مخاوف إسرائيلية من "كابوس" إعادة احتلال القطاع.. وشكوك بشأن القدرة على هزيمة حماس

إسرائيل بعد 110 أيام من حرب غزة.. "مكاسب مهددة" وأسئلة أمنية محرجة

جنود إسرائيليون وآليات عسكرية خلال المعارك في قطاع غزة بينما يتواصل القصف والغارات الجوية. 23 يناير 2024 - Reuters
جنود إسرائيليون وآليات عسكرية خلال المعارك في قطاع غزة بينما يتواصل القصف والغارات الجوية. 23 يناير 2024 - Reuters
دبي -الشرق

اعتبر مسؤولون عسكريون وأمنيون إسرائيليون، أن مكاسب إسرائيل من الحرب على غزة "مهمة"، لكنها "غير مكتملة ومهددة"، في ظل عدم وجود استراتيجية لما بعد انتهاء الحرب، مع بدء انسحاب الجيش الإسرائيلي التدريجي من قطاع غزة، حسبما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وتحدثت الصحيفة إلى 7 مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين وجنود احتياط، طلب معظمهم عدم كشف هوياتهم، بشأن تقدم الحرب على غزة، وأهدافها النهائية، ومناقشة الاستراتيجية العسكرية الحساسة.

واعتبر مسؤول عسكري إسرائيلي، أن الحرب أضرّت بحركة "حماس"، كـ"كيان إرهابي"، على حد وصفه، مستدركاً: "لكن هذه ليست مهمة يمكن إنجازها في 3 أشهر".

وعلى الرغم من استمرار القتال البري العنيف في خان يونس وأجزاء أخرى من جنوب قطاع غزة، إلا أن الجيش الإسرائيلي يقول إنه يبتعد عن القصف واسع النطاق، وينتقل إلى حملة أكثر تركيزاً من الغارات والاغتيالات المستهدفة، بهدف القضاء على القيادة العسكرية لـ"حماس".

أحد المسؤولين العسكريين، اعتبر أن العملية البرية والجوية في غزة نجحت فعلياً في تفكيك غالبية ألوية "حماس" الخمسة المكونة من 24 كتيبة، يضم كل منها ما يصل إلى 1400 مقاتل. مشيراً إلى أن أكثر من 100 قائد لقوا مصرعه.

وذكر مسؤولون إسرائيليون، أن 17 كتيبة من أصل 24 تابعة لـ"حماس" تعطلت، معظمها في الأجزاء الوسطى والشمالية من القطاع، لدرجة أنها تُشبه إلى حد كبير مجموعات صغيرة من المقاتلين بدلاً من الوحدات العسكرية المناسبة، لكن المسؤولين يعترفون بأن الحركة لا يزال لديها الآلاف من المقاتلين.

وقال البريجادير جنرال، عساف أوريون، ضابط الاحتياط الذي كان في الخدمة الفعلية بعد هجمات 7 أكتوبر: "لا يعني هذا أن (حماس) انتهت، لكنها بالتأكيد لا تستطيع أن تفعل ما فعلته في 7 أكتوبر".

ويرى الجيش الإسرائيلي أن "9 آلاف مقاتل فلسطيني على الأقل لقوا حتفهم حتى الآن"، أي أقل من ثلث المقاتلين الذين تقودهم "حماس"، والذين يزيد عددهم عن 30 ألفاً بحسب التقديرات. كما لا يزال رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة، يحيى السنوار، وكبار مساعديه طلقاء. ولم تنشر الحركة أرقاماً لخسائرها من المقاتلين في الحرب، ولم ترد على طلبات "واشنطن بوست" للتعليق.

ويواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الإصرار على أن القضاء التام على الحركة لا يزال هدف الحرب، وقال، الخميس: "هذه ليست مجرد مسألة ضرب (حماس)، هذه ليست جولة أخرى.. هذا انتصار كامل".

