ما التداعيات السياسية للإطاحة برئيس مجلس النواب الأميركي؟

رئيس مجلس النواب الأميركي السابق كيفن مكارثي خلال مؤتمر صحافي بعد إقالته من منصبه في مبنى الكابيتول بالعاصمة واشنطن- 3 أكتوبر 2023 - Reuters
رئيس مجلس النواب الأميركي السابق كيفن مكارثي خلال مؤتمر صحافي بعد إقالته من منصبه في مبنى الكابيتول بالعاصمة واشنطن- 3 أكتوبر 2023 - Reuters
واشنطن-رشا جدة

جاءت الإطاحة غير المسبوقة في التاريخ الأميركي برئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، تتويجاً لعداء داخل الحزب الجمهوري، انتقل في يناير الماضي إلى أروقة مجلس النواب، بعد أن فرضت مجموعة صغيرة من الأعضاء اليمينيين المتطرفين شروطها على مكارثي مقابل السماح له بالوصول إلى منصب رئيس البرلمان.

ويتوقع أن يكون لقرار العزل تداعيات كبيرة على السياسة الأميركية، وعلى الديمقراطية والحزب الجمهوري بشكل خاص، إذ يُخاطر الجمهوريون بإعادة أنفسهم إلى وضع الأقلية في انتخابات العام المقبل 2024، خاصة وأن مكارثي يُعد جامع التبرعات الأكثر غزارة في تاريخ الحزب بمجلس النواب، بحسب محللين تحدثوا لـ"الشرق".

وأطاح مجلس النواب برئيسه كيفن مكارثي، الثلاثاء الماضي، بعد موافقة 216 نائباً واعتراض 210، وصوت 8 نواب جمهوريين، أغلبهم، أعضاء في تجمع "كتلة الحرية" اليميني المتشدد لصالح القرار، في حين عارضه 210 من زملائهم ممثلي الحزب الجمهوري الذين صوتوا جميعهم لصالح إبقاء رئيس البرلمان في منصبه.

وجاء تقدم النائب الجمهوري المتشدد مات جايتز، باقتراح العزل على خلفية عمل مكارثي مع الديمقراطيين من أجل تجنب إغلاق الحكومة، تتويجاً لسنوات من الاقتتال الداخلي بين أعضاء الحزب الجمهوري، وفقاً لأستاذ العلوم السياسية والسياسة العامة بجامعة ميشيجان، ريتشارد هال.

وقال هال لـ"الشرق" إن الإطاحة بمكارثي جاءت مدفوعة بمبادرة أقلية ضئيلة من الجمهوريين، لكنها تعكس انقساماً قديماً وعميقاً داخل الحزب، يعود لفترة ما قبل تولي مكارثي منصبه في مجلس النواب.

 وأضاف: "الصراعات داخل الحزب الجمهوري هددت عمل رؤساء سابقين للمجلس، وكانت قيادتهم متوترة، فقد تم إجبار جون إيه باينر، وهو جمهوري محافظ للغاية على الاستقالة من منصبه في رئاسة الكونجرس عام 2015، بسبب اليمين المتطرف في حزبه، وكان بول ريان، الذي خلف باينر في المنصب بالكاد أكثر نجاحاً، ولم يتمكن أي منهما من البقاء كرئيس للمجلس، إذ رفض ريان الترشح لإعادة انتخابه في التجديد النصفي عام 2018".

وعكس التصويت للإطاحة بمكارثي مقدار القوة الهائلة التي يُمكن أن تمارسها مجموعة صغيرة من النواب ضد رغبة الكثيرين، وهو ما يحذر منه الباحث السياسي زاك مكيري الذي قال لـ"الشرق"، إن هذه الخطوة تُمثل "تهديداً للديمقراطية ونزولاً على رأي الأقلية".

 وأردف مكيري: "إن عدداً صغيراً من الجمهوريين المتطرفين أدوا إلى تعزيز الكثير من الخلل التشريعي والوظيفي والمالي داخل الكونجرس دون الالتفات إلى الأغلبية الحزبية".

