ترفض نيكي هيلي، المرشحة الأقل حظاً في سباق الترشح للانتخابات الرئاسية الأميركية، الاعتراف بالهزيمة أمام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي نال ترشيحات الجمهوريين في ولايتي آيوا ونيوهامشر، بدلاً من ذلك، تشن هجوماً لاذعاً عليه، وأيضاً على مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن.
كان ترمب يأمل أن ينهي فوزه الكبير في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في آيوا ونيوهامشر، بانسحاب هيلي من السباق بعد فوزه، لكن الأخيرة أصرت على استكمال السباق في رهان على الانتخابات التمهيدية الرئيسية التالية في ولايتها الأصلية ساوث كارولاينا في 24 فبراير.
رغم استثمار هيلي في ساوث كارولينا وإنفاق الكثير من الأموال في الدعاية، ورغم خصوصية الولاية التي وُلِدَت فيها، وأصبحت حاكمة لها لدورتين، تظهر استطلاعات الرأي أن هيلي تتجه نحو خسارة ثالثة حاسمة في هذه الولاية، إذ تتخلف كثيراً عن ترمب في استطلاعات الرأي.
ومع رفض هيلي الانسحاب من السباق، تحولت العلاقة بينها وبين ترمب من التنافس السياسي إلى العداء، بعد أن كانت المنافس المفضل له والوحيدة التي حظيت بدعمه قبل الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
وقالت هيلي للصحافيين، الخميس، إنها "ليست ذاهبة إلى أي مكان"، وأضافت: "لدينا بلد لإنقاذه، وأنا عازمة على مواصلة الطريق حتى النهاية، أنا باقية".
ويرى خبراء ومحللون تحدثوا لـ"الشرق"، أن "ذكاء هيلي مكنها من الخروج من إدارة ترمب"، بوصفها سفيرة الأمم المتحدة السابقة في عام 2018، ولكن المنعطف الذي دخله السباق التمهيدي، ينذر بكسبها العداء الطويل الأمد مع ترمب وأنصاره.
محطات في علاقة هيلي بترمب
مرت علاقة هيلي وترمب بمحطات مختلفة، وفي كل مرة، ساعدها ذكاؤها على تجاوز الأزمات بهدوء، لكن يبدو أن بقاءها في السباق، إذا استمرت في تصميمها عليه، سيكلفها الكثير.
في عام 2016، وقفت هيلي ضد ترمب في سباق الحزب الجمهوري للترشح للرئاسة، وحذرت علناً من "عنصريته"، في حين ساندت عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، ماركو روبيو.
لكن بعد وصول ترمب إلى البيت الأبيض، وتولي هيلي منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، تراجعت هيلي عن تلك الآراء، وبدا التحالف بينها وبين الرئيس السابق جلياً للجميع. ثم بعد عامين فقط من عملها سفيرة الولايات المتحدة، استقالت هيلي من منصبها دون إثارة أي متاعب مع ترمب.
وفي عام 2021، ألمحت هيلي إلى رغبتها في خوض السباق الرئاسي لعام 2024، لكنها لم تعلن ذلك رسمياً، قائلة: "لن أترشح إذا ترشح الرئيس ترمب، وسأتحدث معه بشأن ذلك".
وبمباركة ترمب نفسه، دخلت هيلي السباق الجمهوري للحصول على ترشيح الحزب للرئاسة، وكانت الوحيدة من بين المنافسين الآخرين التي حظيت بدعمه. وصرح ترمب حينها: "على الرغم من أن نيكي هيلي قالت لن أترشح أبداً ضد رئيسي، وأنني كنت رئيساً عظيماً، وأفضل رئيس في حياتها، إلا أنني أخبرتها أن تتبع قلبها، وتفعل ما تريد القيام به. أتمنى لها التوفيق".
"اجتازت هيلي فترة ترمب بذكاء فريد، وحافظت على توازن نادر في علاقتها به"، وهو ما اعتبره أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيوهامشر، أندرو سميث، "نجاحاً لافتاً" سمح لها بانتقاده في بعض الأحيان والإشادة به في أحيان أخرى.
