بعد مرور 100 يوم من الحرب على قطاع غزة ومواصلة إسرائيل ضرباتها المكثفة، هل حققت تل أبيب الانتصار الذي تتحدث عنه؟ وما هو مستقبل حكومتها خاصة رئيسها بنيامين نتنياهو، وكيف يبدو الموقف من الحرب داخل إسرائيل؟
كذلك تشكل الحرب تحديات سياسية كبيرة للقادة الإسرائيليين، ويتساءل كثيرون عن مستقبل الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، كما تمتد التساؤلات لتشمل الطرف الذي سيحكم قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، إضافةً إلى الخطوات المقبلة لتحقيق الاستقرار داخل المجتمع الإسرائيلي بعد انتهاء الحرب، وكيفية إدارة التحديات الخارجية.
معنى الانتصار
منذ اليوم الأول للحرب في 7 أكتوبر، وإسرائيل تتحدث عن انتصار تسعى إلى تحقيقه، فما هو معنى الانتصار بالنسبة لإسرائيل؟
الصحافي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية علي واكد، فسر معنى الانتصار بالنسبة للحكومة الإسرائيلية بأنه "يعني القضاء على القيادة الحالية لحركة (حماس) ممثلة في محمد الضيف ويحيى السنوار، سواء باعتقالها أو اغتيالها".
وأضاف واكد: "إذا لم يتحقق هذا الانتصار الأكبر، فإن الأقل يتمثل في عدم قدرة (حماس) على استمرار السيطرة على قطاع غزة، وخلق بيئة دولية ترفض أي حكم أو سلطة للحركة في القطاع، حتى إذا لم تنتصر إسرائيل عسكرياً".
أما رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية، الدكتور سمير غطاس، فيرى أن الانتصار بالنسبة لإسرائيل هو أن تحقق أهدافها المعلنة من الحرب وعلى رأسها تدمير البنية التحتية والعسكرية لـ"حماس"، معتبراً أنها اقتربت من تحقيق هذا الهدف، لأن الحركة لم يعد لها وجود إلا في مناطق محددة في القطاع مثل خان يونس.
وقال غطاس لـ"الشرق": "مهما طال الزمن، وأمد الحرب فإن إسرائيل ستقضي على (حماس) وتحقق هذا الهدف بحسب تأكيدات وزير الدفاع، وترى تل أبيب أن قتل جندي أو جنديين لها يومياً ليس أزمة، كما أنها اتفقت مع الولايات المتحدة على القضاء على قوة الحركة وتفكيك بنيتها".
"أكثر من إسرائيل"
الصحافي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية علي واكد، اعتبر أن "هناك أكثر من إسرائيل واحدة حالياً، فهناك إسرائيل اليمين المتطرف الذي يحلم بأن تشكل نهاية الحرب أرضية لعودة المستوطنين الإسرائيليين إلى قطاع غزة وتوسيع الاستيطان، وهناك التي تأمل أن تشكل نهاية الحرب بداية لانطلاقة سياسية جديدة يتفاوض بها الإسرائيليون والفلسطينيون على حل سياسي ربما يفضي في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية"، خاصة أن "قبول إسرائيل حل الدولتين يتعلق بالتوازنات الداخلية قبل أن يرتبط بالعلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين".
وأوضح واكد لـ"الشرق" أنه "يجب الانتظار لمعرفة طبيعة التوازنات الداخلية، هل يمكن الإطاحة بنتنياهو أم لا؟ هذا هو السؤال الأهم، وماذا سيكون الوضع الانتخابي السياسي الداخلي في إسرائيل؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن نعرف وجهة العلاقة بين إسرائيل وفلسطين بعد الحرب".
