دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، الجمعة، إلى هدنة إنسانية تُطبق فوراً في قطاع غزة، مطالبة بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة وحماية المدنيين.
يأتي هذا ضمن مشروع قرار صاغته الدول العربية، وعلى الرغم من أنه ليس ملزماً، لكن له أهمية سياسية كبرى، ويعكس التوجهات العالمية، في وقت تكثف فيه إسرائيل عملياتها البرية في غزة رداً على الهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر.
ومُرر القرار بأغلبية 120 صوتاً، وامتناع 45 عن التصويت، إلى جانب معارضة 14 منهم إسرائيل والولايات المتحدة.
وجرى التصويت في الجمعية العامة بعد فشل مجلس الأمن 4 مرات في اتخاذ إجراء خلال الأسبوعين الماضيين، وكان يلزم تأييد أغلبية الثلثين لتمرير القرار، دون أن يتم احتساب الممتنعين عن التصويت.
وفشل التعديل الكندي على مشروع القرار في الحصول على الأغلبية المحددة بثلثي عدد الأصوات، وكان ينص على رفض وإدانة "بشكل لا لبس فيه الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس في إسرائيل اعتباراً من 7 أكتوبر، واحتجاز الرهائن"، بحسب نص التعديل الذي طلبته كندا.
نص القرار الأممي
وجاء نص القرار داعياً إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية"، ومطالباً جميع الأطراف بالامتثال الفوري والكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وتمكين وتسهيل الوصول الإنساني للإمدادات والخدمات الأساسية إلى جميع المدنيين المحتاجين في قطاع غزة.
ويرفض القرار بشدة "أي محاولات للترحيل القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين"، كما يدعو إلى إلغاء الأمر الذي أصدرته إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين وموظفي الأمم المتحدة، فضلاً عن العاملين في المجال الإنساني والطبي، بإخلاء جميع المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة والانتقال إلى جنوب القطاع.
وطلب القرار بـ"الإفراج الفوري وغير المشروط" عن جميع المدنيين المحتجزين بشكل غير قانوني، وكما دعا إلى ضمان سلامتهم ورفاههم ومعاملتهم بشكل إنساني امتثالاً للقانون الدولي، مؤكداً على الحاجة إلى إنشاء آلية على وجه السرعة لضمان حماية السكان المدنيين الفلسطينيين، وآلية أخرى للإخطار الإنساني لضمان حماية مرافق الأمم المتحدة وجميع المنشآت الإنسانية، ولضمان حركة قوافل المساعدات دون عوائق.
وينطوي القرار على إدانة جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك "جميع أعمال الإرهاب والهجمات العشوائية، فضلا عن جميع أعمال الاستفزاز والتحريض والتدمير".
وتعبر الجمعية العامة فيه عن القلق البالغ من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، وتداعياته الهائلة على السكان المدنيين، ومعظمهم من الأطفال.
رفض إسرائيلي
وقال رياض منصور المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة للصحافيين: "هذه رسالة إلى الجميع بأن الكيل قد طفح، ويجب أن تتوقف هذه المذبحة ضد شعبنا، وتبدأ المساعدات الإنسانية في دخول قطاع غزة".
ورفض جلعاد إردان المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة القرار، مدعياً أن الأمم المتحدة لم تعد لديها شرعية أو أهمية فيما يتعلق بالموضوع، ومتهماً من صوتوا بالموافقة على القرار بأنهم يفضلون دعم "الدفاع عن إرهابيين نازيين" بدلاً من إسرائيل.
وقال للجمعية العامة بعد التصويت "هذا القرار السخيف انطوى على صفاقة الدعوة إلى هدنة، الهدف منه أن توقف إسرائيل الدفاع عن نفسها أمام حماس، ليتسنى لحماس إضرام النار فينا".
وفشلت محاولة بقيادة كندا لتعديل القرار ليشمل رفضاً وتنديداً بـ"هجمات حماس الإرهابية، واحتجازها للرهائن" في الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة، إذ حصدت 88 صوتاً مؤيداً، فيما اعترض 55، وامتنع 23 عن التصويت.
ترحيب عربي
في السياق ذاته، رحبت حركة "حماس" بالقرار الصادر عن الجمعية، مطالبة بتطبيقه على الفور من أجل إيصال الإمدادات الإغاثية للمدنيين.
وقالت الحركة في بيان، "نطالب الجمعية العامة والهيئات الأممية ذات العلاقة باتخاذ الإجراءات الكفيلة لتطبيق القرار فورا، بما يمكن من فتح المعابر وإدخال الوقود والمساعدات الإغاثية الطارئة إلى قطاع غزة".
من جانبه، رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بالقرار، معبراً عن أمله في "ألا يضيع وقت كثيراً، وتزهق أرواح كثيرة إلى حين تطبيق ما تضمنه القرار".
