وجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من واشنطن، الثلاثاء، نداءً للحصول على "المزيد من المال والأسلحة" لدعم قوات بلاده في حربها ضد روسيا، فيما أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن "الناتو سيكون ضمن مستقبل أوكرانيا" ودعا نظيره لـ"عدم فقدان الأمل".
والتقى الرئيس الأوكراني بأعضاء بمجلسي الشيوخ والنواب، صباح الثلاثاء، فيما استقبله بايدن ظهراً في البيت الأبيض.
ودعا زيلينسكي إلى توجيه رسالة "وحدة قوية" إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال خلال لقاء بايدن "من المهمّ للغاية أن نتمكّن بحلول نهاية هذا العام من إرسال رسالة وحدة قوية للغاية إلى المعتدي"، وفق ما نقلت "رويترز".
وأشار الرئيس الأوكراني إلى أنّه تلقّى من الكونجرس الأميركي مؤشرات "إيجابية" لكنّه ينتظر النتائج.
"لا تفقد الأمل"
وقال بايدن لزيلينسكي: "من الرائع أن أكون إلى جانبك، وسنبقى إلى جانبك، لا أريدك أن تفقد الأمل"، مضيفاً: "نقف عند نقطة انعطاف حقيقية في التاريخ، فالقرارات التي نتخذها الآن ستحدد المستقبل لعقود مقبلة، خصوصاً في أوروبا".
وأشار بايدن إلى أن على الكونجرس "إقرار التمويل الإضافي لأوكرانيا قبل تقديم أكبر هدية عيد ميلاد يمكن أن يحصل عليها بوتين".
ويدعم العديد من المشرعين من كلا الحزبين مساعدات جديدة بقيمة عشرات المليارات من الدولارات لكييف، لكن الجمهوريين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ يطالبون بإصلاحات على نظام اللجوء وتشديد الإجراءات على الحدود الجنوبية مع المكسيك، كشرط لدعم حزمة المساعدات، وهي خطوة يرفضها الديمقراطيون.
وقبل عام تقريباً، حظي زيلينسكي باستقبال الأبطال خلال زيارته إلى واشنطن التي استمرت 10 ساعات، وتضمنت خطاباً حماسياً في الكونجرس، ولكن زيارته الجديدة تواجه العديد من العقبات، خصوصاً بسبب موقف بعض الجمهوريين.
وأدت هذه المعركة السياسية المثيرة للجدل إلى توقف تمويل كييف مع اقتراب عطلة عيد الميلاد، ومن المؤكد تقريباً أن يدفع أي اتفاق إلى العام المقبل، تماماً كما حذر البيت الأبيض من أن الجولات السابقة من النقد والإمدادات قد استنفدت تقريباً.
"الامتحان الجمهوري"
وفي الزيارة الثالثة للرئيس الأوكراني إلى الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عشرين شهراً، يجد زيلينسكي أن قضيته لم تعد تستأثر باهتمام الناخبين الأميركيين مثل ما كان عليه الحال في البداية، كما أن جزءاً كبيراً منهم، لم يعد يرى الجدوى في تمويل حرب - من أموال الضرائب التي يدفعونها - لا نهاية لها تلوح في الأفق، بالرغم من قدرة الأوكرانيين، على نحو غير متوقع، في كبح هجوم قوة عسكرية بحجم روسيا.
ومنذ زيارة زيلينسكي الأخيرة لواشنطن قبل نحو عام، زادت ضغوط الجمهوريين، من أجل وقف الدعم الموجه لأوكرانيا.
ويظهر استطلاع للرأي أجراه YouGov هذا التحول، ففي ديسمبر 2022، كان حوالي ثلث الجمهوريين يؤيدون تقليص الدعم الموجه لأوكرانيا، وبحلول الزيارة الثانية لزيلينسكي الثانية إلى الولايات المتحدة لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر الماضي، ارتفعت هذه النسبة إلى 50%، ومنذ ذلك الحين، ظلت هذه النسبة عند هذه الحدود.
ولم يطرأ تغيير مماثل لدى الديمقراطيين، حيث تظل نسبة المؤيدين منهم الآن لفكرة خفض المساعدات الأميركية، أقل من تلك التي سجلها الجمهوريون عندما بدأت YouGov في جمع البيانات.
ويعود هذا بالأساس للضغط الذي يواجهه الجمهوريون من الجناح اليميني، وتجلى هذا الضغط في أكثر من شكل، من انتقاد إعلامي فوكس نيوز السابق تاكر كارلسون لأوكرانيا وتأييده لمواقف موسكو، إلى رفض الجمهوريين في الكونجرس بشكل علني تقديم الدعم لكييف.
وعلى مدى 18 شهراً الأخيرة، ارتفعت الأصوات الجمهورية الرافضة لتقديم دعم جديد لأوكرانيا، ففي أبريل 2022، اعترض 4% فقط منهم على مشروع تمويل في مجلس النواب، وبحلول مايو من العام ذاته، صوت نحو 3 من كل 10 جمهوريين في المجلس بالرفض على مثل هذا المشروع.
