أجرى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الاثنين، التعديل الوزاري الثاني بعد عام واحد من توليه السلطة، بهدف احتواء الأزمة التي تفجرت، الأسبوع الماضي، بين وزيرة الداخلية سويلا برافرمان والشرطة، ولكن يبدو أن سوناك مضى في الأمر لـ"ضرب عصافير عدة بحجر واحد"، كما يقال.
أبرز ما جاء به التعديل هو إقالة وزيرة الداخلية المقربة من تيارات اليمين في حزب "المحافظين"، ليحل محلها جيمس كليفرلي الذي عمل كوزير للخارجية منذ عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، أما المفاجأة الكبرى، فكانت تعيين رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بمنصب وزير الخارجية، رغم أنه ليس عضواً في مجلس العموم.
وفقاً لمراقبين، أراد سوناك من خلال التعديل الوزاري تقوية جبهته الداخلية لدى حزب "المحافظين"، وتعزيز شعبية الحزب الحاكم في الشارع البريطاني، تمهيداً للانتخابات العامة المتوقعة نهاية العام 2024، بالإضافة إلى مواجهة تحديات خارجية فرضتها متغيرات دولية، لم يشهدها كاميرون، ولكن خبرته السياسية قد تساعده على معالجتها.
عودة كاميرون للحكومة
وفجّر تعيين كاميرون مفاجأة من العيار الثقيل في بريطانيا، فهو رئيس الوزراء الذي قاد البلاد للخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، كما أطلق حينها "العصر الذهبي" في العلاقة مع الصين.
أما اليوم فهو وزير الخارجية الذي يجب أن يضمن أفضل العلاقات مع بروكسل، ويتوجب عليه أن يكون حازماً في مواجهة بكين باعتبارها "تهديداً استراتيجياً".
وفي السياق، شدد المتحدث باسم سوناك، الاثنين، على أن كاميرون "سيلتزم بنهج الحكومة الحالي تجاه التحديات العالمية، ومنها ما يتعلق بالصين والصراع في الشرق الأوسط"، مضيفاً للصحافيين: "بكل وضوح، رئيس الوزراء ووزير الخارجية متفقان على (مواصلة) نهجنا إزاء الصراع بين إسرائيل وغزة".
ورداً على سؤال عما إذا كان سيكون هناك أي تغيير في نهج لندن تجاه بكين بعد تولي كاميرون منصبه، قال المتحدث: "سنواصل نهجنا الثابت تجاه الصين".
ورأى الكاتب والمحلل السياسي أحمد أصفهاني أن "سوناك يطمح من خلال تعيين كاميرون إلى تعزيز بطانته من نواب الحزب الحاكم، إذ لا يزال رئيس الوزراء السابق يتمتع بشعبية كبيرة بين صفوف المحافظين عموماً"، مشيراً إلى إمكانية تلك الشعبية في أن "تحتوي الانقسام الذي يعيشه الحزب الأزرق في ظل قيادة سوناك التي لا تحظى بتأييد كبير".
وأوضح أصفهاني لـ"الشرق"، أن "المهام المطلوبة من كاميرون في السياسة الخارجية ثانوية مقارنة بالدور الداخلي المناط به لتقوية شعبية الحزب الحاكم وجبهة سوناك"، لكنه أضاف: "هذا لا يلغي حقيقة أن كاميرون ينتظره عمل شاق في العلاقات الدولية، يختلف عن تلك المسارات التي انتهجتها البلاد عندما كان رئيساً للوزراء".
وانضم كاميرون إلى مجلس اللوردات كي يتاح تعيينه في الحكومة، وهو ما يعد استثناءً تسمح به القوانين في حالات خاصة، إذ سبق أن أعاد رئيس حكومة "المحافظين" تيد هيث خلال فترة توليه السلطة بين عامي 1970 و1974، رئيس الوزراء السابق دوجلاس هوم إلى الحكومة كوزير للصحة، ولكنه حينها كان لا يزال عضواً في مجلس العموم.
