هل أصبح ترمب "المرشح الحتمي" للجمهوريين في 2024؟

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتوسط  نجليه إريك ترمب ودونالد ترمب جونيور، خلال كلمة في ولاية أيوا. 15 يناير 2024 - Getty Images via AFP
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتوسط نجليه إريك ترمب ودونالد ترمب جونيور، خلال كلمة في ولاية أيوا. 15 يناير 2024 - Getty Images via AFP
واشنطن -رشا جدة

حمل الفوز الكبير الذي حققه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا، الاثنين، رسائل هامة، كاشفاً عن هيمنته القوية داخل الحزب الجمهوري، وعزمه الحصول على ترشيح حزبه للانتخابات الرئاسية المقرر في نوفمبر المقبل.

واعتبر خبراء ومحللون أميركيون أن فوز ترمب، في ولاية أيوا، يحمل رسائل هامة، من بينها أنه أصبح "المرشح الحتمي"، وأن إنكاره المستمر لنتيجة انتخابات 2020 أقنع الملايين بالفعل، وأن الاتهامات القانونية الموجهة إليه غير كافية لصرف الناخبين عنه.

"تماسك جمهوري" حول ترمب

لم تخالف نتائج الانتخابات التمهيدية التوقعات، بل زاد ترمب عليها رقماً قياسياً بفوزه بفارق 30 نقطة مئوية عن أقرب منافسيه، متجاوزاً المرشح الجمهوري السابق بوب دول، الذي خاض الانتخابات الداخلية للحزب 3 مرات، وكان مرشحه للرئاسة في انتخابات عام 1996، لكنه خسر أمام بيل كلينتون.

وحصل ترمب على 51% من الأصوات، وجاء حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس في المركز الثاني بـ 21%، متقدماً بهامش ضئيل على سفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكي هيلي التي حصلت على 19%.

وأظهر فوز ترمب بأصوات أكثر من نصف ناخبي الولاية، تماسك الحزب الجمهوري حوله لـ8 سنوات متتالية، على الرغم من مواجهته 91 تهمة جنائية في 4 لوائح اتهام، وهو ما قد يعزز خطواته في الطريق نحو الترشح للمرة الثالثة على التوالي.

ولم يكن فوز ترمب في أيوا مفاجئة للكثيرين، لكن حجم الفوز ومضاعفة حصته من الأصوات في الولاية، منذ عام 2016، أثار دهشة المحللين، ففي انتخابات 2016، احتل المركز الثاني بنسبة 24% مقابل 28% للسيناتور الجمهوري تيد كروز، لكن الاثنين الماضي، تكاد أصواته تساوي مجموع أصواته وأرقام كروز معا في عام 2016.

"إنكار مقنع.. وتهم غير كافية"

خبير الدراسات السياسية في مركز جامعة فيرجينيا للسياسة، كايل كونديك، وصف أداء ترمب بأنه "قوي للغاية" ما يسمح له بالفوز بترشيح الحزب.

وقال كونديك لـ"الشرق"، إن ترمب فاز في جميع مقاطعات ولاية أيوا ما عدا مقاطعة جونسون فقط، التي فازت فيها هيلي بفارق صوت واحد، كما فاز ترمب بـ87% من دوائر الولاية.

وأضاف: "أداء ترمب في أيوا كان ضعيفاً عام 2016، لكن اليوم موقفه قوي في معظم المناطق". 

ولفت كونديك، إلى أن فوز ترمب في أيوا يحمل رسائل هامة، من بينها أن إنكاره المستمر لنتيجة انتخابات 2020، أقنع الملايين بالفعل من ناخبي الحزب الجمهوري الذين سعوا لإعادته للسلطة التي فقدها في عام 2020.

وتابع: "الرسالة الأخرى هي أن كل الاتهامات القانونية الموجهة إليه غير كافية لصرف الناخبين عنه، وأن كل مزاعمه بأن التهم سياسية تلقى صدى لدى مؤيديه، وتعزز قبضته داخل الحزب الجمهوري".