وبعد زيارة زيلينسكي للولايات المتحدة في ديسمبر 2022، مرر الكونجرس حزمة مساعدات ضخمة لأوكرانيا، لكن في يوليو الماضي، قدمت النائبة مارجوري تايلور جرين مشروع تعديل يقضي بتقليص المساعدات المخصصة لأوكرانيا، ودعم هذا المقترح 4 من كل 10 جمهوريين. وبعد ذلك بشهرين، صوت أكثر من نصف الجمهوريين على مقترح تمويل آخر.
تراجع الاهتمام بزيارات زيلينسكي
وتأتي زيارة زيلينسكي الجديدة في هذا الإطار، إذ يسعى الرئيس الأوكراني إلى إقناع هؤلاء الجمهوريين بشكل شخصي بضرورة استمرار الدعم وزيادته، لكن زياراته حسب المؤشرات لا تحصل على الاهتمام نفسه خارج مبنى الكابيتول مثل ما كانت تفعل سابقاً، وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وتشير البيانات إلى أن القنوات التلفزيونية ذكرت زيلينسكي نحو 2500 مرة خلال الأسابيع الثلاثة التي تلت زيارته في ديسمبر 2022، وخلال الأسابيع الثلاثة بعد زيارته في سبتمبر الماضي، ذُكِر الرئيس الأوكراني 1700 مرة، وتؤيد بيانات جوجل هذا التراجع.
ومن ضمن هذه الأرقام، يجدر الذكر إلى أن 4 من كل 5 إشارات تعود لقناتي CNN وMSNBC الليبراليتين قبل عام، و9 من كل 10 إشارات خلال العام الجاري، وبصيغة أخرى، فإن زيارات زيلينسكي لم تعد تستقطب الاهتمام نفسه على قناة Fox News المعروفة بقربها وتأثيرها على الناخبين الجمهوريين.
وفي استطلاع YouGov لشهر نوفمبر، فإن 44% من الجمهوريين يؤيدون مقترح خفض الدعم العسكري المقدم إلى أوكرانيا، فيما يقول 19% منهم إنهم يؤيدون رفع هذا الدعم، في حين يؤيد 19% الاحتفاظ بنفس مستوى الدعم المقدم.
وفي المعسكر الآخر، يقول 35% من الديمقراطيين إنهم يؤيدون رفع الدعم العسكري لكييف، و11% يؤيدون خفض هذا الدعم، فيما يقول 33% إنهم يؤيدون الاحتفاظ بنفس المستوى.
المساعدات رهينة الحسابات السياسية
وباتت المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ومعظمها من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تخضع لتجاذبات سياسية، الأمر الذي أدّى إلى تباطؤ شديد في تقديم التزامات جديدة.
وتواجه حزم أوروبية وأميركية إضافية عراقيل عدة، ما أدى إلى تراجُع التعهّدات الجديدة بالمساعدات (العسكرية والإنسانية والمالية) إلى أدنى مستوى لها منذ بداية الحرب منذ فبراير 2022، وفقاً للبيانات الصادرة معهد الأبحاث الألمانية "كييل".
في ما يتعلق بالمساعدات العسكرية وحدها، التزمت دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بحوالي 100 مليار يورو في نهاية أكتوبر، وفقاً للمعهد الذي يحصي الأسلحة التي وُعدت بها أوكرانيا وتم تسليمها منذ الغزو.
وتعهّدت الدول الأوروبية بمبلغ 51,5 مليار دولار، بينما تعهّدت الولايات المتحدة بمبلغ 43,9 مليار دولار. لكن الوعود الأوروبية وُزعت على سنوات عدة.
في أوروبا، شهدت بولندا التي تعد من أوائل الداعمين لأوكرانيا، تدهوراً في علاقاتها مع كييف التي تتهمها بالمنافسة غير العادلة، خصوصاً في مجال الحبوب. ولا تضمن وارسو الآن سوى تسليم الأسلحة "المتفق عليها سابقاً" مع كييف، لكنّ احتمال تشكيل حكومة جديدة مؤيدة لأوروبا، يمكن أن يؤدي إلى تغيير المعطيات.
وحُظِرَت حزمة بقيمة 20 مليار يورو على مدى أربع سنوات مقترحة من قبل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، تماماً مثل مبلغ 50 ملياراً لتعزيز الدعم القاري لأوكرانيا.
أما الحزمة الأميركية الجديدة، فهي تواجه عراقيل في الكونجرس من قبل المشرعين.
ويعارض بعض المشرّعين من الحزب الجمهوري مواصلة تقديم المساعدات لأوكرانيا ويهاجمونها بشدّة، الأمر الذي يساهم في تأجيج الشكوك بشأن حجم الدعم الأميركي واستدامته في الأشهر المقبلة. ومن هذا المنطلق، أسقط بند تمديد جديد للمساعدات الأوكرانية من اتفاقية الميزانية الموقتة التي أقرها الكونجرس الأسبوع الماضي.
وإضافة إلى ذلك، يصرف الصراع بين إسرائيل وحماس الانتباه عن أوكرانيا، لكن واشنطن تؤكد أنها قادرة على تقديم المساعدة للأوكرانيين والإسرائيليين.