بعد نحو 5 عقود على محاولاتها دخول مجال الطاقة النووية، تسير مصر بخطى متسارعة نحو تحقيق طموح الانضمام إلى نادي الطاقة النظيفة والمتجددة، بما يحمي اقتصادها من تقلبات أسعار النفط.
ويأتي اقتراب مصر من تحقيق طموحها النووي، بعد تدشين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، الوحدة النووية الرابعة في محطة الطاقة النووية الجاري إنشائها في الساحل الشمال غربي لمصر.
وأشار خبراء مصريون، إلى أن الخطوات المصرية في ضم الطاقة النووية إلى منظومتها، يعود إلى رغبة حكومية في "حماية اقتصادها من التقلب في أسعار النفط العالمية، والتوسع في الطاقة المتجددة"، عن طريق الاعتماد على مشروعها النووي الذي تتعاون فيه مع روسيا.
وشهد الرئيسان المصري والروسي، خلال مكالمة عبر الفيديو، الثلاثاء، مراسم "بدء صب الخرسانة" التي ستستخدم كأساس للوحدة النووية الرابعة في محطة الطاقة النووية الجاري إنشاؤها بمنطقة الضبعة، بالتعاون مع شركة "روساتوم" الروسية.
وقال السيسي، خلال كلمته، إن المشروع "يمضي بوتيرة أسرع من المخطط الزمني، بما يعكس الأهمية البالغة التي توليها مصر لقطاع الطاقة، باعتباره ركيزة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، ويعتبر إنجازاً جديد في ملف التعاون الثنائي مع روسيا، ويسمح لمصر بالبدء في المرحلة التالية في بناء المفاعلات النووية".
وأشار إلى أن إضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة الذي تعتمد عليه مصر لإنتاج الكهرباء، "يكتسب أهمية حيوية، للوفاء بالاحتياجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية اللازمة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويسهم في زيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، بما يحقق الاستدامة البيئية، والتصدي لتغير المناخ".
من جانبه، وصف بوتين المحطة بأنها "أهم المشروعات بين روسيا ومصر"، معتبراً أن ذلك "يساهم في إنشاء قاعدة للصناعات الحديثة، وإتاحة فرص عمل للمتخصصين"، مؤكداً أن المحطة ستوفر طاقة نظيفة هائلة، لدعم قطاعات الصناعة في مصر.
"مرحلة الإنشاءات الكبرى"
وتعقيباً على تطورات المشروع النووي المصري، قال المتخصص في شؤون الطاقة، أحمد سلطان لـ"الشرق"، إن مصر تستهدف التوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة، لافتاً إلى أن استراتيجية الطاقة المستدامة لعام 2035 تهدف إلى زيادة مساهمة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية.
وتابع سلطان: "من المقرر أن يصل إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة عام 2035، مقارنة بـ20% عام 2022، وإدخال الطاقة النووية بنسبة حوالي 3%".
وأضاف أن هذه المرحلة من الصب الخرساني تعتبر بداية مرحلة الإنشاءات الكبرى لكل الوحدات النووية في المشروع، لافتاً إلى أنه "من المقرر وفق الجدول الزمني المحدد، الانتهاء منها في عام 2028، ودخولها مرحلة التشغيل".
وبيّن سلطان أن مصر تهدف إلى حماية اقتصادها الوطني من حالة التذبذب، والتقلب في أسعار النفط العالمية، وذلك عن طريق سرعة ضم الطاقة النووية إلى منظومة الطاقة المصرية، واستخدامها في العديد من المجالات المختلفة.
ومحطة الضبعة النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقول "روساتوم" إنها تضم 4 مفاعلات من الجيل (3+) العاملة بالماء المضغوط بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات بواقع 1200 ميجاوات لكل منها، وهي من الجيل الثالث المطور.
وهناك أربع مجموعات مع مفاعلات من هذا الجيل قيد التشغيل في روسيا منها مفاعلان في كل من محطتي نوفوفورونيج، ولينينجراد للطاقة النووية، وفي شهر نوفمبر من عام 2020 تم توصيل مجموعة طاقة بمفاعل VVER-1200 في محطة الطاقة النووية البيلاروسية.