 تداعيات فوز ترمب على باقي المرشحين

قبل انتخابات أيوا، توقعت استطلاعات رأي فوز ترمب، وأفادت بأن الناخبين ينظرون إليه باعتباره الأنسب لمنصب الرئيس، حتى لو أدين بارتكاب جريمة.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية والانتخابات والرأي العام في جامعة كولومبيا البريطانية (في كندا)، ريتشارد جونستون، أن الوزن الإضافي الذي أضافته ولاية أيوا، دليل يؤكد أن استطلاعات الرأي تبدو متناغمة حقاً مع الحزب الجمهوري على الأرض. 

وقال جونستون لـ"الشرق"، إن حملة ترمب كانت تروج لفكرة أنه "المرشح الحتمي"، بحيث لا ينبغي للحملات الأخرى أن تضيع وقتها وأموالها، وتنضم إلى السباق. 

وأضاف جونستون، أن "النتيجة عززت وجهة النظر القائلة بأن هيلي تتمتع بميزة أكبر من ديسانتيس، وفي هذه المرحلة، هي الوحيدة التي يمكن قبولها، ولو عن بعد كبديل لترمب.. كان من المفيد لو أنها احتلت المركز الثاني بالفعل، وليس في التعادل القريب". واحتلت هيلي المركز الثالث في نتائج التصويت.

ورأى جونستون، أن فوز ترمب له تداعيات تؤثر في باقي المرشحين المحتملين، إذ أن فوزه جعل المانحين يعيدون التفكير في المرشح الجمهوري الذي يدعمونه، وربما يتوصلون إلى النتيجة نفسها، وهي أن ترمب هو المرشح الواجب ترشيحه بدلاً من إهدار الأموال على منافسيه الآخرين.

صعوبة اتحاد الخصوم

واعتبر أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز السياسة الأميركية في جامعة دنفر، سيث ماسكت، أن تماسك أنصار ترمب من أجله، وتحقيقهم أكبر فوز على الإطلاق في كتلة أيوا المتنازع عليها، من أهم رسائل الجولة الانتخابية.

وقال ماسكيت لـ"الشرق"، إن النتائج تشير إلى أنه حتى لو اتحد جميع خصوم الرئيس السابق في مرشح بديل واحد، "فمن الصعب أن نرى كيف سيهزم هذا المرشح ترمب".

ولا يختلف أحد على أن أداء ترمب في ولاية أيوا كان قوياً، وساعد في تعزيز مكانته باعتباره الخيار الأفضل لحزبه بعد خسارته ولاية ثانية في عام 2020، لكن حصوله على نحو  56 ألف صوت فقط، في الولاية ذات الميول الجمهورية، شكك في سيطرته عليها.

وأرجع الأستاذ في جامعة أيوا، رونالد مكمولين، ضعف نسبة المشاركة إلى حالة الطقس السيئ التي سيطرت على الولاية يوم التصويت.

وقال لـ"الشرق": "كان الجو بارداً جداً في الولاية، لدرجة أن جامعتي طلبت عقد جميع الفصول الدراسية عبر تطبيق (زووم)، وأدركت تلك الليلة أن نسبة المشاركة ستكون أقل من ليالي المؤتمرات الحزبية في السنوات الماضية".

وأوضح مكمولين أن عدد سكان الولاية قليل، ولا يتجاوز 3 ملايين شخص، معتبراً أنه يمكن للبعض أن يجادل بشأن الإقبال "لكن الواقع أن ترمب حصل على أكثر من نصف الأصوات في المؤتمرات الحزبية هذا العام، وهو فوز تاريخي يحسب له".

استمرار ديسانتيس في السباق

باعتبارها المرشحة المفضلة لدى الجمهوريين الذين لم يصوتوا لترمب، احتلت هيلي المركز الثالث في أيوا بفارق 3% مع ديسانتيس، و30% مع ترمب.

وطرحت هيلي نفسها كثيراً بأنها البديل الأقوى لترمب، ودعمتها استطلاعات الرأي وتحليلات الخبراء، وكانت تأمل الوصول إلى هامبشاير في 23 يناير، وهي حاصلة على المركز الثاني بعد ترمب، وليس الثالث.

وكثفت هيلي، في خطابها بعد المؤتمر الحزبي، من هجومها على الرئيس السابق، وقالت: "حملتنا هي الأمل الأخير لوقف كابوس ترمب وبايدن".

