واصلت إسرائيل قصف قطاع غزة، الأحد، على الرغم من دعوات دولية لحماية المدنيين، بعد أن بلغت مفاوضات تمديد الهدنة مع حركة "حماس" طريقاً مسدوداً.
وقالت حكومة "حماس" إن غارة إسرائيلية على مدينة رفح في جنوب القطاع، قرب الحدود مع مصر، أودت بحياة 7 أشخاص على الأقل، فجر الأحد، بعد أن كثف الجيش الإسرائيلي المنتشر على الأرض في شمال غزة غاراته على الجنوب حيث لجأ مئات آلاف الفلسطينيين هرباً من القصف.
وأفادت وسائل إعلام فلسطينية بسقوط عشرات الضحايا والجرحى في قصف إسرائيلي على عدة مناطق بقطاع غزة في الساعات الأولى من صباح الأحد.
القسام تهاجم تمركزاً عسكرياً
وأعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لـ"حماس"، الأحد، أن عناصرها هاجموا تجمعاً لجنود إسرائيليين في قطاع غزة وأوقعوا عدداً كبيراً من الضحايا.
وأفادت الكتائب، في بيان على منصة "تليجرام"، بأن الهجوم وقع في نقطة تمركز للجنود الإسرائيليين شرق جحر الديك وسط قطاع غزة، وبأن مقاتليها زرعوا 3 عبوات مضادة للأفراد بشكل دائري حول التمركز، ثم فجروها في الجنود، فيما أجهز أحد مقاتليها على من تبقى من أفراد القوة، وانسحب بعدها مقاتلوها إلى مواقعهم.
من جانبه أعلن الجيش الإسرائيلي سقوط اثنين من عناصره في معارك قطاع غزة، موضحاً أن أحد القتيلين كان برتبة "رقيب" من الكتيبة 932 التابع للواء "ناحال"، ولقي حتفه في معارك بشمال غزة، والثاني برتبة "رقيب أول" (احتياط) في الكتيبة 82 ضمن اللواء السابع، ولقي حتفه بمعارك وسط غزة.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه ضرب خلال الليل أكثر من 400 هدف في القطاع، منذ استئناف القتال، الذي أسقط ما لا يقل عن 240 ضحية، وفق وزارة الصحة في غزة.
ليلة رعب
وعلى إثر استئناف القصف الإسرائيلي، قالت سميرة إنها فرت إلى الجنوب مع أبنائها الأربعة من مدينة غزة، بعد أن بدأت إسرائيل القصف منذ الشهر الماضي، موضحة أنهم "يلوذون حالياً بأصدقاء يسكنون منزلاً واقعاً إلى الغرب من خان يونس".
وأضافت أن "ليلة الجمعة كانت واحدة من أكثر الليالي المروعة منذ وصولها"، واصفة إياها بأنها "ليلة رعب"، مشيرة إلى أنها وسكاناً آخرين يخشون من أن يكون القصف المكثف على خان يونس ومدينة دير البلح القريبة تمهيداً لاجتياح بري وشيك للجنوب.
وقال فلسطيني يدعى "يامن" إنه وزوجته وأبناءهم الستة فروا من الشمال قبل أسابيع، وينامون في إحدى المدارس.
وأضاف: "أين نذهب بعد دير البلح؟ بعد خان يونس؟ لا أعلم أين أذهب أنا وعائلتي".
وقالت أم شابة تجلس مع أسرتها في الشارع: "بعد قصف إسرائيلي هدم بيتاً كنت أقيم به في مجمع حمد السكني بخان يونس، فإن رفح لن تكون أكثر أمناً".
وأضافت الشابة، التي طلبت عدم ذكر اسمها، في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي: "شردنا من غزة وجئنا إلى هنا.. لا مكان آمن.. القصف ورانا ورانا. هل نضمن إذا ذهبنا إلى رفح أن نكون آمنين؟ لن نكون آمنين.. نريد أن نعرف ما الذي يريدونه؟".
"أمن إسرائيل.. وحياة المدنيين"
سياسياً حذرت الولايات المتحدة إسرائيل من ارتفاع عدد الضحايا في قطاع غزة، دون أن تشكك في حق حليفتها في "الدفاع عن نفسها".