ولم تطرح الأقلية الجمهورية التي صوتت لعزل مكارثي حتى الآن اسماً يخلفه، وهو ما يجده أستاذ العلوم السياسية بجامعة "نيوهامبشير" أندرو إي سميث، قصوراً في الرؤية والعمل السياسي.

 وذكر سميث لـ"الشرق": "الأشخاص الذين صوتوا لعزل مكارثي كانوا بالفعل غير مرغوب فيهم داخل الحزب الجمهوري، وهذا لن يُساعدهم في تجنيد حلفاء جدد، ما لم يتمكنوا بالطبع من جمع أموال كبيرة من مؤيديهم وتوزيع تلك التبرعات في الحملات الجمهورية".

ويرى سميث أن الحزب الجمهوري "يمر بنقطة انعطاف مهمة، وسيكون للزعيم الجديد دور حاسم في معرفة ما إذا كان هذا الحزب سيعود إلى جذوره قبل دونالد ترمب، أم سيتحرك ليصبح حزباً شعبوياً أكثر".

وتُثير نقطة الانعطاف هذه شكوك أستاذة الشؤون الحكومية والمديرة الأكاديمية لمعهد إدارة الحملات بالجامعة الأميركية بواشنطن، كانديس نيلسون، التي ترى أن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن يتمكن الجمهوريون في مجلس النواب من حل هذه المشكلة حتى بعد انتخاب رئيس جديد للمجلس.

 وقالت نيلسون لـ"الشرق"، إن ترمب "يتمتع بقبضة قوية جداً على القاعدة الجمهورية، ولذلك لست متأكدة من تأثير ذلك على الحزب".

تعميق الخلاف

بينما يتطلع الجمهوريون لاختيار الرئيس التالي لمجلس النواب الأميركي، يضغط بعض المعتدلين من أجل إحداث تغيير كبير في القاعدة التي تسمح لعضو منفرد بتقديم ما يسمى "اقتراح الإخلاء" الذي يسمح لعضو واحد في المجلس بتقديم طلب لعزل رئيسه، للتأكد من أنه سيكون من الصعب الإطاحة بخليفة مكارثي.

ووافق مكارثي على قاعدة "اقتراح الإخلاء" ضمن صفقة أبرمها في يناير الماضي مع تجمع "كتلة الحرية" الجمهوري بمجلس النواب الذي اشترط موافقته على القاعدة لدعمه في الوصول لرئاسة مجلس النواب، ما سمح في النهاية لـ8 جمهوريين فقط بقيادة النائب مات جايتز، بالإطاحة به.

واقترح بعض الأعضاء بشكل خاص مطالبة أغلبية الأغلبية بالدعوة إلى تصويت بحجب الثقة في المستقبل، لأن هذه القاعدة بمثابة قنبلة إجرائية موقوتة يُمكن أن تُفجر المؤتمر الجمهوري مرة أخرى ما لم يتم نزع فتيلها.

طموح مكارثي في قيادة مجلس النواب جعله يتنازل عن الكثير، ويحصل على المنصب بعد 14 جولة فاشلة من الاقتراع، وفي النهاية، مع تقليص صلاحياته من قبل مجموعة قليلة من النواب، كانت قبضته على السلطة ضعيفة، بحسب المحلل زاك مكيري، الذي قال لـ"الشرق"، إن الحزب الجمهوري أعيد تشكيله على شاكلة ترمب.

 وأضاف مكيري: "ما يحدث الآن داخل الحزب من تعميق الخلافات هو بسبب الرئيس السابق الذي أنتج مثل هذا النوع من القيادة"، في إشارة إلى النائب مات جايتز.

بدوره، أثار أستاذ الإدارة السياسية ومدير الأبحاث بمركز الإدارة السياسية بجامعة جورج واشنطن، مايكل كورنفيلد، عدة تساؤلات بشأن ما يمكن أن يحدث للميزانية الفيدرالية ومكانة البلاد كقوة عظمى.