ومنذ بداية الحرب، تبنى القادة العسكريون الإسرائيليون، وجهة نظر أكثر براجماتية، معتقدين أنه في ظل الظروف الحالية، يمكن إضعاف الحركة، ولكن ليس تدميرها. وبينما تبدأ إسرائيل في تقليص عملياتها في غزة، فإن هذا التوتر غير المعلن يمتد إلى الرأي العام.

وفي مقابلة أجريت معه أخيراً، انتقد جادي آيزنكوت، قائد الجيش الإسرائيلي سابقاً، الذي لقي ابنه حتفه في غزة الشهر الماضي، نتنياهو، قائلاً إنه يسرد "حكايات طويلة" عن الحرب.

وأضاف: "لم نتوصل إلى إنجاز استراتيجي.. لم نقضِ على (حماس)".

خلال الحرب الجارية على قطاع غزة، تبيّن أن شبكة أنفاق "حماس"، أكثر اتساعاً بكثير من تقديرات الجيش الإسرائيلي السابقة، إذ تمتد لأكثر من 300 ميل (نحو 483 كيلو متر) في الجنوب وحده، وفقاً للمسؤول العسكري.

قتال متقلب

واكتشف الجيش الإسرائيلي أكثر من 5600 فتحة أنفاق، وفقاً لمسؤول أمني سابق اطلع على المعلومات الاستخباراتية، دمر الجيش العديد منها، لكن نطاق هذه الشبكة، التي بنيت سراً على مدى سنوات عديدة، يعني أنه من غير المرجح تفكيكها بالكامل.

وقال المسؤول الأمني السابق إن غالبية الاغتيالات الإسرائيلية في غزة، استهدفت أعضاء من ذوي الرتب المنخفضة إلى المتوسطة، كجزء من استراتيجية لتجريد المجموعة من "كتلة حرجة" من المقاتلين.

ومع ذلك، لا تزال خلايا صغيرة من مقاتلي "حماس" ممن يختبئون في الأنفاق وأنقاض المباني المدمرة، تُشكل تهديداً فتاكاً، بحسب "واشنطن بوست".

ولقي 21 جندياً إسرائيلياً مصرعهم، الاثنين، عندما أطلق مقاتلو "حماس" قذيفة على دبابتهم، بينما كانوا يفخخون أحد المباني تمهيداً لهدمه، في الحدث الأكثر دموية لقوات الجيش الإسرائيلي في غزة. ومنذ بدء التوغل البري، لقي 217 جندياً إسرائيلياً مصرعهم، وفق تقديرات تل أبيب.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاجاري، للصحافيين، الثلاثاء، إن عدد القوات وشدة القتال في غزة "سيستمران في التقلب".

وأضاف: "ستكون هناك حاجة إلى المزيد من جنود الاحتياط في جميع ساحات القتال، وبالتالي فإن الجيش الإسرائيلي يعمل من خلال تحرير القوات وتركيز أنشطتنا".

ولم يكشف المسؤولون الإسرائيليون عن عدد القوات التي لا تزال في غزة وعدد الجنود الذين انسحبوا.

ولا تزال 3 ألوية مقاتلة على الأقل على الأرض، وفقاً لبيان صادر عن الجيش الإسرائيلي في وقت سابق من الشهر الجاري، فيما انسحب لواء جولاني، وهو وحدة مشاة خاصة، من الشجاعية في مدينة غزة، الشهر الماضي.

وتقول إسرائيل إنها دمرت الآلاف من مخزونات الأسلحة، ومواقع إنتاج الصواريخ، وفتحات الأنفاق على مدى 3 أشهر من المعارك المكثفة، ولكن دون استراتيجية "اليوم التالي" للحرب، فإن هذه الإنجازات يمكن أن تكون عابرة، وفقاً للمسؤولين.

أسئلة أمنية حرجة

ولكن تبقى كيفية منع "حماس" المتضررة من إعادة بناء نفسها سؤالاً مفتوحاً ومحيراً لقادة الجيش. وسيُحدد الكيان الذي يدير غزة في النهاية، سواء كانت السلطة الفلسطينية، كما تدعو الولايات المتحدة، أو قوة دولية، وهو فكرة روّج لها بعض المسؤولين الإسرائيليين، ما إذا كانت قوات الجيش الإسرائيلي يُمكنها العمل من مواقع دائمة داخل القطاع أم الاستجابة من قواعد عبر الحدود.