من جانبه، عبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن ترحيبه بالقرار العربي الذي تبنته الجمعية العامة بـ"الوقف الفوري للعنف في غزة".
وذكر في صفحته على فيسبوك "نأمل أن نشهد قريباً، وقفاً للعنف في غزة، والحفاظ على حياة المدنيين".
كما رحبت بعثة بريطانيا بالأمم المتحدة، بدعوة القرار إلى "احترام القانون الإنساني الدولي، وحماية المدنيين وإيصال المساعدات، مؤكدة أن هذه أولويات المملكة المتحدة"، لكن البعثة عبرت في حسابها على منصة "إكس" عن خيبة أملها لعدم شمول القرار إدانة لحماس، لافتة إلى أنها امتنعت عن التصويت على مشروع القرار.
من جانبه، قال رئيس بعثة الجامعة العربية في الأمم المتحدة ماجد عبد الفتاح، في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، إن القرار الأممي الصادر، الجمعة، "ركز على الجانب الإنساني، دون السياسي، لتفادي المحاولات الإسرائيلية، لتصنيف حماس على أنها منظمة إرهابية".
وأفاد عبد الفتاح، بأنه "كانت هناك وجهات نظر متضاربة بشأن القرار، ومن أجل الإسراع بإصداره، تم التركيز على أن يحمل القرار الجانب الإنساني، دون أي جوانب سياسية".
وأضاف: "القرار جاء تحت البند الإنساني وهو حماية المدنيين والتمسك بالالتزامات القانونية والإنسانية، وليس تحت أي بند سياسي لنتفادى المحاولات التي كانت جارية من إسرائيل، والجناح المتشدد المتعامل معها الذي يهدف لتصنيف حماس على أنها منظمة إرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وبوكو حرام والشباب وغيرها من المنظمات".
وتابع: "إسرائيل تريد القول إن ما تفعله من أعمال وحشية في قطاع غزة في المرحلة الحالية، هو دفاع شرعي عن النفس بموجب المادة 51، لكن الدفاع الشرعي لا ينطبق على الدول المحتلة وعلاقاتها بالأراضي المحتلة، وأن ما ينطبق عليها هو القانون الدولي الإنساني فقط".
اتصالات لمراجعة التحفظات
وأشار عبدالفتاح إلى أن موضوع الإفراج عن الرهائن دون شرط، كان فقط يشمل الجانب الإسرائيلي، إلا أن القرار العربي طلب الإفراج عن الرهائن والمعتقلين من الإسرائيليين ومن الفلسطينيين، حتى لا يبقى أحد في سجون المحتل، بعد الإفراج عن الرهائن المتبادلة.
وأوضح أن تحفظ بعض الدول العربية على قرار الجامعة مثل تونس والعراق، الصادر في 11 من أكتوبر، "يتمحور حول اللغة المستخدمة في مشروع القرار، بعضها يتعلق بالملاحظات اللغوية، وبعضها ملاحظات مفاهمية، وتم الإعراب عنها من خلال تحفظات مع ثلاث دول أخرى، فكانت هناك خمس دول متحفظة على القرار، إلا أن 3 دول اقتنعوا بأهمية التحرك، وعدلوا من مواقفهم، كما أن هناك دولتين واصلا التحفظ، وهذا لا يعني أنهم لا يؤيدون ما ورد في مشروع القرار، والأهداف الثلاثة الرئيسية وهي (وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية، ومنع التهجير)، ولكن جاءتهم تعليمات من العاصمة بالامتناع في هذه المرحلة".
وأضاف: "نكثف اتصالاتنا معهم وهم جزء لا يتجزأ من العمل العربي المشترك، ومن الإجماع الذي نجح في الوصول إلى هذا القرار في الجمعية العامة".
وحول التحرك المقبل أمام مجلس الأمن قال عبدالفتاح إن "مجلس الأمن له السلطة التنفيذية، وقرار الجمعية العامة هي توصيات، وليست قرارات إلزامية تصدر تحت الفصل السابع، وهناك مبادرة تقدمت بها مالطا والإمارات باعتبارهما من الدول المنتخبة العشرة، يحاولون تجميع الدول المنتخبة العشرة حولها، بحيث يتم تقديمها الأسبوع القادم للبدء في التنفيذ الفعلي لوقف إطلاق النار تطبيقاً وتنفيذا لأحكام الفصول المختلفة للميثاق، وربما منها الفصل السابع المتعلق باستخدام القوة الجبرية".
وبشأن المخاوف من استخدام حق الفيتو مجدداً، قال: "نعتمد على القوة الأخلاقية والمعنوية لقرارات الجمعية العامة خاصة، وأن القرار حاصل على 120 صوتاً من أصوات الجمعية العامة، وهذه كلها أصوات توضح أن المجتمع الدولي لا يمكن أن يستمر صامتا على هذا الوضع".