تحتضن مدينة مانشستر شمالي بريطانيا الأحد، لمؤتمر السنوي لحزب المحافظين الحاكم، الذي عادة ما ترافقه الكثير من الآمال والقضايا، إلا أن مؤتمر هذا العام يحمل أهمية خاصة، إذ ستكون لكل كلمة فيه حساب في ميزان الانتخابات العامة المقررة نهاية 2024 أو مطلع 2025، حسبما يقرر رئيس الوزراء ريشي سوناك ودائرته الضيقة.
وسيتحدث جميع أعضاء الحكومة خلال المؤتمر الذي يستمر بين الأول والرابع من أكتوبر. ويحتاج كل وزير أن يعكس في خطابه رؤية واضحة لمستقبل القطاع الذي يديره، ولكن المهمة الأصعب تقع على عاتق رئيس الوزراء الذي يحتاج لإقناع البريطانيين إضافة إلى أعضاء حزبه، بأن استمرار المحافظين في الحكم "سيجلب الخير للبلاد".
وتدور علامات استفهام كثيرة في ذهن الشارع والمراقبين بشأن خطط حزب المحافظين لقضايا عديدة محلية ودولية ملحة، يتجسد أبرزها في ستة جوانب هي: كلفة معيشة البريطانيين، والهجرة غير الشرعية، والحياد الكربوني المنتظر، وأحلام "بريكست" المعلقة، وإصلاح نظام التعليم، ومشروع القطار فائق السرعة.
تباين داخلي
ويعقد مؤتمر المحافظين تحت عنوان "قرارات طويلة الأجل من أجل مستقبل مشرق". وخلال أيامه الأربعة يحتضن الحدث 18 جلسة نقاش عن قضايا وطنية وحزبية يتحدث فيها خبراء ومختصون من داخل الحزب وخارجه، إضافة إلى كلمات الوزراء وقادة الحزب، وآخرها خطاب رئيس الحكومة ريشي سوناك.
وسيتوافد المحافظون إلى المؤتمر حاملين معهم تباينات حول قضايا داخلية تراكمت منذ وصول سوناك إلى السلطة خلفاً لرئيسة الوزراء السابقة ليز ترس، التي يبدو أنها تشعر بالغبن إزاء عهدها القصير إذ استمرت في منصبها نحو 45 يوماً.
أما أنصار رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون الذي استقال في يوليو 2022 بعد سلسلة فضائح، فلن يترددوا في إثارة مخاوفهم بشأن مستقبل الحزب الحاكم.
وسيكون أول اختبارات رئيس الوزراء وفريقه في هذه المناسبة، هو التنبه لأية انقسامات قد تهدد وحدة الصف الداخلي قبيل الانتخابات العامة المقبلة.
وقالت عضوة الحزب الحاكم سامنثا سونز لـ"الشرق"، إن توافق المحافظين حول سوناك لا يزال هشاً، رغم إدراك الجميع بأن التناحر الداخلي الآن "لن يكون مفيداً لأي طرف كان".
وتوقعت سونز أن تتكفل التسويات والمقاربات بين قادة الحزب، بأي مشكلات داخلية قد تواجه المحافظين، وتشغلهم عن التحديات الكبرى التي تواجههم إن أرادوا - كما يقول رئيس الوزراء - قلب توجهات استطلاعات الرأي التي تتوقع بقوة فوز المعارضة العمالية في الاستحقاق البرلماني المقبل.
كلفة المعيشة
ويترقب البريطانيون مؤتمر المحافظين ليتعرفوا على خطط الحكومة إزاء جملة القضايا التي تتصدر الإعلام، خاصة تلك التي تعنى بكلفة الحياة المرتفعة، ونوايا الحزب الحاكم في تخفيضها أو زيادة أعبائها على الناس. وهنا تبرز أهمية خطاب وزير الخزانة جيرمي هنت، خلال اليوم الثاني للمؤتمر.
