حظر "حزب التحرير" في بريطانيا.. قرار مؤجل منذ عقدين دفعته حرب غزة للواجهة

شخص يرفع لافتة تطالب بوقف "الإبادة الجماعية" في قطاع غزة خلال مسيرة مؤيدة للفلسطينيين ومناهضة لإسرائيل في العاصمة البريطانية لندن. 13 يناير 2024 - Reuters
شخص يرفع لافتة تطالب بوقف "الإبادة الجماعية" في قطاع غزة خلال مسيرة مؤيدة للفلسطينيين ومناهضة لإسرائيل في العاصمة البريطانية لندن. 13 يناير 2024 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

بعد نحو عقدين من التأجيل، قررت الحكومة البريطانية تصنيف جماعة "حزب التحرير" الذي ينشط في بريطانيا، منظمة "إرهابية"، وهو تصنيف مرهون بموافقة البرلمان، الذي يتوقع أن يمرر التصنيف الجمعة؛ نظراً إلى أن حزب المحافظين "الحاكم" يمتلك أكثرية ساحقة تمنحه القدرة على تحقيق ذلك، بالإضافة إلى أن أحزاباً أخرى تؤيد "الخطوة المؤجلة" منذ سنوات، حسبما يرى مراقبون.

وكانت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا برافرمان، هي من لفتت الأنظار إلى الجماعة قبل أشهر قليلة، عندما طالبت بمتابعتها "على ضوء وصْفها مقاتلي حماس بالأبطال" بعدما شنت الحركة هجوماً مباغتاً على بلدات ومستوطنات إسرائيلية متاخمة لقطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، إضافة إلى احتفائها بهجمات "حماس" في عدة مناسبات خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

المحاولات الرسمية البريطانية لحظر "حزب التحرير" قائمة منذ نحو 19 عاماً، لكن أياً منها لم ينجح لأسباب مختلفة، وخلال العقد الماضي حُظرت الجماعة التي تدعو لـ"إمارة تشمل الدول الإسلامية"، من قِبَل حكومات عدة في آسيا وإفريقيا وأوروبا، ورغم ذلك ما زالت تعمل في 32 دولة حول العالم، وفق تقارير مختلفة.

أسباب التصنيف وأبعاده

وزير الداخلية البريطاني جيمس كليفرلي برر قرار إدراج جماعة "حزب التحرير" على قوائم الإرهاب بقوله: "إنها معادية للسامية وتحرّض على العنف في البلاد".

وانطلق الوزير البريطاني من دعوة الجماعة إلى "الجهاد ضد إسرائيل" خلال مشاركتها في مسيرة احتضنتها العاصمة لندن، ودعت إلى وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وكانت صحيفة "دايلي ميلي" أول الصحف المحلية التي كشفت مساعي الحكومة البريطانية لحظر "حزب التحرير"، إذ نشرت قبل نحو شهر، أن وزارة الداخلية كلفت فريقاً من موظفي الخدمة المدنية لتتبع نشاط الجماعة بعد 7 أكتوبر الماضي، ولتقديم المشورة بشن إدراجها على "قوائم الإرهاب".

ويمنح القانون وزير الداخلية سلطة تصنيف أي جماعة أو منظمة أو حزب "منظمة إرهابية" إذا ظهر اهتمامها بالعنف، وبدا من المناسب وقف كل أنشطتها في الدولة.

ومن المقرر أن يدخل قرار حظر "حزب التحرير" حيز التنفيذ اعتباراً من 19 يناير الجاري، إذا وافق البرلمان على توجّه الحكومة، وأيَّد قرارها في هذا الخصوص.

وقالت الباحثة في الشأن البريطاني جاسمين كلير إن حظر "حزب التحرير" يعكس تغيّراً في المزاج السياسي إزاء تيارات الإسلام السياسي.

وأوضحت كلير في حديثها لـ"الشرق" أن التعامل مع هذه التيارات قد يختلف في المستقبل، على ضوء تجربة التظاهرات المؤيدة لفلسطين، وما حملته من ردود فعل لم تكن باعتبارات الأجهزة الأمنية.

وأشارت إلى أن أدبيات "حزب التحرير" تتشابه في مواطن كثيرة مع تيارات إسلامية أخرى في الدولة، متسائلة بشأن "حقيقة ما تخفيه هذه التيارات من توجهات مبطنة نحو العنف أو الإرهاب"، قد تظهر نتيجة لمواقف داخلية أو خارجية. وترى أن هذا التساؤل يُطرح جدياً في أروقة السياسة البريطانية.

تأييد المعارضة العمالية

ولا يبدو أن مجلس العموم البريطاني قد يعترض على تصنيف حزب التحرير "منظمة إرهابية"، ليس فقط لأن حزب المحافظين "الحاكم" يمتلك أكثرية مطلقة في البرلمان بنحو 360 نائباً من أصل 650، ولكن لأن حزب "العمال" الذي يقود المعارضة، أيَّد الخطوة ودعم "المحافظين" في هذا القرار العاجل بالنظر إلى تاريخ علاقة الدولة مع الحزب.

