تتركز الأضواء على مستشفى الشفاء في غزة، وسط حديث عن مطالبة قوات الاحتلال الإسرائيلي بإخلائه، فيما يقول الجيش الإسرائيلي إنه لم يطلب إجلاء المرضى والطاقم الطبي.
وبثت وكالات الأنباء، السبت، خبراً عن أن الجيش الإسرائيلي طلب، السبت، من جميع المتواجدين في مستشفى الشفاء، سواء مرضى أو مصابين أو نازحين أو أطقم طبية، التوجه سيراً على الأقدام نحو شارع البحر، ومنحهم ساعة واحدة للإخلاء، فيما سيطرت حالة هلع وخوف شديدة داخل المجمع الطبي.
بحسب الوكالات، بث الجيش الإسرائيلي التحذير عبر مكبرات الصوت، ومن خلال الاتصال مع مدير المستشفى محمد أبو سلمية، في حين قال رئيس قسم العظام من داخل المستشفى إن "حالة هلع وخوف شديدة تسيطر على المكان"، مضيفاً: "لن نغادر المستشفى إلا مع المرضى".
وبعد ذلك بقليل، خرج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي ليقول إن الجيش لم يطلب إجلاء المرضى أو الطواقم الطبية، وإن الحديث يجري عن "إجلاء طوعي حر من جانب نازحين كانوا يقيمون في المستشفى.
وادعى أدرعي أن "الجيش الإسرائيلي استجاب، صباح السبت، لطلب من مدير مستشفى الشفاء بالسماح لسكان غزة، الذين نزحوا إلى المستشفى، ويرغبون الإجلاء منه نحو الممر الإنساني في قطاع غزة وذلك من خلال طريق يتم تأمينه".
وأضاف أن الطواقم الطبية ستبقى داخل المستشفى لخدمة المرضى الذين لا ينوون أو لا يستطيعون الإجلاء منه.
حصار واقتحام
ويتعرض مجمّع الشفاء الطبي، الذي يعد أكبر مؤسسة حكومية تابعة لوزارة الصحة الفلسطينية، لحصار من قبل الجيش الإسرائيلي منذ أسابيع، كما تعرضت أجزاء منه لقصف إسرائيلي خلال الأيام الماضية.
ويقع على مفترق طرق في المنطقة الغربية الوسطى من مدينة غزة في القطاع، ويطل على شارعي عز الدين القسام والوحدة، حيث يركّز الجيش الإسرائيلي قصفه ومحاصرته لتلك المنطقة.
وأكد مسؤولون وأطباء في قطاع غزة أن المجمع تحول إلى "ساحة حرب"، وشددوا على أنه يعاني من وضع كارثي نتيجة لنقص الوقود والدواء وأعداد الجرحى والمرضى، التي تصل للمئات.
واقتحمت القوات الإسرائيلية، الأربعاء، مدعومة بعشرات الدّبابات والآليات المدرعة وعشرات من عناصر الكوماندوز، مجمّع الشّفاء، وشرعت بعملية تفتيش بالأقسام وتحقيق مع الأشخاص بداخلها، وصرخ جندي بلغة عربية ركيكة طالباً استسلام كل من هم فوق 16 عاماً، رافعين أيديهم فوق رؤوسهم والخروج من المبنى.
وعقب ذلك بيوم واحد، قال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة إن مئات الجنود الإسرائيليين اقتحموا مستشفى الشفاء بالكامل من الداخل بعد ظهر الخميس، وحاصروا كافة المباني، ومنعوا خروج أي شخص من المجمع الطبي، وأطلقوا النار على الأقسام.
ملجأ للنازحين
ويؤدي مجمع الشفاء الطبي دوراً أساسياً في إيواء النازحين خلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 40 يوماً، إذ نزح إليه أكثر من 40 ألف شخص، في بحثهم عن مكان آمن من الغارات التي استهدفت منازل ومناطق سكنية بأكملها.
وتبلغ مساحة مجمع الشفاء الطبي 45 ألف متر مربع، ويتكون من عدة أبنية، بمسطح بناء قائم يبلغ 15 ألفاً و235 متراً مربعاً.
وتكدس النازحون والمرضى داخل أقسام المستشفى، وفي الممرات وغرف العناية المركزة، بسبب الأعداد الكبيرة التي توافدت نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر.
ومع ذلك، حوّله الجيش الإسرائيلي إلى ساحة حرب، ومنع دخول وخروج أي شخص منه، إذ يتم استهداف كل ما يتحرك في محيطه.