وأشار سميث في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أن هيلي كانت سياسية ذكية ولديها شعبية في ولاية ساوث كارولينا، "ما جعلها خياراً جذاباً لمنصب في إدارة ترمب، التي لم تتمتع بالعلاقات السياسية التي تتمتع بها معظم الإدارات الجديدة". وأضاف سميث: "أعتقد أن السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، من نفس ولاية هيلي، كان له يد في التوصية بها لدى ترمب".
ولفت سميث، إلى أن هيلي نأت بنفسها في عام 2018 عندما "رأت الفوضى السائدة في السياسة الخارجية داخل إدارة ترمب، لكنها غادرت بشروط جيدة، ولم تقل شيئاً سيئاً ضده".
وحصلت هيلي بشكل نادر على دعم ترمب للحصول على بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، وهو ما فسره الباحث السياسي ومنسق العلاقات الإعلامية في مركز السياسة التابع لجامعة فيرجينيا، جيه مايلز كولمان، بـ"عدم رؤية ترمب لهيلي كتهديد له".
وأوضح في تصريحاته لـ"الشرق"، أن ترمب لم ينظر إلى هيلي كتهديد حقيقي على الإطلاق، و"وربما اعتقد أنها ستكون أول المنسحبين من السباق الرئاسي، لذلك وجه ضرباته لرون ديسانتيس باعتباره الخطر الأكبر".
ولفت كولمان إلى أن هيلي "امتازت بالفطنة التي لم يدركها ترمب حينها، وهذا الذكاء الاستراتيجي ساعدها على البقاء في موقف قوي مع المانحين من الحزب الجمهوري، وكذلك مع ترمب نفسه وقاعدته الجمهورية".
وفسر أستاذ القانون والسياسة العامة ومدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة "ماركيت"، تشارلز فرانكلين، التقلبات التي حدثت في علاقة هيلي بترمب بوجود صراع كامن في الأصل والذي لم يُعلن عنه.
وأضاف فرانكلين لـ"الشرق"، أن هيلي "كانت من منتقدي ترمب في عام 2016، لكنها انضمت إلى إدارته، ودعمته علناً خلال فترة وجودها في الأمم المتحدة، وعندما استقالت، عقد ترمب معها مؤتمراً صحفياً أشاد فيه بعملها في الأمم المتحدة، وأثنت هي عليه كرئيس، مما جعلها تحافظ على الخلافات جانباً، وهو ما يفضله ترمب في معارضيه".
وأشار فرانكلين إلى أن ترمب كان يركز على التهديد المباشر، وفي يناير 2023 كان ذلك التهديد هو رون ديسانتيس، وليس هيلي. وأضاف: "الآن هي الخصم الأخير لذا انقلب عليها. كما أصبحت أكثر انتقاداً لترمب في الأيام القليلة الماضية".
استثناء جمهوري
بخسارتها في نيوهامشر الأسبوع الماضي، عززت هيلي فرص ترمب، ولكن الرئيس السابق الذي يسعى للحصول على ترشيح الحزب يستعجل الأمر، ويرغب في إنهاء السباق بسرعة من دون خوض معارك تمهيدية أخرى.
وتبدو الأمور مختلفة بالنسبة لهيلي (52 عاماً)، التي رافقها الفوز في كل معركة سياسية شاركت فيها، حيث قالت في إعلان ترشحها لخوض السباق الرئاسي 2024: "لم أخسر أي انتخابات قط، ولن أبدأ (الخسارة) الآن".
تراهن هيلي على ولاية ساوث كارولينا التي ناصرتها دائماً، بداية من انتخابات مجلس نواب الولاية في عام 2004، حيث نجحت في إزاحة المشرع الجمهوري لاري كون، الذي بقي في المقعد منذ عام 1975.
وظلت نيكي هيلي، التي تنحدر من أصول هندية، تشغل ذلك المنصب لثلاث فترات قبل أن تفوز بمنصب حاكمة الولاية في عام 2010، وتصبح بذلك أول امرأة وأول حاكمة من الأقليات تحكم الولاية.
بخسارتها في نيوهامشر، الأسبوع الماضي، الولاية التي يشكل فيها المستقلون كتلة رئيسية، والجمهوريون أكثر اعتدالاً من معظم الولايات الأخرى، عززت هيلي فرص ترمب، ولكنها قررت مواصلة السباق، وكثفت من هجماتها عليه، مشككة في "قواه العقلية وعمره وكفاءته" في قيادة البلاد.