مخاطر التعيين
ورحب نواب في حزب "المحافظين" بعودة كاميرون إلى الحكومة، في مقدمتهم رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي التي قالت إن "خبرته السياسية كنز لا يقدر بثمن في ظل الظروف الدولية الراهنة التي تتصف بعدم اليقين".
لكن نواباً آخرين في الحزب انتقدوا الخطوة، معتبرين أنها قد لا تعود على الحزب بالفائدة المرجوة منها، سواء داخلياً أو خارجياً.
واعتبر المحرر السياسي في صحيفة "The Observer" تومي هيلم، أن "تعيين كاميرون في وزارة الخارجية سيتيح لسوناك التفرغ لحملته الانتخابية استعداداً للاستحقاق البرلماني المقبل".
وأشار هيلم في حديث لإذاعة LBC البريطانية إلى أن "رئيس الوزراء السابق يتمتع بخبرة كبيرة في العمل السياسي، وتعامل سابقاً مع الزعماء المعنيين بالسياسة الدولية حالياً".
ولفت إلى أن "كاميرون يوصف بأنه أشد السياسيين البريطانيين تأييداً لإسرائيل، وهو يدرك تماماً قيمة التحالف مع الولايات المتحدة في إدارة الأزمات حول العالم، كما كان من المؤيدين للعلاقات الجيدة مع الصين، ولو كان في مستويات مختلفة عما هو مطلوب في الوقت الراهن".
هيلم رأى أن "تعيين كاميرون تنطوي عليه مخاطر لا بد من إدراكها"، وقال: "إن "رئيس الوزراء السابق هو من أنجز (بريكست) الذي أغضب كثيرين في بريطانيا، وهو يمثل حقبة أفرزت لاحقاً مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية عديدة، يعاني منها البريطانيون، ويلومون كاميرون عليها".
وثمة نقاط خلاف معروفة بين كاميرون وسوناك في السياستين الداخلية والخارجية، من أبرزها اعتراض كاميرون على تقليص حجم المساعدات الخارجية البريطانية، إضافة إلى وقف مشروع القطار فائق السرعة في الشمال.
وفي أول تصريح له عقب إعلان توليه منصب وزير الخارجية، أكد كاميرون أنه "جاء إلى هنا من أجل المساعدة وتحقيق الأمن والازدهار الذي تحتاجه المملكة المتحدة".
إقالة وزيرة الداخلية
وشمل التعديل الوزاري أيضاً تعيين جيمس كليفرلي كوزير للداخلية بدلاً من برافرمان التي أقالها سوناك بعد سلسلة من الخطابات المستفزة للشارع، لكن السبب الرئيسي لإقالتها هو مقال نشرتها في صحيفة "تايمز" الأسبوع الماضي، اتهمت فيها الشرطة بالتحيز "للتيارات الإسلامية"، لأنها سمحت بخروج تظاهرات مؤيدة لفلسطين في ذكرى "يوم الهدنة".
جون رينتول، رئيس المعلقين السياسيين في صحيفة "إندبندنت" البريطانية، اعتبر أن "إقالة برافرمان جاءت متأخرة قياساً بالضرر الذي ألحقته بالحكومة"، مشيراً إلى أن "الخشية من تيارات اليمين المؤيدة لوزيرة الداخلية السابقة، أصبحت ثانوية بالنسبة لسوناك بعدما تفجر الخلاف بين برافرمان وقيادات شرطة العاصمة".
ولفت رينتول في مقاله إلى أن "برافرمان كانت تعتقد أنها يمكن أن تقود حزب المحافظين مستقبلاً من خلال انحيازها لتيارات اليمين، لكن تصريحاتها وممارساتها لم تكن تبشر برئيسة للحكومة وزعيمة للحزب الأزرق".
ووصفت نائبة زعيم حزب العمال جيس فيليبس، في تغريدة على منصة X برافرمان بأنها "أسوأ من تولى حقيبة الداخلية".
وبرافرمان، التي تعتنق الديانة البوذية ومتزوجة من يهودي إفريقي الأصل يدير شركة "مرسيدس" في بريطانيا، هي ابنة عائلة مهاجرة وصلت في ستينيات القرن الماضي.