وقالت نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس، التي تشارك في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP 28) في دبي: "سقط عدد كبير جداً من الفلسطينيين الأبرياء. صراحة، إن حجم المعاناة وكذلك الصور ومقاطع الفيديو الواردة إلينا من غزة مدمرة. يجب على إسرائيل فعل المزيد لحماية المدنيين الأبرياء".
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "أعتقد أننا في لحظة يتعين فيها على السلطات الإسرائيلية تحديد هدفها بشكل أكثر دقة والوضع النهائي الذي تسعى إليه"، مشدداً على أنه "لا يمكن ضمان أمن إسرائيل، إذا كان ذلك سيتم على حساب أرواح الفلسطينيين".
وأضاف ماكرون: "ماذا يعني القضاء على حماس بالكامل؟ هل يعتقد أحد أن هذا ممكن؟.. إذا كان الأمر كذلك، فإن الحرب ستستمر 10 سنوات، لذا يجب توضيح هذا الهدف من جانب السلطات الإسرائيلية"، محذّراً من "حرب لا تنتهي".
كان المفاوضون الإسرائيليون غادروا قطر بعدما قالت تل أبيب إن المفاوضات "بلغت طريقاً مسدوداً"، لتمديد الهدنة التي استمرت 7 أيام فقط، وأتاحت الإفراج عن نحو 100 من الرهائن الموجودين لدى "حماس"، و240 فلسطينياً لدى إسرائيل.
إعادة الرهائن
ولا تزال قضية الرهائن تشكّل ضغطاً في إسرائيل، حيث تظاهر المئات في تل أبيب، السبت، للمطالبة بالإفراج عن 136 شخصاً ما زالوا محتجزين في قطاع غزة، وحمل كثير منهم ملصقات عليها صور الرهائن.
وتحدثت رهينات إسرائيليات أطلقت "حماس" سراحهن في عمليات تبادل سابقة، بشكل علني للمرة الأولى، ودعون الحكومة لتأمين إطلاق سراح المتبقين، ووصفت 4 نساء المشاعر التي انتابتهن في الأسر بعد أخذهن رهائن.
وتتقاذف إسرائيل و"حماس" المسؤولية عن انتهاء الهدنة وعدم تمديدها، على عكس الرغبة التي أبدتها أطراف الوساطة، قطر ومصر والولايات المتحدة.
وقالت "حماس"، الجمعة، إنها اقترحت "تبادل أسرى بمسنّين من الرهائن، وأن تُسلّم جثث رهائن إسرائيليين لقوا حتفهم في القصف الإسرائيلي"، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهم الحركة بـ"انتهاك الاتفاق من خلال إطلاق صواريخ على إسرائيل خلال الهدنة".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إنه من خلال توسيع العمليات العسكرية "نحقق هدفين، أولاً، نضرب حماس ونقضي على مزيد من الإرهابيين، ومزيد من الأنفاق ونخلق الظروف لإجبار (حماس) على دفع ثمن باهظ يتمثل بإطلاق سراح الرهائن".
من جهته، قال نتنياهو إنه "لا توجد سبل أخرى للانتصار إلا بمواصلة حملتنا البرية"، زاعماً أن هذا الهدف "سيُحَقَّق عبر احترام القانون الدولي".
وضع صحي متدهور
من جانبه، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس إن تواصل أعمال العنف والقصف في قطاع غزة أمر "مرعب".
وكتب عبر منصة إكس (تويتر سابقاً): "بالأمس، زار فريقنا مستشفى ناصر في الجنوب. كان مكتظاً بنحو 1000 مريض، ما يفوق طاقته بـ3 أضعاف. عدد لا متناه من الناس يبحثون عن ملجأ، يملؤون كل ركن من المنشأة".
وأضاف: "الناس يتلقون الرعاية على الأرض، يصرخون من الألم (...) هذه الظروف هي أكثر من غير ملائمة، لا يمكن تصوّرها في مجال تأمين الرعاية. مجدداً الدعوة إلى وقف النار الآن".
ويشهد الوضع الصحي تدهوراً، خصوصاً في ظل خروج العديد من مستشفيات القطاع، لا سيما في الشمال، عن الخدمة بالكامل.