هل تستطيع الولايات المتحدة دعم أوكرانيا وإسرائيل وتهديد الصين؟

الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي خطاباً بشأن الحرب على غزة، البيت الأبيض، واشنطن. 19 أكتوبر 2023 - رويترز
الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي خطاباً بشأن الحرب على غزة، البيت الأبيض، واشنطن. 19 أكتوبر 2023 - رويترز
دبي-الشرق

أثارت حرب غزة قلق حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بشأن عدم تحرك واشنطن بالسرعة الكافية لمواجهة الصين، وسط تساؤلات بشأن كيفية موازنة انخراط واشنطن في حرب بعيدة أخرى، بجانب تلك القائمة بالفعل في أوكرانيا، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وتساءلت الصحيفة، في تقرير نشرته الخميس، عما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكن من دعم الحربين الجاريتين في أوكرانيا وغزة مع الاستمرار في التعامل مع التهديد الصيني، مشبهة الشرق الأوسط بـ"الدوامة" التي سحبت واشنطن مرة أخرى.

وجاء في التقرير: "بعدما تمكن محور الولايات المتحدة تجاه آسيا أخيراً من اكتساب الزخم، عبر عقد اتفاقيات أمنية جديدة مع الفلبين والهند، وإجراء تدريبات عسكرية موسعة، ووضع خطط مع الحلفاء للتفوق على التكنولوجيا الصينية، جُرَّت البلاد مرة أخرى إلى الشرق الأوسط".

وأضافت الصحيفة أنه بالنسبة لشركاء أميركا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الذين يشعر الكثير منهم بالقلق بالفعل من أن الولايات المتحدة لا تتحرك بالسرعة الكافية لمواجهة بكين، فإن التركيز المفاجئ على غزة الآن، والذي يتمثل في تشكيل فرق عمل تابعة للبنتاجون لمتابعة الأمر، وزيادة شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، والزيارات السريعة إلى عواصم الشرق الأوسط، يمثل خسارة لهم إذ إنه يؤخر التقدم في بعض التحديات الأكثر أهمية الأخرى.

ونقلت الصحيفة عن أكيهيسا ناجاشيما، وهو مشرع ومستشار سابق للأمن القومي في اليابان، قوله في منتدى استراتيجي في سيدني بأستراليا، الأسبوع الماضي: "أكثر ما يقلقنا هو تحويل موارد الجيش الأميركي من شرق آسيا إلى أوروبا والشرق الأوسط، ولذا فإننا نأمل حقاً أن ينتهي الصراع قريباً بشكل كامل".

رسائل تطمين

ووفقاً للتقرير، ينفي قادة عسكريون أميركيون مغادرة أي معدات منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وأشار إلى الجولة الشرق الأوسطية والآسيوية لاثنين من كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية وهما وزير الدفاع لويد أوستن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، والتي استغرقت 9 أيام، حيث استمعا إلى مزيج من وجهات النظر بشأن قطاع غزة.

ولكن ما تشترك فيه جميع هذه الدول هو تساؤلهم بشأن كيفية موازنة انخراط واشنطن في حرب بعيدة أخرى، بجانب أوكرانيا، مع احتياجات منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إذ يتساءل الكثيرون عن "عدد تعهدات الدعم التي يمكن للولايات المتحدة أن تلتزم بها في التعامل مع المنطقة في الوقت نفسه؟".

ورداً على سؤال في اليابان، الأربعاء، عما إذا كانت الولايات المتحدة منشغلة للغاية بالصراعات في غزة وأوكرانيا بحيث لا يمكنها مواصلة المضي قدماً في محورها نحو آسيا، قال بلينكن: "أستطيع أن أقول لكم إننا عازمون على ذلك، ونستطيع القيام بالمهمتين في الوقت نفسه، بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ هي منطقة حاسمة لمستقبلنا".

وأضاف: "حتى ونحن نتعامل مع أزمة حقيقية في غزة والشرق الأوسط، فإننا لسنا قادرين على ذلك فحسب، بل إننا منخرطون بشكل كامل في المصالح جميعها التي لدينا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".

تأخير تسليم الأسلحة

وتعد الأسلحة أحد مجالات الاهتمام المشترك، إذ تعاني صناعة الدفاع في الولايات المتحدة من نقص في الذخيرة التي يتم توفيرها لكل من أوكرانيا وإسرائيل، بما في ذلك قذائف المدفعية عيار 155 ملم، كما أنه يتم أيضاً توجيه الذخائر الموجهة والأنظمة الأميركية الأكثر تعقيداً إلى كلا الصراعين، حتى في الوقت الذي ينتظر فيه شركاء واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تسلم الأسلحة الخاصة بهم، وقد تواجه اليابان وتايوان وأستراليا تأخيرات في تسلم المعدات العسكرية التي تعاقدت عليها مع الولايات المتحدة.

