حكم قاض أميركي، الثلاثاء، بأن دونالد ترمب مارس الاحتيال لسنوات أثناء بناء الإمبراطورية العقارية التي دفعته إلى الشهرة والوصول إلى البيت الأبيض، فيما أصر الرئيس الأميركي السابق على أنه لم يرتكب أي خطأ، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
ووجد القاضي آرثر إنجورون، الذي حكم في دعوى مدنية رفعتها المدعية العامة في نيويورك ليتيشيا جيمس، أن الرئيس السابق وشركته خدعا البنوك وشركات التأمين من خلال المبالغة في تقييم أصوله بشكل كبير، والمبالغة في حجم ثروته على الأوراق المستخدمة في عقد الصفقات وتأمين التمويل.
وأمر إنجورون بإلغاء بعض تراخيص ترمب التجارية كـ"عقاب"، مما يجعل من الصعب أو المستحيل عليه القيام بأعمال تجارية في نيويورك، وقال إنه "سيستمر في تخصيص مراقب مستقل يشرف على عمليات منظمة ترمب".
وبحسب "أسوشيتد برس"، يعد القرار، الذي صدر قبل أيام من بدء محاكمة بدون هيئة محلفين في دعوى المدعية العامة لنيويورك ليتيشيا جيمس، "أقوى نقض حتى الآن لصورة ترمب التي تم تشكيلها بعناية كقطب عقارات ثري وداهية تحول إلى قوة سياسية".
ورفعت جيمس، التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، دعوى قضائية ضد الرئيس السابق المنتمي إلى الحزب الجمهوري و"منظمة ترمب" قبل عام، زاعمة وجود "نمط من الازدواجية" أطلقت عليه اسم "فن السرقة"، وهو تحريف لعنوان مذكرات ترمب الصادرة عام 1987 تحت عنوان "فن الصفقة".
واتهمت الدعوى ترمب وشركته بتضخيم قيمة أصوله بشكل روتيني مثل ناطحات السحاب وملاعب الجولف وممتلكاته في مارالاجو في فلوريدا، "مما زاد أرباحه بالمليارات"، وفق الدعوى.
وكان محامو ترمب قد طلبوا من القاضي إسقاط القضية، وهو ما رفضه.
وجادل محامو ترمب بأن جيمس لا يسمح لها قانوناً برفع الدعوى لأنه "لا يوجد أي دليل" على أن الجمهور قد تضرر من تصرفات ترمب. كما جادلوا بأن العديد من الادعاءات في الدعوى القضائية قد سقطت بموجب قانون التقادم.
غرامات ترمب
ونقلت "أسوشيتدبرس" عن القاضي إنجورون قوله إنه "بعيداً عن مجرد التباهي بثرواته، كذب ترمب وشركته وكبار المسؤولين التنفيذيين مراراً بشأن بياناته المالية السنوية، وحصدوا مكافآت مثل شروط القروض المواتية وأقساط التأمين المنخفضة".
وقال القاضي إن "هذه التكتيكات شكلت تجاوزاً وانتهاكاً للقانون"، رافضاً ادعاء ترمب بأن "إخلاء المسؤولية في البيانات المالية يعفيه من ارتكاب أي مخالفات".
وكتب إنجورون في حكمه المكون من 35 صفحة: "في عالم المتهمين، تساوي الشقق الخاضعة للتنظيم الإيجاري قيمة الشقق غير الخاضعة له. والأراضي المقيدة تساوي نفس قيمة الأراضي غير المقيدة، يمكن أن تتبخر القيود في الهواء، إخلاء المسؤولية من قبل طرف يلقي المسؤولية على طرف آخر ويبرئ أكاذيب الأخير.. هذا عالم خيالي، وليس العالم الحقيقي".
وكان ممثلو الادعاء في مانهاتن قد نظروا في رفع دعوى جنائية بشأن نفس السلوك لكنهم رفضوا القيام بذلك، تاركين ليتيشيا جيمس لمقاضاة ترمب والسعي لعقوبات يمكن أن تعطل قدرته وقدرة عائلته على القيام بأعمال تجارية في الولاية.