وفي الوقت الذي وصف فيه أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويبستر"، ويليام هال، عملية إقصاء منافسي ترمب بأنها سريعة وفعالة للغاية، أشاد بذكاء وحسم هيلي، باعتبارها "الاستثناء الوحيد لمرشحي الحزب الجمهوري الذين بقوا في السباق حتى الآن".
ومع ذلك، لفت هال في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أن أي طريق محتمل متبقٍ لتحقيق النصر لنيكي هيلي، "يبدو بعيداً جداً، في أحسن الأحوال. تقييمي هو أنه إذا فشلت هيلي في الفوز في ولاية ساوث كارولينا، فسيكون من الصعب للغاية عليها الاستمرار في جمع الأموال الكافية اللازمة للبقاء مرشحة جادة، والاستمرار في السباق لصالح الحزب الجمهوري".
وأشار كولومان، إلى تكثيف هيلي انتقاداتها لترمب، معتبراً أن هذه الأنواع من الهجمات "تتصاعد تحت السطح طوال الحملة الانتخابية بأكملها، وقد ظهرت للتو الآن بعد أن صارت المواجهة مباشرة مع ترمب".
ولكن كولومان لم يستبعد أن توافق هيلي في النهاية على تأييد ترمب، قائلاً: "سيكون هذا أيضاً هو الشيء الذكي الذي يجب القيام به على المدى الطويل، لأنها تريد أن يُنظر إليها على أنها - لاعبة ضمن فريق - في مساعيها المستقبلية".
وعلى الرغم من حماس هيلي لاستكمال السباق، توقع كولومان أن تخرج بعد تصويت ساوث كارولينا. وقال: "إن لم يكن قبل ذلك"، مضيفاً أن الخروج الآن يمكن أن ينقذها من كسب العداء الطويل الأمد من ترمب وأنصاره.
واستند كولومان في رأيه إلى أن يوم "الثلاثاء الكبير" 5 مارس المقبل، سيشهد تصويت ناخبين يميلون أكثر إلى المحافظين، وهم أكثر وداً لترمب.
توقع كولومان يجد صداه لدى فرانكلين وسميث، الذين اعتبرا أن الطريق أمام هيلي لا يبدو جيداً، وأن حملتها تجري تقييماً لوضعها، ولفت فرانكلين إلى أنه ما لم تحقق هيلي فوزاً مفاجئاً في ولايتها الأصلية ساوث كارولينا في 24 فبراير، بعد خسارتها في أيوا ونيوهامشر، فسيكون من الصعب عليها الاستمرار.
المرشحة الأولى في سباق 2028
مع التوقعات غير المبشرة، واتجاه هيلي نحو خسارة ثالثة حاسمة في ساوث كارولينا، يرجح الخبراء أن قرار انسحابها من السباق قد يؤهلها بقوة لتصبح مرشحة الحزب الجمهوري في عام 2028.
ووصف سميث، هيلي، بأنها "مرشحة شديدة التركيز، حاملة لرسالة إيجابية، ولم تهاجم ترمب حتى النهاية". وأكد أنها إذا انسحبت قبل أن تتعرض لانتقادات شديدة من ترمب وقاعدته الانتخابية "ستكون المرشحة الأولى لعام 2028".
وأشار كولمان، إلى أن هيلي يمكنها الآن أن تدعي أنها "آخر مرشح وقف ضد ترمب"، ومن المحتمل أن تتمكن من إطلاق حملة ذات مصداقية في عام 2028. لكن إذا أكملت السباق، فقد يبدو الأمر سيئاً، خاصة مع خسارتها ولايتها الأصلية هذا العام. ولهذا السبب، يعتقد كولمان أنها قد تنسحب قبل الانتخابات التمهيدية في ساوث كارولينا.