وأشارت "واشنطن بوست"، إلى "أسئلة أمنية حرجة" أخرى، إذ يقول مسؤولون عسكريون إسرائيليون، إن منع "حماس" من إعادة التسلح بوسائل خارجية سيتطلب تأمين معبر رفح على الحدود بين غزة ومصر. وبالفعل، يُعارض مسؤولون مصريون خطة إسرائيل للحفاظ على السيطرة على منطقة عازلة على طول الحدود، حيث انتشرت أنفاق التهريب في الماضي.

وهناك أيضاً القضية الملحة المتمثلة في وجود أكثر من 100 رهينة لا يزالوا في الأسر، وأقام أقارب الرهائن مخيماً خارج منزل نتنياهو الخاص، مطلع الأسبوع، ودعوا الحكومة إلى فعل أي شيء ضروري لضمان إطلاق سراحهم. والشهر الماضي، قتل الجيش الإسرائيلي عن طريق الخطأ 3 أسرى فروا من خاطفيهم.

وكتب هين أفيجدوري، الذي سبق احتجاز زوجته وابنته في غزة لمدة شهرين تقريباً قبل إطلاق سراحهما خلال الهدنة القصيرة في نوفمبر: "إذا تخلت إسرائيل عن رهائنها، فإن 1200 جندي ومواطن لقوا حتفهم في 7 أكتوبر سيكونون ماتوا عبثاً". وأضاف "لا يوجد نصر دون عودة الرهائن".

كابوس احتلال غزة

وتُظهر استطلاعات الرأي أن بقاء الجيش الإسرائيلي في الداخل سيكون بمثابة إعادة احتلال لغزة، وهو هدف يدعمه ساسة يمينيون متطرفون، لكن واشنطن ومعظم الإسرائيليين يعارضونه بشدة.

وبحسب المصدر العسكري، فإن الوجود الأمني طويل الأمد، الذي من شأنه أن يُبقي إسرائيل مسؤولة عن المدنيين الفلسطينيين، ويعرض القوات لتهديدات مستمرة، سبق رفضه باعتباره "سيناريو كابوسي" من قبل معظم أجهزة الأمن.

وسيكون العمل من خارج القطاع ممكناً عملياً، لكنه يتطلب شراكة أمنية مع السلطات الحاكمة، على غرار اتفاق إسرائيل مع السلطة الفلسطينية في أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، بحسب "واشنطن بوست".

وقال البريجادير جنرال عساف أوريون، إن "جز العشب"، وهو المصطلح الذي يُطلق على استراتيجية إسرائيل السابقة المتمثلة في إقامة ردع مؤقت من خلال الحد من قدرات الجماعات الفلسطينية المسلحة، وليس القضاء عليها، يميل إلى أن يصبح أكثر خطورة بمرور الوقت. 

وأشار إلى غارات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، والتي أصبحت مميتة بشكل متزايد لكلا الجانبين، خلال العام الماضي، مع تدفق الأسلحة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتصاعد المقاومة المسلحة.

وتابع: "تُمثل غزة تحدياً على مستوى أعلى بكثير".

وذكر المسؤول الأمني الإسرائيلي السابق أنه دون جهد دولي متضافر للحد من قوة "حماس" في غزة بعد الحرب، فإن خطر إعادة تجميع مقاتليها سيظل قائماً دائماً.

واعتبر أن الجيش تعامل بكفاءة مع الجانب العسكري لـ"حماس" حتى الآن، لكن ما سيحدث الآن في غزة، وكيف ستتفاعل الحركة على الصعيدين السياسي والعسكري وكيف ستعيد إحياء قواتها، لا يزال مجهولاً.

تصنيفات

قصص قد تهمك