وبحسب الالتزامات التعاقدية بين مصر وروسيا، فإن موسكو لن تبني المحطة فحسب، بل ستقوم أيضاً بتزويدها بالوقود النووي الروسي طوال دورة حياة محطة الطاقة النووية، كما ستقدم للشركاء المصريين المساعدة على تدريب الكوادر، والدعم في التشغيل، والصيانة للمحطة خلال السنوات العشر الأولى من تشغيلها، وفي إطار اتفاقية أخرى، سيقوم الجانب الروسي ببناء منشأة تخزين خاصة، وتوفير حاويات، لتخزين الوقود النووي المستنفد.
مواصفات الأمان في مشروع الضبعة
وقال الرئيس السابق لهيئة الأمان النووي المصري كريم الأدهم، إن المفاعل الجديد يحمل مواصفات أمان عالية، وتم اختيار موقعه بعناية شديدة.
وأوضح الأدهم لـ"الشرق" أن محطة الضبعة من الجيل الجديد للمفاعلات النووية، منبهاً أنها تنتمي إلى "الجيل الثالث المتطور" الذي يتوافر فيه عناصر أمان ذاتية عالية جداً، بحيث تستطيع التكيف ذاتياً مع أي ظروف تحدث أثناء التشغيل.
وأشار الرئيس السابق لهيئة الأمان النووي المصري، إلى أن "العالم أصبح أكثر تطوراً، في ظل تراكم الخبرات في بناء وتشغيل المفاعلات النووية"، ما ساعد في بناء أجيال جديدة من المفاعلات أكثر أماناً.
ولفت إلى أن هناك عدة عناصر تحكم اختيار مكان بناء المفاعل، أبرزها: اختيار الموقع الجغرافي من حيث الثبات الزلزالي، والبركاني، وكذلك مواقع المياه الجوفية، بجانب اختيار التربة المناسبة، وتحديد حركة الأمواج، والظروف الجوية.
ومضى قائلاً إن عمر المفاعل يتراوح من 60 إلى 80 عاماً، وينتج نحو 1000 ميجا وات، وهو ما يحتاج إلى 2 مليون طن بترول، أو 2.6 مليون طن فحم، فيما يكفي 50 طن يورانيوم لإنتاج هذه الطاقة.
أوجه التعاون المصري الروسي
وترى أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة نورهان الشيخ، أن التعاون المصري الروسي يشمل مجالات مختلفة ما بين الاقتصاد، والسياسية، والتسليح، مشيرة إلى أن البلدين يتعاونان في إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة على ضوء الحرب في غزة.
ولفتت إلى أن مواقف الجانبين تتقارب بشكل عام، معتبرة أن "الدور الروسي في غاية الأهمية لحل القضية الفلسطينية، كون موسكو عضواً دائماً في مجلس الأمن، ولديها صوت مسموع في عملية التسوية المنتظرة عقب وقف إطلاق النار".
وقالت الشيخ لـ"الشرق"، إن روسيا تعتبر شريكاً مهماً لمصر، وداعمة للمصالح والأمن القومي المصري، مشيرة إلى أن موسكو مُصدر رئيسي للقمح إلى القاهرة، وتشكل وارداتها منه 40% من إجمالي الاحتياجات المصرية، إضافة إلى تصدير الآلات الزراعية المتنوعة.
وتفيد بيانات حكومية مصرية إلى ارتفـــاع قيمـــة التبادل التجاري بين مصر وروسيا لتصل إلى 5.1 مليار دولار خلال الـ11 أشهر الأولى من 2023، مقابل 4.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2022، بنسبة ارتفاع قدرها 14%.
وسجلت قيمة الاستثمارات الروسية في مصر 141.2 مليون دولار خلال العام المالي 2022/2023، مقابل 64.9 مليون دولار خلال 2021/ 2022، بنسبة ارتفاع قدرها 117.6%.