذلك، استقبل مؤسسو إسرائيل المهاجرين الشرقيين في تجمعات سكانية أقيمت في الهوامش والمدن الحدودية، مثل طبريا وبيسان وصفد وعسقلان وأسدود وأوفاكيم، وغيرها، حيث عملوا في الأشغال التي تتطلب عملاً يدوياً، مثل الزراعة والصناعة والجيش، وعاملوهم بطريقة وصفت بأنها استعلائية.

انقلاب في السياسة

وأحدث اليهود الشرقيون انقلاباً تاريخياً في السياسة الإسرائيلية، عندما أعطى غالبيتهم العظمى (90%) أصواتهم لصالح حزب "الليكود" الصغير، المتطرف والمعارض، خلال انتخابات عام 1977، انتقاماً من حزب "العمل" الأشكنازي الغربي المؤسس لإسرائيل، الذي اعتبروه المسؤول الأول عن بؤسهم المتوارث، وعن تدني مكانتهم في الدولة من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. 

ونجح نتنياهو، بشخصيته الكاريزمية والشعبوية، في حشد جمهور واسع من اليهود الشرقيين خلفه، من خلال تحريضه الدائم على المؤسسة الرسمية، التي وقفت وراء التمييز التاريخي ضدهم، والتي يتهمها بأنها يسارية، ومن خلال تشكيل وعي عام، يؤمن بوجود خطر على إسرائيل تُمثله إيران.  

ويشكل اليهود الشرقيون نحو 40% من الإسرائيليين، وينقسم باقي الجمهور إلى غربيين ومهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، فضلاً عن المتدينين والفلسطينيين.

اجتماع الكتلة اليمينية في الكنيست الإسرائيلي وسط الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد- 4 مارس 2020 - AFP
اجتماع الكتلة اليمينية في الكنيست الإسرائيلي وسط الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد - 4 مارس 2020 - AFP

صراع شخصي على حساب الدولة

ويوجه كبار الكُتاب والمعلقين في إسرائيل انتقادات شديدة للطبقة السياسية التي تتصارع على السلطة، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد تحديات كبيرة، مثل فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية. 

وقال الكاتب البارز ناحوم بارنياع، في مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" نُشر أخيراً إن "الشارع في وادٍ والسياسيين في واد آخر.. الشارع منشغل بكورونا والانهيارات الاقتصادية، والسياسيون منشغلون بمصالحهم الفردية". 

وأضاف: "توجهنا 3 مرات إلى الانتخابات، بسبب لوائح الاتهام في المحكمة المركزية في القدس، وبسببها سنتوجه مرة رابعة أيضاً، هذا مشوه جداً، زائد جداً، ومُغيظ جداً". 

وتقف إسرائيل أمام سيناريوهات عدة، وهي على أعتاب الانتخابات الجديدة المقررة في مارس المقبل، الأول نجاح النجم الجديد جدعون ساعر في الفوز بعدد كبير من الأصوات، يسمح له بتشكيل ائتلاف يميني واسع، أو حصول نتنياهو على عدد كافٍ من الأصوات، يتيح له إجبار خصومه على الانضمام إلى حكومة بقيادته، أو الاضطرار إلى انتخابات خامسة. 

ولا يختلف حزب ساعر الجديد من حيث البرامج والمواقف السياسية، عن حزب "الليكود" اليميني، لكنه يرفض المشاركة في حكومة بقيادة نتنياهو لأنه متهم بالفساد، كما ترفض أحزاب أخرى المشاركة في حكومة بقيادة نتنياهو للسبب ذاته، مثل حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يعتمد على أصوات الناخبين الروس، وحزب "يوجد مستقبل"، والأحزاب اليسارية الصغيرة.

وفي ضوء المشهد السياسي بصراعاته وتعقيداته قد تجد إسرائيل نفسها مجدداً على أعتاب انتخابات خامسة، تدور حول الحلقة ذاتها، وهي بقاء نتنياهو في الحكم أو مغادرته.

اقرأ أيضاً: