سيناريوهات الحرب الافتراضية الروسية تشمل اشتباكات بين حشود غاضبة وقوات الشرطة

رغم الشراكة الاستراتيجية.. وثائق مسربة: روسيا تدربت على "غزو صيني محتمل"

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء سابق مع نظيره الصيني شي جين بينج في الكرملين بالعاصمة موسكو. 5 يونيو 2019 - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء سابق مع نظيره الصيني شي جين بينج في الكرملين بالعاصمة موسكو. 5 يونيو 2019 - REUTERS
دبي -الشرق

كشفت وثائق عسكرية روسية مسربة، أن موسكو أجرت تدريبات على سيناريو "غزو صيني افتراضي" لأراضيها في الشرق الأقصى، ما يشير إلى مخاوف موسكو منذ فترة طويلة بشأن بكين، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز".

وأضافت الصحيفة البريطانية، الخميس، أن التدريبات العسكرية الروسية، تضمنت "اشتباكات بين حشود غاضبة وقوات الشرطة في مدن روسية شرقية، وتهريب شبكات من المخربين لأسلحة عبر الحدود، لشن هجمات على مراكز شرطة وثكنات عسكرية، وتعزيز دولة نووية افتراضية إنتاجها الدفاعي"، بينما تتهم جارتها بـ"التطهير العرقي".

ووفقاً لخبراء اطلعوا على وثائق التدريبات، فإن "سيناريوهات الحرب"، التي وضعها ضباط روس في الفترة بين عامي 2008 و2014، واطلعت عليها "فاينانشيال تايمز" تكشف عن مخاوف الجيش الروسي منذ فترة طويلة بشأن نوايا بكين الحقيقية.

وأوردت الصحيفة، أنه بالإضافة إلى تقديم تفاصيل غير مسبوقة بشأن العقيدة النووية الروسية، فإن الوثائق المسربة تكشف عن سنوات من التدريبات على غزو صيني محتمل لموسكو، مما يكشف عن شكوك المؤسسة العسكرية الروسية العميقة في بكين.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن احتمال نشوب حرب بين الصين وروسيا، يبدو بعيداً في الوقت الراهن، فإن السيناريوهات التي سربت في الوثائق تقدم رؤية واضحة لطريقة تفكير الجيش الروسي في التهديدات القادمة من بكين، فضلاً عن تكتيكات استخدمها لشن الحرب في أوكرانيا.

وفي أحد السيناريوهات التي وردت في الوثائق المسربة، "تدفع الصين أموال لمحتجين مزيفين للاشتباك مع قوات الشرطة في أقصى شرق روسيا، ثم ترسل مخربين لمهاجمة البنية التحتية الأمنية الروسية سراً"، وبمجرد وصول التوترات إلى نقطة الغليان، تزيد بكين من إنتاجها الدفاعي وتنشر وحدات عسكرية على الحدود، بينما تتهم روسيا بارتكاب "إبادة جماعية".

ونقلت الصحيفة عن ألكسندر جابوييف، وهو مدير مركز "كارنيجي" روسيا وأوراسيا في برلين، قوله إن موسكو أجرت مثل هذه المناورات العسكرية بانتظام خلال الفترة بين عامي 2008، و2014 ضد الصين، التي كان يُنظر إليها بوضوح في ذلك الوقت على أنها تمثل تهديداً للبلاد، إذ تم نشر العديد من أنظمة الأسلحة الجديدة في أقصى شرق البلاد أولاً، وذلك على الرغم من أن موسكو دائماً ما تؤكد أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" هو التهديد الرئيسي لها وأن الصين شريكة لروسيا.

مخاوف روسية تتحول إلى شراكة

وذكرت الصحيفة، أن المخاوف الروسية من أن بكين ربما "تستغل نقاط ضعفها على طول حدودها"، ذات الكثافة السكانية المنخفضة، كانت واضحة بشكل خاص في الستينيات والسبعينيات، بما في ذلك خلال الصراع العسكري غير المعلن الذي استمر لمدة سبعة أشهر في عام 1969، قائلة إن حدة هذه المخاوف تزايدت مرة أخرى في التسعينيات عندما واجهت روسيا الضعيفة آنذاك صعود جارتها الشرقية.