درست برافرمان القانون في جامعة كامبردج، ثم حصلت على الماجستير من "السوربون" في فرنسا، وعندما عادت اصطفت مع معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ودخلت برافرمان البرلمان كنائبة عن منطقة فيرهام بمقاطعة هامبشاير، وبدأت عملها الحكومي في عهد رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ثم استقالت.
وبعدها عينها رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون كوزيرة للعدل، ثم انتقلت إلى الداخلية في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز ترس حتى أقيلت بسبب مخالفة بروتكول المراسلات الحكومية، ثم عادت إلى المنصب ثانية في عهد سوناك.
وأقيلت برافرمان قبل يومين من إعلان المحكمة العليا لقرارها بشأن خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا، وهو ما يمكن وصفه بأول التحديات التي تنتظر كليفرلي في منصبه الجديد.
ومن المتوقع أن تبني الحكومة البريطانية خططها المستقبلية في هذا الملف اعتماداً على القرار القضائي، فإما أن تمضي في خطة الترحيل أو تغير مساراتها الحالية.
"ثالوث المرحلة الأخيرة"
في أول تصريح له بعد تعيينه كوزير للداخلية، قال كليفرلي إن تركيزه ينصب على أولويتين هما "وقف هجرة القوارب" و"ضمان أمن وسلامة جميع البريطانيين"، موضحاً أنه "اتفق مع رئيس الوزراء على تحديد الأدوات والآليات اللازمة لتحقيق الهدفين السابقين، بما تستدعيه الحاجة الراهنة، وليس بناء على طرق حددت مسبقاً".
وزيرة الدولة للشؤون الداخلية السابقة آن ويديكومب، اعتبرت أن "تعيين كاميرون في الخارجية وكليفرلي في الداخلية، يعني أن سوناك يريد حكومة أكثر انفتاحاً على المجتمع البريطاني، ويحتاج إلى سياسات هادئة في التعامل مع مشكلات تواجه حزبه والدولة".
ووصفت ويديكومب في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، كاميرون وكليفرلي ووزير الخزانة جيرمي هنت بـ"ثالوث المرحلة الأخيرة في رحلة سوناك نحو الانتخابات المقبلة".
وأردفت: "كاميرون يعود إلى المشهد مثقلاً بكل أخطائه السياسية السابقة، كما أن الانقسام وتراجع الشعبية الذين يعاني منهما الحزب الحاكم يحتاجان إلى قرارات وإجراءات، وليس إلى رموز".
استقالات وتبديل للحقائب
وبعيداً عن حقيبتي الداخلية والخارجية، أقال سوناك وزيرة الإسكان راشيل ماكلين، كما تقدم عدة وزراء باستقالتهم طوعاً، بينهم وزير المواصلات جيس نورمان، والعلوم جورج فريمان، والمدارس نيك جيب، والبيئة ثيريس كوفي، إضافة لمسؤولين في الصحة وهما نيل أوبراين وويل كوينس، ومسؤول مدفوعات الحكومة جيرمي كوين.
ولكل من المستقيلين سبب أرفقه في رسالة التنحي، لكن خروجهم وسع دائرة التعديل الوزاري الجديد، فالنسبة لوزير المدارس، فقد قرر عدم الترشح لعضوية البرلمان في الانتخابات المقبلة، فيما أكد وزير النقل أن سوناك يعلم برغبته في التنحي منذ أشهر، ولكنه انتظر الوقت المناسب لتقديمها.
أما بخصوص مسؤولي القطاع الصحي، فقد قال أوبراين إنه يعترض على حظر التدخين بين الشباب، في حين يريد كوينس التفرغ للخدمة كضابط في الجيش.
وبررت وزيرة البيئة استقالتها بالتفرغ لدعم الحزب في الانتخابات المقبلة، وقد خلفها وزير الصحة ستيف باركلي الذي ترك حقيبته للوزيرة فيكتوريا أكتنز التي كانت تعمل في وزارة المالية.
وتولى ريتشارد هولدن رئاسة حزب المحافظين، في حين تسلم الرئيس السابق للحزب جريج هاندس، حقيبة وزارة التجارة والأعمال في الحكومة.