خلاف على الأولويات
بعد مرور 100 يوم على الحرب الإسرائيلية في غزة، أعلنت تل أبيب بدء الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، فهل نجحت في ما كانت تريده من المرحلتين الأولى والثانية؟ وما أهدافها من المرحلة الثالثة؟ وما موقف المجتمع الإسرائيلي من استمرار الحرب؟
وفقاً لأستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، سليم بريك تتمثل أهداف إسرائيل خلال المرحلة المقبلة في "الانتقال إلى عمليات أكثر دقة وأقل في عدد الجنود، وبالتالي تبدأ تسريح أكبر عدد منهم، وهذا أمر مهم جداً للاقتصاد الإسرائيلي، لكنها بالتأكيد ستستمر في تنفيذ عمليات محدودة ودقيقة، حتى تتمكن من الوصول إلى قادة حركة (حماس)".
وبالنسبة للجبهة الداخلية يرى بريك، أن موقف المجتمع الإسرائيلي مؤيد حتى الآن من ناحية المبدأ لاستمرار الحرب، لكن هناك خلافات بشأن سلم الأولويات، لأن غالبية المواطنين يعتقدون أنه يجب العمل على تحرير المخطوفين، وليس بالضرورة القضاء على (حماس) كأولوية.
بعيداً عن الأهداف الإسرائيلية الـ3 المعلنة من الحرب، يرى رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية، الدكتور سمير غطاس، أن لدى إسرائيل أهدافاً أخرى مستترة، أبرزها دفع الفلسطينيين إلى النزوح، لا من خلال تهجيرهم قسراً مباشرة، وإنما عبر خلق واقع مدمر يصبح معه البقاء مستحيلاً، فلا منازل ولا مدارس ولا مستشفيات ولا طرق، وهي أمور تدفع أي شعب إلى البحث عن أماكن للحياة، موضحاً أن هذا الهدف هو مشروع إسرائيلي قديم، لافتاً إلى أن تل أبيب شرعت في بناء 18 مستوطنة جديدة خلال فترة الحرب.
مصالح نتنياهو
الصحافي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية علي واكد، يرى أن العنصر الأساسي الذي يؤثر على استمرار الحرب هو وضع نتنياهو الشخصي، ووضعه الداخلي في الحكومة، وحزب الليكود.
وأضاف واكد: "أنا أميل إلى الاعتقاد بأن نتنياهو يتخذ القرارات المتعلقة بالحرب في هذه المرحلة بناء على مصلحته الشخصية، وحتى الآن يبدو أنها تقتضي أن يطول أمد الحرب بهدف إبعاد شبح الإطاحة به، أو استئناف التحقيق في اتهامات الفساد".
وهو الرأي الذي يؤيده أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا، سليم بريك، مشيراً إلى أن مصالح نتنياهو تلعب دوراً أساسياً في الحرب، معتبراً أن "نتنياهو الآن في الحضيض من ناحية الدعم الشعبي".
لكن مصالح نتنياهو الشخصية متفقة مع الأهداف العامة لإسرائيل، بحسب الدكتور سمير غطاس، الذي يرى أن أحدث استطلاعات الرأي أظهر أن 65% من الإسرائيليين يؤيدون استمرار الحرب.
وأوضح غطاس أن نتنياهو يعمل على إطالة أمد الحرب لهدفين، الأول هو الهروب من المحاكمة في قضايا الفساد الأربع المتهم فيها، وبالفعل قدم طلباً إلى النيابة لتأجيل التحقيقات، والهدف الثاني هو محاولة تحقيق انتصار عسكري يقدمه إلى الشارع الإسرائيلي، وبالتالي يحسن صورته المهتزة، خاصة أنه وحزبه "الليكود" يخسران في كل استطلاعات الرأي، ويتقدم عليه حزب بيني جانتس، كما أن المظاهرات التي شهدتها إسرائيل، السبت، كانت تطالب بإجراء انتخابات مبكرة.
تحليلات واكد وبريك، وغطاس، تتوافق مع حالة حراك داخل إسرائيل تطالب بالإطاحة بنتنياهو بعد فشله في إعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة "حماس" في غزة، ورفضه تحمل مسؤولية الفشل الأمني.
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن تظاهرات خرجت في تل أبيب وحيفا وقيسارية تدعو لإجراء انتخابات مبكرة، واستقالة الحكومة، وإعادة الأسرى بعد 100 يوم من فشل إعادتهم، مطالبة باستقالة نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة لاختيار بديل له.
