لماذا ينطلق قطار الحملات الرئاسية الأميركية من ولاية أيوا؟

لافتة المؤتمرات الحزبية في وسط مدينة دي موين بولاية أيوا بالولايات المتحدة. 13 يناير 2024 - Reuters
لافتة المؤتمرات الحزبية في وسط مدينة دي موين بولاية أيوا بالولايات المتحدة. 13 يناير 2024 - Reuters
دبي-الشرق

تنطلق الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية أيوا الأميركية، الاثنين، ما يسلط الضوء على الأهمية المحورية التي اكتسبتها الولاية في سباق الانتخابات الرئاسية لعقود.

وجرت العادة على انطلاق صافرة البداية للحملة الرئاسية من ولاية أيوا منذ أكثر من 50 عاماً، فمن أين بدأت القصة؟

كانت البداية في عام 1972 باجتماعات محدودة للغاية داخل مقر الحزب الديمقراطي بالولاية، دون أن تكون هناك كاميرات، وكانت النتائج تتدفق من جميع أنحاء الولاية على خطين هاتفيين فقط، لأن الحزب لم يرغب حينها في دفع ثمن خط ثالث، وفقاً لوكالة "أسوشيتد برس".

وساعد شخص واحد فقط، وهو ناشط مناهض لحرب فيتنام يبلغ من العمر 25 عاماً آنذاك، في هندسة عملية الفرز داخل المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا.

ويتذكر ريتشارد بيندر، الذي يبلغ من العمر الآن 78 عاماً، تلك البدايات ضاحكاً: "لقد استعرت آلة حاسبة مزودة بذاكرة لتسريع العملية، كان هذا هو أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في ذلك الوقت".

وقال: "لم يكن لدينا أدنى فكرة عن الحجم الذي سيصل إليه هذا الأمر".

وأصبحت المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا جزءاً راسخاً من السياسة الأميركية، ودفعت بعض المرشحين غير المتوقعين نحو البيت الأبيض.

وفي عام 1976، دفعت ولاية أيوا حاكم جورجيا السابق جيمي كارتر، الذي كان يعمل سابقاً في مزارع الفول السوداني، إلى الصدارة.

وفي 2008، منحت الولاية السيناتور عن ولاية إلينوي، باراك أوباما، فوزه الأول على هيلاري كلينتون، التي كانت في ذلك الوقت واحدة من أكثر الأسماء شهرة في السياسة الديمقراطية.

طريقة مختلفة 

عندما تبدأ المؤتمرات الحزبية للجمهوريين في ولاية أيوا لعام 2024، الاثنين، فإن الطريقة التي يبدأ بها الناخبون في اختيار مرشحي الحزبين الرئيسيين ستبدو مختلفة، بعد أن تغير الترتيب الذي تصوت به الولايات، وكذلك بعض القواعد.

واعتبرت "أسوشيتد برس" ذلك "علامة على سياسة الولايات المتحدة المضطربة"، مشيرة إلى أنها توضح كيف قام المرشحان الأوفر حظاً داخل حزبيهما، الرئيس جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب، بتحريك الأدوات الحزبية لمنح أنفسهما ميزة، وفي بعض الأحيان زرع الفوضى والارتباك.

كيف أصبحت أيوا أول من يصوت؟ 

تغيرت الطريقة التي يتم بها اختيار المرشحين للرئاسة بشكل كبير على مر السنين، ولم تتضمن دائماً إرادة الناخبين، بحسب "أسوشيتد برس".

وسيطر رؤساء الحزب على العملية في مستوييها الولائي والمحلي لعقود أواخر القرن التاسع عشر، ما أدى إلى ظهور فكرة "الغرفة المليئة بالدخان"، حيث قيل إن كبار القادة كانوا يتجمعون سراً لتحديد مرشحهم الرئاسي.

وبدأت هذه الأسطورة مع مؤتمر الحزب الجمهوري لعام 1920، عندما التقى قادة الحزب سراً في جناح من 3 غرف بفندق "بلاكستون" الذي لا يزال يعمل في شيكاغو، وظهر وارن جي هاردينج كمرشح رئاسي مفاجئ للحزب.

واستمر هذا النموذج حتى المؤتمر الوطني الديمقراطي الدموي عام 1968 في شيكاغو، عندما اشتبكت الشرطة مع المتظاهرين في الشوارع بما في ذلك الطلاب المعارضين لحرب فيتنام.