 وأضاف: "مع الإطاحة برئيس مجلس النواب مكارثي، انغمس المجلس وبالتالي حكومة الولايات المتحدة، في فترة من عدم اليقين الكبير والمخاطر التي لا تحصى. واعتماداً على كيفية حل أزمة القيادة، يُمكن أن تُعاني الميزانية الفيدرالية ومكانة البلاد كقوة عظمى عالمية من انتكاسات هائلة، أو تنتعش بقوة لم نشهدها منذ سنوات، إن لم يكن لعقود".

ويعتقد كورنفيلد أن قواعد الهيئة التشريعية التي يرأسها رئيس مجلس النواب لا تقل أهمية، إن لم تكن أكثر، عن هوية الرئيس المقبل للمجلس، متسائلاً "هل سيظل الأمر على حاله، إذ يمكن تقديم اقتراح بطرد رئيس مجلس النواب من قبل عضو واحد فقط؟ هل ستتم إعادة صلاحيات الاعتمادات إلى اللجان أم ستظل موحدة في أيدي كبار مسؤولي الحزب؟ وهل سيتم تدمير أو تجديد أو تعزيز البرامج التي تعتمد عليها الحياة في الولايات المتحدة وأوكرانيا وأميركا الوسطى والجنوبية؟".

وأفاد كورنفيلد لـ"الشرق"، بأن الإجابة على هذه التساؤلات ستُساعد في تحديد أجندة وقضايا انتخابات عام 2024.

خسارة أكبر جامع تبرعات

كان كيفن مكارثي المشرع عن إحدى دوائر ولاية كاليفورنيا، قد حصل لأول مرة على عضوية مجلس النواب قبل 17 عاماً، وفي عام 201، تم انتخابه زعيماً جمهورياً في المجلس، حيث لطالما تمتّع بأفضلية كبيرة باعتباره أحد كبار جامعي التبرعات للجمهوريين، قبل حتى أن يُصبح رئيساً للمجلس.

وكزعيم للأقلية، ساعد مكارثي الحزب الجمهوري على تحدي التوقعات خلال انتخابات 2022 في مجلس النواب، بفضل حصوله على 150 مليون دولار كتبرعات.

وأحدثت إقالة مكارثي ضجّة في جهود جمع التبرعات التي يبذلها الحزب الجمهوري، وقامت اللجنة الوطنية للحزب في الكونجرس، وذراعه في الحملة الانتخابية بمجلس النواب، بتأجيل حفل الخريف المقبل في دالاس، والذي كان من المفترض أن يتصدره مكارثي، وأعلنت أنه ساعدها في جمع أكثر من 40 مليون دولار خلال الدورة الانتخابية الأخيرة، وأكثر من 20 مليون دولار حتى الآن في الدورة الحالية.

ويصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة "نيوهامبشير" أندرو إي سميث، عزل أكبر جامع للتبرعات في الحزب الجمهوري من منصبه، بمثابة "انتكاسة للحزب في الانتخابات المقبلة".

 وأردف: "كان مكارثي جامعاً غزير الإنتاج للتبرعات، وسيحتاج الحزب الجمهوري إلى الكثير من الأموال للدفاع عن مقاعد مجلس النواب والحفاظ على سيطرته على المجلس في 2024، والتي بدونها سيصبح حزب الأقلية".

وتتفق كانديس نيلسون مع سميث في أن لعزل مكارثي تداعيات على العملية السياسية وانتخابات مجلس النواب المقبلة، لكنها تستبعد في نفس الوقت أن يُؤثر ذلك على فرص المرشحين الجمهوريين المحتملين للرئاسة، موضحةً أن الرئيس السابق دونالد ترمب يتمتع بفهم قوي وسيطرة كبيرة تجعله المرشح الجمهوري الأقوى للرئاسة.