حقوق الفلسطينيين مقابل التطبيع
قبل اندلاع الحرب كانت هناك مؤشرات على دخول دول جديدة في علاقات تطبيع مع إسرائيل، إلى جانب الإمارات، والبحرين، والمغرب، لكن اندلاع الحرب عطل هذا الأمر، فهل يمكن استئنافه بعد انتهاء الحرب؟
علي واكد يعتبر أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل أصبح أكثر صعوبة بعد 7 أكتوبر؛ مما كان عليه قبل الحرب، وأصبح مقيداً بشروط.
وقال: "أعتقد أنه أمام مشاهد الدمار والقتل في قطاع غزة ستطالب السعودية إسرائيل بتقديم تنازلات للفلسطينيين مقابل المضي في التطبيع، ومؤيدو السلام يحلمون بأن تشكل السعودية ورغبة إسرائيل في التطبيع معها، وسيلة ضغط لكي توافق تل أبيب على بدء عملية سياسية تعطي الفلسطينيين حقوقهم أو بعضها على الأقل".
الدكتور سمير غطاس يتفق مع واكد في أن مخطط التطبيع سينفذ، لكن "مع زيادة السعر"، موضحاً أنه قبل الحرب زار وزيرا الخارجية والاتصالات الإسرائيليان، السعودية، وكانت مطالب الرياض وقتها "توفير حياة كريمة للفلسطينيين"، لكن الآن ارتفع سقف المطالب، خاصة في ظل وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى حد المطالبة بإقامة دولة فلسطينية.
انسحاب من غزة أم منطقة عازلة؟
مع إعلان قادة إسرائيل الاستعداد للمرحلة الثالثة من الحرب، توقع كثيرون أن ينسحب الجيش من قطاع غزة، ولو جزئياً، لكن الخبراء استبعدوا ذلك.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا، سليم بريك: "صرح نتنياهو في أكثر من مناسبة، بأن إسرائيل لن تنسحب من قطاع غزة، على الأقل خلال العام الجاري، وستستمر في تنفيذ عمليات عسكرية، حتى تهدم كل الأنفاق، وتقضي على عناصر (حماس) كما تقول".
وأضاف بريك: "لكن الأهداف التي تعلنها إسرائيل طوال الوقت وهي القضاء على قدرات حركة (حماس)، وتحقيق الأمن في غلاف غزة، وألا يكون في المستقبل عناصر من الحركة قريبون من الغلاف، ربما يعني إنشاء منطقة عازلة، لكن ليس بالضرورة أن يتحقق، في ظل وجود معارضة شديدة لاقتطاع جزء من غزة كمنطقة عازلة لمصلحة إسرائيل."
تشكيك بريك في إمكانية إقامة منطقة عازلة، أصبح تأكيداً عند غطاس الذي يقول إن المناطق العازلة على طول الحدود جزء من العقيدة الإسرائيلية، مدللاً على ذلك بالجدار العازل في الضفة الغربية، على الرغم من خضوعها للسلطة الفلسطينية، إلا أن إسرائيل لها الحق في دخولها وقتما تشاء، مشيراً إلى أنها تحاول إبعاد "حزب الله" اللبناني إلى ما بعد 40 كيلومتراً من الحدود اللبنانية، وهذه تمثل منطقة عازلة.
وأضاف: "إسرائيل ستنشئ منطقة عازلة في غزة على طول الحدود، لأنها لن تسمح بتكرار ما حدث في 7 أكتوبر، وحتى لا يتجرأ عليها أحد في المنطقة بعد ذلك".
توتر مع مصر بسبب "محور فيلادلفيا"
العمليات العسكرية المتواصلة أفرزت توتراً سياسياً بين إسرائيل وعدد من دول المنطقة، على رأسها مصر، بسبب المعابر الحدودية، ودخول المساعدات، وسط اتهامات إسرائيلية للقاهرة بإغلاق المعابر، ونفي مصري، فهل يستمر هذا التوتر بعد انتهاء الحرب؟
سليم بريك يرى أن إسرائيل تريد الاستيلاء على "محور فيلادلفيا" الذي تقول إن الأنفاق في محيطه تستخدم في تهريب الأسلحة إلى داخل قطاع غزة، وهو اتهام غير مباشر لمصر بعدم منع "حماس" من إدخال الأسلحة إلى قطاع غزة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى توتر بين إسرائيل ومصر.