تكدس الجثث
وتكدست عشرات الجثامين في ساحة المستشفى، فضلاً عن الجرحى والمرضى، في ظل محاصرة الجيش الإسرائيلي له وعدم تمكن الأطقم الطبية والمواطنين من دفن الجثامين.
ويزعم الجيش الإسرائيلي أن قصفه لمجمع الشفاء ومحيطه يرجع إلى "استخدام حركة حماس المجمع كغطاء لإخفاء مداخل الأنفاق ومراكز القيادة والعمليات"، وهو ما نفته الحركة التي دعت المؤسسات الدولية للدخول إلى المستشفى "لكشف زيف الادعاءات الإسرائيلية".
كما فشل الجيش الإسرائيلي في إثبات أي من ادعاءاته بشأن ذلك حتى بعد اقتحام المستشفى.
"أقدم من إسرائيل"
تأسّس مجمع الشفاء الطبي عام 1946، إذ أنشأه وقتها الانتداب البريطاني، وبمرور الوقت، تطور وأصبح أكبر مجمع طبي، حيث يضم 3 مستشفيات متخصصة، ويعمل فيه 25% من العاملين في المستشفيات بقطاع غزة.
وكان المجمع الطبي في شكله الأولي يهدف إلى تقديم خدمات الرعاية الطبية للمرضى، وبعد انتهاء الانتداب البريطاني، أصبح تابعاً للإدارة المصرية حينها، وتوسّعت أقسام المجمع، وزاد عدد أسرّته. واستمر تحت الإدارة المصرية ما يقارب عقدين من الزمن.
وفي عام 1967، أصبح المستشفى تابعاً للجانب الإسرائيلي، بعد احتلال إسرائيل لقطاع غزة في أعقاب حرب يونيو من هذا العام.
وتوسع المستشفى، وضم غرفاً أكثر للمرضى. وكانت كل غرفة تتسع لـ3 مرضى كحد أقصى، غير أن هذا العدد كان محدوداً مقارنة مع حجم المنطقة التي يغطيها، إذ لم تكن معظم المستشفيات الحالية موجودة.
مع بدء الانتفاضة الأولى في ديسمبر عام 1987، ظهر دور المستشفى كنقطة مواجهة أساسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حين دخله الطلاب الفلسطينيون لمواجهة الجنود الإسرائيليين للمرة الأولى في الانتفاضة، إذ اتخذه الجيش الإسرائيلي وقتها مركزاً لتجمع.
لاحقاً، حين وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية "اتفاقية أوسلو" مع الجانب الإسرائيلي عام 1993، وأصبح المستشفى تابعاً لإدارة السلطة الفلسطينية، وتلقى وقتها دعماً دولياً للتطوير وإنشاء مبان جديدة وتوسيع الغرف، ليتحول إلى مجمع طبي يضم عدة مستشفيات متخصصة.
أكبر مجمع طبي في القطاع
ويقدم المستشفى الخدمات لسكان مدينة غزة، بالإضافة إلى استقبال حالات من مدن أخرى لا تتوفر فيها مستشفيات متخصصة، كونه أكبر مجمع طبي في القطاع.
ويضم المجمع 3 تخصصات، منها مستشفى النساء والتوليد، ويشمل قسم حضّانة الأطفال الخدج، ومستشفى الأمراض الباطنية، ومستشفى الجراحة.
كما يضم المجمع قسماً للطوارئ، ووحدة العناية المركزة، والأشعة، وبنك الدم، والتخطيط، بالإضافة إلى أقسام طبية مساندة، مثل الأشعة، ومختبر وبنك دم، والعلاج الطبيعي، وتخطيط السمع والأعصاب، فضلاً عن صيدلية ووحدة هندسة وصيانة الأجهزة الطبية.
ويوفر مجمع الشفاء الطبي عيادات تخصصية للمرضى، تشمل عيادات الباطنية، والجراحة، والنساء والولادة، والأنف والأذن والحنجرة، وعلاج العظام، وأمراض الكلى، والمسالك البولية، وأمراض الروماتيزم، وأمراض السرطان.
ويتوفر في مجمع الشفاء الطبي موقف للمركبات، يتسع لنحو 120 مركبة للموظفين والزوّار، مع وجود سيارتي إسعاف ومساحات خضراء داخله.
وبلغ عدد العاملين في المجمع الطبي ما يقارب ربع عدد العاملين في جميع مستشفيات قطاع غزة. وبحسب التقديرات، يعمل فيه حوالي 1500 موظف، منهم ما يزيد على 500 طبيب، و760 ممرضاً، و32 صيدلانياً، إضافة إلى 200 موظف إداري.