واعتبر خبير الدراسات السياسية في مركز جامعة فيرجينيا للسياسة، كايل كونديك، أن تقارب هيلي في النتيجة مع ديسانتيس، يعزز فكرة أن الناخبين الجمهوريين لم يستقروا بعد على بديل لترمب.

ووصف ليلة هيلي في أيوا بـ "السيئة"، موضحاً أنها "كانت تريد أن تحتل المركز الثاني بوضوح وأن تكون البديل الوحيد لترمب، ولكن بدلاً من ذلك، احتل ديسانتيس المركز الثاني ما يجعل هيلي تبدو أضعف، ويعني ذلك أيضاَ أن ديسانتيس سيبقى في السباق بدلاً من الانسحاب، وهو ما كان من الممكن أن يحدث لو كان أداؤه أضعف في ولاية أيوا".

ويرى كونديك أنه من الأفضل الحُكم على أداء هيلي بعد جولتي نيو هامبشاير، وكارولينا الجنوبية "موطنها"، مشيراً إلى أن ائتلافها الداعم، الذي يهيمن عليه خريجو الجامعات والجمهوريون الأكثر اعتدالا، "ليس هو الذي يأتي عادة بالمرشحين الجمهوريين".

نيو هامبشاير.. فرصة هيلي

أستاذ العلوم السياسية والانتخابات والرأي العام في جامعة كولومبيا البريطانية، ريتشارد جونستون، يتفق مع كونديك، في أن أفضل فرصة لهيلي ستكون في نيو هامبشاير، ولا ينبغي لها إضاعتها.

وأوضح أنه "إذا قررت هيلي البناء على نيو هامبشاير، عليها أن تفوز بالولاية بشكل مباشر، على أن يكون أداء ترمب سيئاً نسبياً، وإذا حدث ذلك فإنه يطرح مسألة قابلية الانتخاب في الانتخابات العامة، وستدعي هيلي حينها أن هذا يشير إلى أن لديها جاذبية أقوى للناخبين في الوسط".

ولا تعد ولاية أيوا مقياساً للفوز بترشيح الحزب، وكان آخر مرشح جمهوري فاز في المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا، وحصل في نهاية المطاف على بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري هو جورج دبليو بوش في عام 2000، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".

وقبل أقل من أسبوع على الانتخابات التمهيدية المقررة في نيو هامبشاير، أظهر استطلاع رأي حديث، أن ترمب يحتل الصدارة في الولاية.

وأفاد الاستطلاع، الذي أجرته "بوسطن جلوب"، وجامعة سوفولك، و"إن بي سي" وظهرت نتائجه، الأربعاء، أن الرئيس السابق سيحصل على دعم 50% من الناخبين الجمهوريين المحتملين في الولاية تليه هيلي بنسبة 34% بينما حصل ديسانتيس على 5% فقط.

وقال كونديك إنه من الممكن أن يخسر ترمب نيو هامبشاير لصالح هيلي، مشيراً إلى أن ولاية نيو هامبشاير أكثر اعتدالاً وأقل تديناً من أيوا (الأوساط المحافظة أكثر دعماً لترمب) وغيرها من الولايات التمهيدية الجمهورية الرئيسية الأخرى، لكنه في الوقت نفسه، لا يعتقد أن خسارة ترمب، في هامبشاير تغير السباق بشكل جذري.

احتمالات خسارة ترمب

اعتبر كونديك، أنه "من المفيد أن يضطر ترمب إلى الخسارة في نيو هامبشاير وساوث كارولينا، ليجد نفسه في سباق حقيقي".

في المقابل استبعد ماسكيت خسارة ترمب في نيو هامبشاير، ومع ذلك، أشار إلى استطلاعات الرأي التي تبين أن هامش السباق في الولاية ضيق نوعا ما، "وقد ينتهي الأمر بالمستقلين إلى التصويت في الانتخابات التمهيدية، لذا فمن المعقول أن يخسر". 