وقال الديمقراطيون في وقت لاحق إن المشاهد الفوضوية التي صاحبت مؤتمرهم الدموي، ساهمت في فوز الجمهوري ريتشارد نيكسون برئاسة الولايات المتحدة لاحقاً. ونتيجة لذلك، أنشأ الديمقراطيون لجنة لتمكين النساء والناخبين من الأقليات والشباب من اختيار مرشحهم للرئاسة.

وكان للإصلاحات الديمقراطية بعد عام 1968 تأثيراً دائماً على ولاية أيوا، وتطلبت قواعد الحزب الجديدة مزيداً من الوقت للمرور بين المستويات الأربعة للمؤتمرات في ولاية ما، والتي تراوحت من المستوى المحلي إلى مستوى الولاية.

وأجبر ذلك القادة الديمقراطيون في ولاية أيوا على بدء العملية في وقت مبكر من التقويم.

وعندما أصبح من الواضح أن المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا يمكن أن تتقدم في التوقيت على نيو هامبشاير، التي انطلق منها التصويت للانتخابات التمهيدية الرئاسية لعقود، اغتنم المسؤولون الفرصة.  ويتذكر بيندر: "لقد تلاعبنا قليلاً".

وفي يناير من عام 1972، استضافت الولاية المنتجة للذرة داخل قلب أميركا المنافسة الرئاسية الافتتاحية للحزب الديمقراطي لأول مرة، وتبعه الحزب الجمهوري بعد 4 سنوات.

كيف يتم اختيار المرشحين الآن؟

اليوم يفكر الناخبون فيمن ينبغي أن يكونوا مرشحي الحزبين الرئيسيين في الانتخابات العامة من خلال سلسلة من المنافسات التي تعقد على مدى النصف الأول من عام الانتخابات.

يجمع المرشحون المندوبون، وهم أولئك الأشخاص الذين سيختارون المرشح رسمياً في المؤتمرات الوطنية للأحزاب خلال الصيف، بناءً على الأداء على مستوى الولاية، باستخدام قواعد معقدة تختلف حسب الحزب والمكان. ورسمياً، لن يكون لأي من الحزبين مرشح حتى يفوز بعدد المندوبين اللازم في المؤتمر لحسم الترشيح.

وإلى جانب سباق المندوبين، فإن كيفية أداء المرشح في وقت مبكر أمر بالغ الأهمية لاكتساب زخم الحملة واهتمام وسائل الإعلام. وهذا هو السبب في أن الترتيب الذي تصوت به الولايات مهم للغاية.

ولهذا السبب أيضاً قضى المرشحون لسنوات، الكثير من الوقت في ولاية أيوا للتواصل مع الناخبين على هامش الأحداث السياسية الصغيرة، وكذلك التحدث عن السياسة في حفلات عشاء الحزب الجمهوري الفاخرة، أو قاعات المدن الصغيرة.

وقال ديفيد ريدلاوسك، الأستاذ بجامعة ديلاوير والمؤلف المشارك لكتاب عن المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا: "الناخبون الأساسيون في الولايات اللاحقة يهتمون بما حدث في الولايات المبكرة، ويتفاعلون مع ما يتعلمونه".

ما المختلف في عام 2024؟

ستجري ولاية أيوا مرة أخرى هذا العام أول سباق جمهوري. لكن بايدن وجه اللجنة الوطنية الديمقراطية لتغيير التقويم التمهيدي للحزب ليبدأ في ساوث كارولينا، التي كانت تأتي بعد أيوا ونيوهامبشاير ونيفادا.

ولساوث كارولينا، التي تضم 26% من السكان من أصحاب البشرة السمراء، ناخبين أوليين أكثر تمثيلاً للائتلاف المتنوع للحزب الديمقراطي من أيوا ونيو هامبشاير، وهما من أكثر الولايات التي تضم سكاناً بيض في البلاد.

كما أن ولاية ساوث كارولينا هي أرض سياسية أكثر أماناً لبايدن، الذي كافح بشدة في أيوا ونيوهامبشاير في عام 2020، قبل أن يؤدي الفوز في ساوث كارولينا إلى إحياء حملته.