وأضاف بريك: "حتى الآن العلاقات بين إسرائيل ومصر ممتازة، وإسرائيل ترى أن القاهرة حليف لها، لكن ربما تحدث بعض المشادات بسبب محور فيلادلفيا، وربما تصادم بعض المصالح بين الجانبين في ما يتعلق بالسيطرة على قطاع غزة بعد نهاية الحرب".
في المقابل يرى رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية، الدكتور سمير غطاس، أن التوتر حدث بالفعل منذ اليوم الأول للحرب، حين رفضت إسرائيل دخول شاحنات المساعدات المصرية إلا بتفريغ حمولتها في شاحنات فلسطينية، بينما سمحت للشاحنات الأردنية بالدخول، كما سمحت للإمارات بإقامة مستشفى ميداني.
وأضاف: "حتى الآن لا تسمح إسرائيل بخروج المصريين إلا بعد إجراء استعلام أمني من سلطاتها، كما أنها قصفت معبر رفح من الجانب الفلسطيني 4 مرات".
وبرر غطاس هذا التوتر بقوله إن إسرائيل تعتقد أن مصر تتغاضى عن تهريب الأسلحة عبر الأنفاق، موضحاً أن محور فلادليفيا أقيم بعد انسحاب رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون منه عام 2005، وتم إعداد بروتوكول خاص بالمحور أضيف إلى معاهد السلام بين مصر وإسرائيل، وظل سارياً حتى عام 2007، حين استولت "حماس" على قطاع غزة، فأنشأت 1200 فتحة نفق استغلتها في تهريب الأسلحة ما كان له تأثير سلبي على الأمن القومي المصري.
وتابع: "هذا الأمر دفع مصر إلى إغلاق الأنفاق بالجدر الأسمنتية، لكن (حماس) اقتحمتها، فقررت مصر إغراقها بالمياه"، موضحاً أن إسرائيل ترغب في السيطرة على المحور خوفاً من هروب قادة الحركة عبر الأنفاق.
ماذا بعد الحرب؟
أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا، سليم بريك، يشير إلى رفض نتنياهو المتكرر وبكل الطرق مناقشة ماذا سيحدث بعد الحرب، على الرغم من الضغط الأميركي، موضحاً أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، طالب الإسرائيليين بخطة وأجوبة عن اليوم التالي للحرب، لكن نتنياهو يخشى بتسلئيل سموتريتش، وايتمار بن جفير، كما يخشى أن تتفكك الحكومة والائتلاف، ولذلك لم يتطرق للحديث عن اليوم التالي.
وأضاف: "نتنياهو لا يريد أن يرى أي شريك فلسطيني مستقبلي، ويعتبر أنه لا فرق بين السلطة الفلسطينية و(حماس)، لذلك لا يوجد شريك لإسرائيل من الجانب الفلسطيني في المستقبل، وبالتالي على إسرائيل الاستمرار في احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل كامل".
في المقابل يتوقع غطاس "هزة عنيفة" في إسرائيل تبدأ مع عمل لجان التحقيق التي دعا رئيس الأركان إلى تشكيلها، وهي قاعدة إسرائيلية متبعة بعد كل حرب أو معركة، مبرراً توقعاته بأن الهزة ستكون عنيفة، لأن "التحقيقات ستنتهي إلى الإطاحة بعشرات الرؤوس، وفي مقدمتها نتنياهو حتى لو نجح في تحقيق انتصار يحسن صورته، وكذلك وزير الدفاع، ورئيس المخابرات، ورئيس جهاز الأمن الداخلي، لأن التحقيقات ستكشف مدى الفشل الأمني الذي أدى إلى هجوم 7 أكتوبر.