من جهتها، قالت وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية إيفيت كوبر، إن حزبها يؤيد مقترح الحكومة بحظر أنشطة "حزب التحرير" في المملكة المتحدة، لافتة إلى أن "العمال" يرحب بهذه الخطوة التي اتُّخذت من قِبَل الجهات الرسمية "بعد بحث دقيق وعاجل في الأدلة التي توافرت بشأن التهديد الذي تمثله هذه الجماعة على أمن البلاد".

ويتعارض موقف حزب العمال اليوم مع توجهات زعيمه الحالي كير ستارمر عندما كان محامياً ومثَّل "حزب التحرير" في دعوى اعتراض الحزب على حظر من قِبَل الحكومة الألمانية عام 2008. وتقول صحيفة "ذي جارديان" إن ستارمر كان واحداً من فريق المحامين الذين قبلوا الدفاع عن الجماعة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وفي المقابل، يدافع حزب العمال عن ستارمر بالقول إنه قَبِل هذه القضية بموجب التزامه في خوض أي مهمة تتوافق مع تخصصه، إذ كان حينها محامياً مختصاً بحقوق الإنسان، ولكن "تبرئة" ستارمر من شبهة دعم جماعة "حزب التحرير" لا تلغي حقيقة أن "العمال" فشلوا مرتين في حظرها عندما كانوا على رأس السلطة في 2005 و2007.

قرار مؤجل منذ عقود

برزت جماعة "حزب التحرير"، كأحد أكثر حركات تيار الإسلام السياسي إثارة للجدل في بريطانيا، مطلع التسعينيات تحت قيادة عمر بكري محمد الملقب بـ "آية الله توتنهام"، ثم تركها عام 1996 ليؤسس جماعة "المهاجرين" الأكثر تشدداً، أما القادة اللاحقون لها، فتجنبوا التحريض على العنف، واكتفوا بالدعوة إلى "إقامة إمارة تشمل كل الدول المسلمة حول العالم".

وفي عام 2005، سعت حكومة العمال آنذاك برئاسة توني بلير إلى حظر "حزب التحرير" في أعقاب هجمات 7 يوليو في لندن، لكن تقييم الجهات المختصة نصح بعكس ذلك.

وبعدها بعامين أعاد حزب المحافظين المعارض حينها طرح الفكرة، لكن وزير الداخلية العمالي جون ريد، رفض وصف الجماعة بـ"الإرهابية" لعدم كفاية الأدلة.

وبحسب الباحث والمؤرخ البريطاني جون ماكهوجو، قُدمت عريضة إلى مجلس العموم لحظر "حزب التحرير" في عام 2012، وكانت حينها السلطة بيد المحافظين تحت قيادة ديفيد كاميرون، لكن العريضة لم تحصل على الأصوات المطلوبة لمناقشتها في البرلمان، كما لم يبادر الحزب الحاكم لطرح الخطوة بنفسه على النواب.

ولفت ماكهوجو إلى أن جماعة "حزب التحرير" حافظت على كونها "حركة سياسية ذات طابع ديني لا تُحرّض على العنف، منذ عقد ونصف تقريباً"، إذ حرصت على ذلك خشية أن تحظرها بريطانيا، كما فعلت دول مثل "ألمانيا، وروسيا، وهولندا"، ويبدو أن الأجهزة الأمنية في لندن فضَّلت عدم دفع "حزب التحرير" للعمل السري.

الأبعاد القانونية للحظر

تأسست جماعة "حزب التحرير" في عام 1953، وتنتشر في 32 دولة حول العالم، من بينها بريطانيا التي عملت فيها علناً منذ عقود. وزعيمها الحالي طبيب يُعرف بـ"عبد الواحد"، واسمه الحقيقي وحيد آصف شيدا، وكان قد حلَّ ضيفاً على برنامج "بيرس مورجان" قبل نحو شهر. أما اليوم فيحظر على أي فرد أو مؤسسة في الدولة التعامل معه أو مع جماعته، وذلك بعد دخول قرار الحظر حيز التنفيذ.

كما يحظر نشاط جماعة "حزب التحرير" في عدة أماكن على امتداد قارة آسيا والمنطقة العربية، مثل "مصر، وبنجلاديش، وباكستان"، وبموجب قرار حكومة لندن يمكن أن يعاقب بالسجن أو الغرامة المالية كل بريطاني ينخرط أو يتعامل مع جماعة مصنفة على "قوائم الإرهاب" وفق القانون رقم 2000.

ويحظر على البريطانيين الانتماء إلى جماعة "حزب التحرير" أو الترويج لها أو حمل شعاراتها في أماكن عامة، كما يحظر على الجماعة ذاتها عقْد اجتماعات أو ممارسة أنشطة سياسية أو الدعوة إلى تجمعات، ومخالفة هذا، يُعتبر جريمة جنائية يحاسب عليها القانون بالسجن مدة تصل لـ14 عاماً أو غرامة بقيمة 5 آلاف جنيه إسترليني.

وبموجب "قانون الإرهاب" لعام 2000، حظرت لندن حتى اليوم نحو 80 منظمة وحزب حول العالم، من بينها حركة "حماس"، وجماعة "حزب الله" اللبناني.

تصنيفات

قصص قد تهمك