كما صوتت اللجنة الوطنية الديمقراطية لوضع نيفادا في نفس يوم نيو هامبشاير، تلتها جورجيا وميشيجان، وهي ولايات أخرى أكثر تنوعاً، بعد ساوث كارولينا، التي تصوت في 3 فبراير.  

لكن الجمهوريين في جورجيا رفضوا تغيير موعد الانتخابات التمهيدية في ولايتهم، واختارت نيو هامبشاير المضي قدماً في الانتخابات التمهيدية في 23 يناير على أي حال.

كما اختار الديمقراطيون في ولاية أيوا المضي قدماً في التصويت الاثنين، وهو نفس اليوم الذي اختاره الجمهوريون، لكنهم سيفعلون ذلك عن طريق البريد، ويقولون إن النتائج لن تعلن على الملأ حتى مارس المقبل، وبذلك يمتثلون لقواعد الحزب التي تسمح للولايات الأخرى بالذهاب في وقت مبكر.

ومن المتوقع أن يفوز بايدن (81 عاماً) بترشيح الحزب الديمقراطي. ويواجه الرئيس معارضة رمزية من النائب الديمقراطي عن ولاية مينيسوتا دين فيليبس، والكاتبة التقدمية ماريان ويليامسون.

في غضون ذلك، واصل الجمهوريون البدء مع ولاية أيوا، وترمب (77 عاماً) هو المفضل لدى الحزب، على الرغم من أنه يواجه العديد من المنافسين الرئيسيين، بما في ذلك حاكم فلوريدا رون ديسانتيس (45 عاماً) وسفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكي هيلي (51 عاماً). كما تم توجيه الاتهام إلى ترمب عدة مرات، ويمكن أن تبدأ محاكمة قضية جنائية واحدة في منتصف الحملة التمهيدية.

 الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يصل إلى تجمع انتخابي في ولاية أيوا الأميركية. 1 يونيو 2023
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يصل إلى تجمع انتخابي في ولاية أيوا الأميركية. 1 يونيو 2023 - AFP

وفي حين أن استراتيجيات حملاتهم قد تباينت، يعرف مرشحو الحزب الجمهوري أن أحد مفاتيح الفوز بناخبي ولاية أيوا هو قضاء الوقت شخصياً في التقرب إليهم واتباع بعض التقاليد السياسية للولاية.

وحقق ديسانتيس إنجازاً بارزاً في حملة أيوا بزيارة جميع مقاطعاتها البالغ عددها 99 مقاطعة. واستقبلت هيلي الناخبين في معرض ولاية أيوا. وألقى ترمب كرات قدم موقعة بيديه على الحشد في منزل قبل مباراة كرة قدم جامعية.

ما الخطوة المقبلة؟

الفوز أو الخسارة في ولاية أيوا ليس كل شيء. ففي السابقات الأولى، يلعب المرشحون لعبة التوقعات، ففي المؤتمرات الحزبية لعام 1976، احتل كارتر المركز الثاني بعد أولئك الذين اختاروا عدم الالتزام بأي مرشح، لكنه كان أفضل بكثير مما كان متوقعاً، وعمل على رفع حملته.  

وفي عام 1992، احتل بيل كلينتون المركز الرابع في ولاية أيوا، لكنه حقق المركز الثاني في نيو هامبشاير أقوى من المتوقع.

وخسر ترمب ولاية أيوا في عام 2016 أمام السيناتور عن ولاية تكساس تيد كروز، لكنه سيطر بعد ذلك على نيو هامبشاير وساوث كارولينا ونيفادا.

وسيجتمع ناخبو الحزب الجمهوري في المدارس المحلية أو المواقع المجتمعية الأخرى هذا العام لساعات ليكونوا جزءاً من المؤتمرات الحزبية، وهي أحداث يديرها الحزب، ويجريها المسؤولون المحليون والمتطوعون.

والتصويت مفتوح فقط للجمهوريين المسجلين، ويستمع أولئك الذين يحضرون، وهم عادة جزء صغير من الناخبين المؤهلين في الولاية، إلى ممثلي الحملات قبل اختياراتهم.

ويأمل ترمب في تحقيق فوز كبير حتى يبدو أنه لا يمكن إيقافه، وإذا نجح، يمكن لولاية أيوا أن تدعي مرة أخرى أنها تلعب دوراً مركزياً في السياسة الأميركية، وكيفية اختيار البلاد للرئيس. 

تصنيفات

قصص قد تهمك