ويقول وزير الدفاع التايواني السابق أندرو نين دزو يانج، إن "الأمر لا يقتصر على المعدات فحسب، إذ إنه سيكون علينا تعليم أو تدريب الأفراد على تشغيل هذه الأنظمة"، مضيفاً: "هناك مخاوف من أن تصبح الولايات المتحدة لا تملك القدرات الفعالة بوفرة لردع الصين".

صعوبة حرب المدن

ورأت الصحيفة أنه إذا طال أمد الحرب في غزة، فإن توسع الصراع قد يزيد إجهاد الترسانات الأميركية، لكن "الصين قد تتعلم منه أن حرب المدن صعبة للغاية، وربما يؤدي ذلك إلى ردع بكين عن متابعة تهديداتها بالاستيلاء على جزيرة تايوان"، مستدركة: "لكن في الوقت الحالي، يبدو أن الصين تفضل استمرار سياسة حافة الهاوية".

ويرى الجنرال الأميركي المتقاعد من منطقة المحيطين الهندي والهادئ جون سي أكويلينو أن هدف الصين هو "إجبار الولايات المتحدة على الخروج من المنطقة"، وهو الأمر الذي أكد مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) أنه لن يحدث.

تاريخ من عدم الالتزام

ولكن بالنسبة للمشككين في مدى التزام أميركا تجاه المنطقة، فإن التقلبات العنيفة في اهتمامها بها هو جزء من تاريخها، وتعد فيتنام أحد الأمثلة على ذلك، وكذلك عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش، الذي قال أثناء حملته الانتخابية في عام 2000: "عندما أصبح رئيساً، لن يكون لدى الصين أدنى شك بشأن قوتنا وهدفنا في المنطقة، وفي التزامنا القوي تجاه حلفائنا الديمقراطيين في مختلف أنحاء آسيا".

ولكن بعد شهر من هجمات 11 سبتمبر 2001، ذهب بوش إلى بكين للقاء الزعيم الصيني في ذلك الوقت، وفي محاولة لتجنب كل حديثه السابق عنها باعتبارها "منافسة استراتيجية"، أكد الرئيس الأميركي السابق على أهمية التجارة بين البلدين وضرورة مكافحة الإرهاب معاً، بحسب الصحيفة.

كما تتذكر الهند أيضاً تأثير هذا التحول في نهج الإدارة الأميركية، إذ دفعت الحرب في أفغانستان، الولايات المتحدة إلى الاقتراب من باكستان، وهي خصم نيودلهي اللدود، ومع إعلان البيت الأبيض عن اللقاء المرتقب بين الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الأميركي جو بايدن في قمة في سان فرانسيسكو الأربعاء 15 نوفمبر الجاري، يتساءل بعض المعلقين الهنود عما إذا كانت واشنطن ستميل مرة أخرى إلى الشرق الأوسط.

دولة معادية

وجاء في التقرير، أنه بالنسبة لبعض البلدان، فإن تجدد الصراع المتعلق بالقضية الفلسطينية أدى إلى تأجيج المعتقدات القديمة بأن الولايات المتحدة دولة "معادية للمسلمين"، أو على الأقل "منحازة للغاية تجاه إسرائيل"، فبعد سنوات من مشاهدة واشنطن، وهي تتجنب مواجهة سوء معاملة الفلسطينيين القاسية في كثير من الأحيان من قبل الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين المتطرفين، لم يعد البعض يثق بأن الولايات المتحدة ستكون وسيطاً منصفاً.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية تشونج جا إيان: "هناك انتقادات كبيرة للدعوات الأميركية لإسرائيل من أجل ضبط النفس، إذ تواجه إدارة بايدن مهمة صعبة الآن وعليها أن تتحمل أعباء السياسة الأميركية السابقة، مما يزيد أهمية قيام الإدارة بتصحيح الأمور وإظهار أنها تحاول جاهدة أن تكون منصفة".

تهديد إمدادات النفط

ولكن بالنسبة لليابان والعديد من شركاء الولايات المتحدة الآخرين في آسيا، فإن الحرب في غزة تهدد بعرقلة إمدادات النفط والتقدم على المستوى الأمني، ولذا فهم يرون أنه كلما انتهت الحرب بشكل أسرع، كلما تمكن العالم من العودة بشكل أسرع إلى ما تعتبره واشنطن التحدي الأكثر أهمية الذي يواجهها وهو الردع والمنافسة مع الصين، بحسب "نيويورك تايمز".

تصنيفات

قصص قد تهمك