مانحون صامدون
انتقدت هيلي اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري في 27 يناير الماضي، عبر شبكة NBC، ووصفتها بأنها "ليست وسيطاً نزيهاً" في السباق التمهيدي للحزب>
وكانت رئيسة اللجنة الوطنية الجمهورية، رونا مكدانيل، قد قالت قبل فوز ترمب في الانتخابات التمهيدية في نيوهامشر، الأسبوع الماضي، إن الحزب سيحتشد خلف ترمب إذا استمر في أدائه القوي في المؤتمرات الحزبية والانتخابات التمهيدية المبكرة. وقالت: "يعلم الجمهوريون أننا إذا لم نكن متحدين كحزب خلف مرشحنا، فلن نتمكن من التغلب على بايدن".
ووجّه ترمب تهديداً لمانحي هيلي، الأربعاء، ونشر على منصة "تروث سوشيال" تصريحاً يقول فيه: "أي شخص يقدم مساهمة إلى عقل العصفور"، في إشارة إلى هيلي، "من هذه اللحظة فصاعداً، سيُمْنَع نهائياً من دخول معسكر ماجا (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً). نحن لا نريدهم، ولن نقبلهم، لأننا نضع أميركا أولاً، وسنفعل ذلك دائماً".
نجحت هيلي في إقناع بعض كبار المانحين من الحزب الجمهوري بتوجيه أموالهم لها بدلاً من ترمب وديسانتيس، الذي تم تصنيفه في وقت سابق البديل الأقوى للرئيس السابق.
حتى بعد خسارتين متتاليتين، دافع مسؤولون في الشبكة السياسية التابعة للملياردير رجل الصناعات، تشارلز كوخ "أميركيون من أجل الرخاء"، يوم 28 يناير، عن استثماراتهم الكبيرة في حملة نيكي هيلي الطويلة الأمد لعرقلة ترمب.
وقد استثمرت المنظمة، ملايين الدولارات في حملة هيلي، وأنفقت بالفعل أكثر من 3 ملايين دولار على الإعلانات في ولاية ساوث كارولينا، بعد دعمها لحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي انسحب من سباق الحزب الجمهوري قبل انتخابات نيوهامشر.
وجذبت هيلي أيضاً دعماً مالياً من قطب المعادن، آندي سابين، ولكنه أعلن بعد انتخابات نيوهامشر أن سباق الحزب الجمهوري قد انتهى، قائلاً "على هيلي أن تنسحب". على الجانب الآخر، فإن رجل الأعمال آرت بوب، مستمر في دعم هيلي، حيث أكد أن تهديد ترمب يشجعه على تقديم المزيد من الدعم لها.
لا مكان في إدارة ترمب
وخلافاً عن بداية علاقتها بترمب، التي بدأت بمعارضته عام 2016 ثم العمل في إدارته حتى عام 2018، لن يكون لهيلي دور في إدارة ترمب 2024، إذا حدث وفاز في انتخابات نوفمبر أمام بايدن، في رأي سميث الذي يبرره بأن ترمب يريد شخصاً "أكثر ولاءً له منها".
ولفت هال إلى تردد ترمب في التحالف مع أولئك الذين قد يعتبرهم منافسين محتملين أو ربما "أكثر ذكاءً منه"، وأضاف هال "أعتقد بشدة أيضاً أن قاعدته الانتخابية لن ترغب في أن يتولى منصب نائب الرئيس، أي شخص من تراث أسلاف نيكي، من أصل هندي أو إفريقي".
من جانبه، لا يتوقع فرانكلين أن يسامح ترمب هيلي على معارضته وانتقادها له مؤخراً، "وهناك أشخاص محتملون لمنصب نائب الرئيس يمكن اختيارهم ممن كانوا أكثر دعماً وأقل انتقاداً له".
أما كولمان فقد ذكر نماذج لتحالف متنافسين بعد الخروج من الانتخابات التمهيدية - مثل رونالد ريجان الذي عين جورج بوش نائباً له في عام 1980 بعد تنافسهما في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، ومؤخراً، جو بايدن الذي عين كامالا هاريس نائبة له في عام 2020 بعد تنافسهما للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي.
وتوقع كولمان أن الأمر لن يسير على الشاكلة نفسها بالنسبة لترمب الذي "يقدر الولاء كثيراً". وقال كولمان إنه إذا اختار ترمب امرأة لتكون نائباً له، فسيكون أكثر ميلاً إلى اختيار الحاكمة كريستي نويم، أو حتى النائبة ماجوري تايلور جرين، "اللتين دعمتاه بشدة".