ورغم أن ترمب يدعم الإغلاق الحكومي، ويُمكن أن يتحمّل بعض اللوم على ذلك، بحسب أستاذ العلوم السياسية ريتشارد هال، لكنه يعترف بأن ذلك لن يؤثر، أيضاً، على فرص الرئيس السابق في الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري "لا يبدو أن هناك شيئاً يؤثر على شعبيته داخل الحزب الجمهوري".

وفي الوقت الذي تشير فيه كانديس إلى أن التداعيات السياسية لـ "الإطاحة" بمكارثي قد تصل إلى حد القول بأن "مسيرة مكارثي السياسية قد انتهت بالفعل"، يؤكد سميث أن مكارثي سيفقد نفوذه داخل تجمعه الحزبي إذا لم يتمكن من جمع الأموال، بينما إذا تمكن من الاستمرار في كونه جامع تبرعات مهم، "فسيظل قوة كبيرة داخل مجلس النواب".

بينما يُرجح أستاذ العلوم السياسية ريتشارد هال أن يترك مكارثي الكونجرس من أجل مهنة أكثر ربحية "لقد انتهت مهنة مكارثي في مجلس النواب، باستثناء الاحتمال غير الواقعي ألا يتمكن ستيف سكاليز أو جيم جوردان من الحصول على أغلبية الأصوات في التصويت على الرئيس الجديد، ويتم إنعاش مكارثي مرة أخرى".

صعوبة تجنب الإغلاق

بعض حلفاء مكارثي من الجمهوريين دعوا إلى تدخل الديمقراطيين والإقدام على خطوة غير مسبوقة وإنقاذ "رئيس" ينتمي إلى الحزب الجمهوري، لكن الديمقراطيين رفضوا مساعدته، وهو أمر اعتبره الباحث السياسي زاك مكيري طبيعياً، خاصة أن الديمقراطيين يُدركون الخلل الوظيفي في الحزب الجمهوري.

وتابع مكيري: "هناك مشكلة هيكلية داخل الحزب الجمهوري تُؤثر على عمل أعضائه في المجلس، وفي الحياة السياسية بشكل عام، ذلك الخلل كان سبباً كافياً لعدم الثقة في عمل أعضاء الحزب، ويعرف الديمقراطيون ذلك جيداً".

وأضاف أن مكارثي حاول "مسك العصا من المنتصف"، مشيراً إلى أن نيّته لم تكن واضحة خلال مفاوضات الميزانية، وقاد تحقيقاً "مفتعل" لعزل الرئيس، وحاول كذلك تخريب لجنة مجلس النواب التي تُحقق في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021.

وأردف: "كل ذلك لم يُعط الثقة للديمقراطيين لدعمه. الأزمة في مجملها أزمة حزب، وعندما يكون أعضاء ذلك الحزب أغلبية في مجلس النواب، حتى لو قليلة، فإنها تُؤثر سلباً على عمله، وهو ما سنشهده مع انتخاب الرئيس الجديد".

ويُلقي أستاذ العلوم السياسية أندرو سميث الضوء على الصعوبات التي ستُكلل عمل "خليفة مكارثي"، ومن أبرزها أن يزيد رحيل مكارثي من صعوبة قيام الرئيس التالي بتمرير تشريع تسوية الإنفاق.

ويتفق أستاذ العلوم السياسية ريتشارد هال مع سميث في أن الإطاحة بمكارثي تجعل من احتمال إغلاق الحكومة أمراً أكثر احتمالاً، وتابع: "سيُلام عليها الجمهوريون بنسبة أكثر من 50%".

وعلى الرغم من أن كانديس نيلسون، خبيرة الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونجرس والتي تدرس أيضاً سلوك التصويت والحزبية، أشارت إلى أن أحد التداعيات السياسية للإطاحة بمكارثي وظهور "قيادة جديدة"، هو صعوبة تجنّب الإغلاق الحكومي بعد انتهاء مدة التأجيل في 17 نوفمبر المقبل، إلا أنها لا تعتقد أنه أمر لا مفر منه.

تصنيفات

قصص قد تهمك