ومن المقرر أن يعقد إنجورون محاكمة بدون هيئة محلفين تبدأ في 2 أكتوبر قبل اتخاذ قرار بشأن تلك الادعاءات وأي عقوبات قد يفرضها. وتسعى جيمس للحصول على 250 مليون دولار كغرامات وفرض حظر على ممارسة ترمب للأعمال التجارية في نيويورك، مسقط رأسه.
وقال إنجورون إن المحاكمة قد تستمر حتى ديسمبر.
ومن بين المزاعم أن ترمب ادعى أن شقته في "برج ترمب" في مانهاتن كانت ما يقرب من ثلاثة أضعاف حجمها الفعلي، وتقديره قيمة الشقة بمبلغ 327 مليون دولار. وقالت جيمس إنه لم يتم بيع أي شقة في مدينة نيويورك على الإطلاق بما يقرب من هذا المبلغ.
ترمب: قضية مجنونة
وقدر ترمب منتجع "مارالاجو" بما يصل إلى أكثر من 10 أضعاف التقدير المعقول لقيمته. كما نفى ارتكاب أي مخالفات، وقال لجيمس في شهادة خلال أبريل الماضي: "ليس لديك قضية ويجب عليك إسقاط هذه القضية".
وقال ترمب في شهادته: "هل تعلمين أن مستحقات البنوك كانت مدفوعة بالكامل؟ هل تعلمين (جيمس) أن البنوك جنت الكثير من المال؟ هل تعلمين أنني لا أعتقد أنني تلقيت حتى إشعاراً بالتخلف عن السداد، وحتى أثناء جائحة كوفيد، تم الدفع لجميع البنوك ومع ذلك، فأنت تقاضينني نيابة عن البنوك على ما أعتقد. إنه جنون.. القضية برمتها مجنونة".
في المقابل، رفض إنجورون هذه "الحجة" عندما سعى دفاع ترمب مسبقاً إلى إسقاط القضية. وقال إن إخلاء المسؤولية في البيانات المالية "يوضح تماماً أن ترمب كان مسؤولاً مسؤولية كاملة عن المعلومات الواردة فيها".
قضايا ترمب
يشار إلى أن دعوى جيمس هي واحدة من عدة دعاوى تشكل صداعاً قانونياً لترمب أثناء حملته للعودة إلى البيت الأبيض في عام 2024. إذ تم توجيه الاتهام له 4 مرات في الأشهر الستة الماضية، حيث اتهم في جورجيا وواشنطن العاصمة بالتآمر لإلغاء خسارته في انتخابات 2020، وفي فلوريدا بتخزين وثائق سرية، وفي مانهاتن بتزوير السجلات التجارية المتعلقة بالأموال السرية المدفوعة نيابة عنه.
وأدينت "منظمة ترمب" بالاحتيال الضريبي العام الماضي في قضية جنائية غير ذات صلة، بتهمة مساعدة المديرين التنفيذيين على التهرب من الضرائب. وتم تغريم المنظمة 1.6 مليون دولار. وأقر أحد المديرين التنفيذيين، وهو المدير المالي لترمب منذ فترة طويلة ويدعى آلان وايسلبرج، بالذنب وقضى 5 أشهر في السجن. وهو مدعى عليه في دعوى جيمس وأدلى بشهادة تحت القسم في القضية في مايو.
ولا تحمل دعوى ليتيشيا جيمس القضائية احتمال السجن، ولكنها قد تعقد قدرته على التعامل مع الصفقات العقارية. ويمكن أن تلطخ أيضاًً إرثه كمطور عقاري.
وطلبت جيمس من إنجورون منع ترمب وأبنائه الثلاثة الأكبر سناً من إدارة شركة يكون مقرها نيويورك مرة أخرى. كما تريد منع ترمب ومنظمة ترمب من الدخول في عمليات استحواذ على العقارات التجارية لمدة 5 سنوات، من بين عقوبات أخرى.
وقالت جيمس إن الغرامات البالغة 250 مليون دولار التي تسعى إليها هي القيمة المقدرة للفوائد المستمدة من الاحتيال المزعوم.
وكان مكتب جيمس قد رفع دعوى قضائية ضد ترمب في السابق لإساءة استخدام مؤسسته الخيرية لتعزيز مصالحه السياسية والتجارية. وأُمر ترمب بدفع 2 مليون دولار لمجموعة من الجمعيات الخيرية كغرامة وتم إغلاق المؤسسة الخيرية "مؤسسة ترمب".