لولاية نيو هامبشاير تاريخ من خسارة المرشحين الأقوياء، ومن أبرزهم جورج دبليو بوش عام 2000، أمام جون ماكين، على الرغم من حصوله على قدر كبير من الدعم الحزبي، لذلك يرى ماسكيت أنه "إذا خسر ترمب في نيو هامبشاير، فسيُنظر إلى ذلك على أنه مؤشر على عدم اتحاد الحزب الجمهوري بأكمله خلفه، لكن من المرجح ألا يؤدي ذلك إلى إبطاء طريقه نحو الترشيح".

واتفقت أستاذة الشؤون الحكومية والمديرة الأكاديمية لمعهد إدارة الحملات بالجامعة الأميركية بواشنطن، كانديس نيلسون، مع ماسكيت، في أن فوز ترمب في أيوا يزيد زخمه.

وقالت لـ"الشرق": "حتى لو جاء ترمب في المركز الثاني في نيو هامبشاير، فلن تؤثر النتائج الأولية المتبقية على فرصه في الحصول على بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري. 

لا بديل عن "مباراة العودة" بين ترمب وبايدن

يراهن ترمب على تسريع عملية اختيار مرشح الحزب الجمهوري من خلال سلسلة من الانتصارات التمهيدية المبكرة، وإجبار المنافسين الآخرين على الانسحاب من السباق.

ويدفع فوز ترمب في أيوا نحو "مباراة العودة" المتقاربة ضد الرئيس الديمقراطي جو بايدن، في الانتخابات التي تجرى في نوفمبر 2024.

وحتى قبل الفوز في أيوا، توقعت استطلاعات الرأي وجود مباراة عودة بين بايدن وترمب على غرار انتخابات 2020. ومع فرضية فوز ترمب ببطاقة ترشيح الحزب الجمهوري، يتمسك الحزب الديمقراطي بدعم بايدن لخوض السباق الرئاسي، دون تغيير في الخطط. 

واعتبرت نيلسون، أنه "من المؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن ترمب سيكون المرشح الجمهوري، وبايدن سيكون المرشح الديمقراطي، ومع توقع تلك الفرضية بشكل كبير، سيكثف الديمقراطيون جهودهم لإقناع الناخبين بالشكل الذي ستبدو عليه ولاية ترمب الثانية، بدءاً من الانتقام من خصومه السياسيين وتقويض الديمقراطية".

واتفق كونديك مع نيلسون في أن الأمر محسوم نوعاً ما، قبل ولاية أيوا وبعدها، موضحاً أن نتائج ولاية أيوا تزيد من احتمالات ذلك مع استمرار ترمب في إحكام قبضته على الناخبين الجمهوريين.

وأضاف: "ليس لدى بايدن أي معارضة حقيقية في الانتخابات التمهيدية لحزبه، ولم يظهر أي مؤشر على رغبته في التنحي طواعية.. إن سيطرة بايدن على ترشيح الحزب الديمقراطي آمنة للغاية، ولا يملك أي من منافسي بايدن أي فرصة حقيقية للفوز بالترشيح".

ماسكيت اعتبر أيضاً أن ترشح بايدن محسوم، إلا إذا حدث أي تدهور كبير في صحته، مشيراً إلى أن "الديمقراطيين وحدوا صفوفهم دعماً له".

في المقابل رأى جونستون، أنه ربما يكون هناك بديل أقوى من بايدن، لكن لم يكن هناك اختبار للوضع، ولا مناظرات، ولا انتخابات تمهيدية غير مرئية، ولا أي من الأجهزة المعتادة التي يتم من خلالها تصنيف المتنافسين المفترضين.

ومع حتمية فوز ترمب بالترشح، لفت جونستون إلى أهمية التخفيف من "النزعات نحو الانقسام".

وأضاف: "من شأن السباق أن يخلق حوافز لتعظيم الاختلافات داخل الحزب وتحديداً الحرب على قطاع غزة التي كشفت عن خلافات مريرة في الائتلاف الديمقراطي، وبايدن يائس من وضع حد للصراع، لكن من وجهة النظر الانتخابية، فإن تنحيته أو إسقاطه لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأمور، وفي الوقت نفسه، ينظر الكثيرون إلى ترمب على أنه الأقل تهديداً بين البدائل الجمهورية الموجودة على الساحة الآن".

تصنيفات

قصص قد تهمك