معهد الدراسات الاقتصادية استبق المؤتمر بتوقع مساهمة الضرائب بنسبة 37٪ من عائدات الخزينة بحلول انتخابات عام 2024، وهو ما يعتبر المعدل الأعلى للتحصيل الضريبي منذ بدء تسجيله بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قبل 7 عقود. ولكن هل يقتضي هذا إجراء أي تغيرات في خارطة الضرائب الحالية؟ يعتقد هانت أن تخفيض الضرائب "غير ممكن حالياً".
ويواجه سوناك ضغوطاً داخلية لإطلاق حزمة من خفض الضرائب وتكاليف المعيشة، لتشجيع البريطانيين على التصويت لحزب المحافظين في الانتخابات المقبلة، ومثل هذا القرار قد يبقى بلا حسم حتى بيان الخريف للميزانية العامة في نوفمبر المقبل.
ورأى المحلل الاقتصادي أسلم بوسلان، أن أول أهداف سوناك هو وقف ارتفاع كلفة المعيشة على البريطانيين وليس تخفيضها، وتوقع في حديث مع "الشرق" أن يلجأ سوناك إلى إعادة ترتيب الأولويات في مشاريع مختلفة، لتوفير مبالغ في ميزانيات القطاع العام تجنبه فرض ضرائب جديدة قبل الانتخابات المقبلة.
القطار السريع
من أبرز المشاريع التي قرر سوناك إعادة النظر في ميزانياتها المرتفعة، هو القطار فائق السرعة "HS2"، الذي كان من المقرر أن يربط لندن مع مدن الشمال. ومن المحتمل أن تعلن الحكومة خلال مؤتمر حزب المحافظين عن تأجيل المرحلة الثالثة للمشروع، التي كانت ستصل بين مدينتي برمنجهام ومانشستر.
وبينما توقعت وسائل إعلام محلية أن يتوقف المشروع عند برمنجهام على بعد 160 كيلومتراً من العاصمة، تصر الحكومة على أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن "HS2" حتى الآن، رغم الحاجة إلى إعادة النظر فيه بعد أن تضخمت تكاليفه بسبب صعود التضخم، واضطراب الاقتصاد في ظل مشكلات عالمية عدة.
ويعد مشروع القطار فائق السرعة جزءاً أساسياً من تعهد حزب المحافظين بسد الفجوة الاقتصادية بين مدن الجنوب والشمال. ونظراً لأهميته دعت نقابات العمال إلى قمة طارئة تبحث فيها موقف الحكومة من المشروع، وتداعيات وقفه على خطط التنمية، وواقع العمل في السكك الحديدية على المدى الطويل.
الخطط البيئية
ثمة قرار آخر اتخذته الحكومة مؤخراً يخالف تعهدات المحافظين أمام الشعب البريطاني على المدى الطويل، وهو تأجيل تطبيق حظر بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل مدة خمس سنوات من 2030 إلى 2035، الأمر الذي واجه انتقادات عدة وبات محط خلاف سيثار بين أجنحة الحزب الحاكم في المؤتمر السنوي.
سوناك قال إن قراره لن يؤجل أو يغير خطة الحياد الكربوني المقررة في عام 2050، وإنما فقط يعطي دفعة للاقتصاد الوطني ويحد من مخاوف البريطانيين إزاء تلك الكلفة التي كانوا سيجبرون عليها لإجراء تغيرات في مركباتهم ومنازلهم، من أجل مواكبة مشاريع الحد من الانبعاثات الكربونية في المملكة المتحدة.
ووجد القرار ترحيباً شعبياً لا يستهان به، ولكن أنصار البيئة في المملكة المتحدة أعدوا العدة لمقاومته بكافة السبل، وتحويله إلى قضية رأي عام تكون عنواناً بارزاً في الانتخابات المقبلة، خاصة أن حزب العمال المعارض قد تعهد بالعودة عنه وإلغائه في حال فوزه بالسلطة.
"نجاح بريكست"
ولا تتوقف التحديات الاقتصادية أمام مؤتمر الحزب عند مشروع "HS2"، أو خطط الضرائب، أو محاولات خفض كلفة المعيشة على المواطنين، فهناك أسئلة تتعلق بمدى نجاح "بريكست" في تحقيق غاياته المختلفة، وعلى رأسها مد جسور العلاقات التجارية مع العالم بما يعوض الخروج من السوق الأوروبية. ويبحث المحافظون في نجاح "بريكست" طوال جلستين خلال اليوم الثاني من المؤتمر.
وفي إطار منافعه الاقتصادية المعلقة حتى الآن، تحضر الأسئلة المتعلقة بتحديات العلاقات الجيدة مع الاتحاد الأوروبي، ومعوقات إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع أطراف مثل الولايات المتحدة والهند ومجلس التعاون الخليجي.
تأمل الحكومة بإبرام اتفاق تجارة حرة مع الهند قبل الانتخابات المقبلة. كما تبدي تفاؤلاً إزاء مفاوضاتها مع مجلس التعاون بعد 4 جولات من النقاش. ولكن التعاطي مع الولايات المتحدة في هذا الإطار لم تتضح معالمه حتى الآن، رغم أن تقارير حديثة تتحدث عن تجدد رغبة واشنطن بإنجاز الاتفاق التجاري مع لندن.
ونجحت حكومة المحافظين بعد "بريكست"، بإبرام اتفاقيات تجارة حرة مع أستراليا ونيوزلندا والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين. كما أنجزت تفاهمات اقتصادية مع اليابان وسنغافورة. وكذلك وصلت لندن في مفاوضاتها مع نيودلهي لمراحل متقدمة يأمل الطرفان بأن تتوج باتفاق تجارة حرة خلال الأشهر الأولى من عام 2024.
أزمة المهاجرين
في سياق الحديث عن "بريكست"، تواجه وزيرة الداخلية سويلا برايفرمان أصعب الأسئلة المتعلقة بأزمة الهجرة غير الشرعية التي تفجرت بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فخطط ترحيل المهاجرين لم تنفذ بعد، وأرقام العابرين لبحر المانش عبر القوارب الصغيرة، لم تنحسر رغم إجراءات كثيرة.
برايفرمان شحذت سيوفها قبل المؤتمر عبر جملة من التصريحات هاجمت فيها قوانين اللجوء المنصوص عليها في الأمم المتحدة، وأعلنت حاجة المملكة المتحدة لمغادرة اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية إن وقفت في طريق ترحيل المهاجرين إلى رواندا، كما طعنت في نجاح فكرة التعددية الثقافية في البلاد.
ويقول تقرير لصحيفة "الجارديان" إن تصريحات برايفرمان ضد الهجرة والمهاجرين قبيل المؤتمر السنوي للحزب، وضعتها في صدارة القادة المؤثرين لحزب المحافظين، والأقرب إلى أصوات اليمين في مختلف تمثيلاته السياسية. ولا يستبعد التقرير أن تكون وزيرة الداخلية على رأس الحزب في مرحلة لاحقة".
إصلاح التعليم
وبينما تتولى برايفرمان شرح السياسة الداخلية في ملفات الهجرة والأمن، تقوم وزيرة التعليم جيليان كيجان بتوضيح خطة إصلاح نظام الوصول إلى الجامعات. والتي تقوم على التخلي عن اختبارات المستوى A التي تجرى في سن 16 عاماً، والمضي في تعليم الشباب حتى 18 عاماً كما هو متبع في أنظمة دول متقدمة عدة.
ويعتزم سوناك إحياء خطته لتطوير التعليم التي أعلنها خلال حملته الانتخابية لمنافسة رئيسة الوزراء السابقة ليز ترس قبل عام، إذ يرى أن الطلبة البريطانيين يجب أن يواصلوا تعلم اللغة الإنجليزية والرياضيات حتى سن الثامنة عشرة، فيكونوا بذلك أكثر تأهيلاً لمختلف الوظائف التي يعملون فيها مستقبلاً.
ولم تحسم الحكومة بعد تفاصيل خطتها الجديدة لإصلاح التعليم، ولكن متحدث باسم الوزارة المختصة قال لصحيفة "اندبندنت" إن مقترحات جريئة وضعت في هذا الشأن. كما تخطط الوزارة لمزيد من النجاح في تطوير التعليم الفني، وتسعى لزيادة عدد المدارس والمدرسين المتفرغين أكثر من أي وقت مضى.