ولكن بعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة في نهاية العقد، تغيرت الديناميكية، إذ وقعت الصين وروسيا اتفاقاً بعدم غزو بعضهما البعض مطلقاً، أو تنفيذ ضربة نووية أولى، وبنى الرئيس الروسي علاقة أوثق مع نظيره الصيني، الذي تولى السلطة في عام 2012، وتحول تعاونهما إلى "شراكة بلا حدود" قبل أسابيع من غزو أوكرانيا، كما قدمت بكين دعماً ضمنياً لحملة موسكو في كييف، فضلاً عن توفير شريان حياة اقتصادي لها لتخفيف الضربة الناجمة عن العقوبات الغربية.

وفي تعليق على الوثائق، قال المتحدث باسم بوتين، الأربعاء، إن الكرملين "يشكك بشدة في صحة الوثائق المسربة"، كما أكدت وزارة الخارجية الصينية أنه "تم التأسيس لصداقة الأبدية وعدم العداء بين البلدين، ولذا فإن نظرية التهديد هذه ليس لها مكان في بكين أو موسكو".

وقالت "فاينانشيال تايمز" إنه بالنظر إلى سيناريوهات التدريبات العسكرية هذه فإنه يُنظر إلى مثل هذه الصداقة "بعين الريبة وباعتبارها مجرد واجهة لمخططات إمبراطورية صينية في أقصى شرق روسيا".

وتشير إحدى الوثائق من تدريب أُجري عام 2014 إلى وصول العلاقات نحو الصراع بعد صعود جيل جديد من القادة القوميين إلى السلطة في "داسينيا"، وهو اسم خيالي لدولة تبدو مماثلة للصين جغرافياً في الوثيقة.

وتابعت الصحيفة: "في البداية، تقول الوثيقة إن داسينيا تريد تعميق علاقاتها مع اتحاد الشمال، وهو الاسم المستعار لروسيا في الوثائق، ولكن سكان الأولى يسعون إلى استغلال أي توترات بين الثانية والدول الغربية، وسرعان ما تطلب داسينيا من اتحاد الشمال زيادات حادة في المواد الهيدروكربونية الخام لدعم اقتصادها، ولكنها تبدأ الاستعداد للحرب بعد رفض الشمال لطلبها".

وتحدثت بعض الوثائق عن مخاوف من أن تشن الصين هجمات عبر كازاخستان، ما يتسبب في شن ضربات على غرب سيبيريا وحتى جبال أورال، ولكن في العديد من التدريبات التي يعود تاريخها إلى عام 2008 كان الهدف النهائي للقوات الغازية هو السيطرة على الشرق الروسي الأقصى.

"صراع محتمل"

كما سلطت الخطط الروسية الضوء، على ما وصفته الصحيفة بمخاوف موسكو بشأن الشتات الصيني في البلاد، الذين يجري تصويرهم في الوثائق على أنهم "أدوات واضحة للسياسة الخارجية" لبكين، ومع ذلك، فإن عدد هؤلاء السكان يبدو صغيراً حيث سجل أقل من 29 ألف نسمة رسمياً في تعداد عام 2010.

وتشير إحدى التدريبات العديدة التي تركز على غزو كازاخستان وغرب سيبيريا، بتاريخ يوليو 2014، إلى أن الصين تريد إيجاد المزيد من مساحات المعيشة لسكانها هناك، فضلاً عن تحويل البلدان إلى مستعمرات للحصول على الموارد.

ووفقاً للصحيفة، يبدو أن المؤسسة العسكرية الروسية، خفضت خلال السنوات الأخيرة من حذرها تجاه الصين، إذ تضمنت مناورات "فوستوك" واسعة النطاق التي أجرتها قوات موسكو في عامي 2018 و2022 في أقصى الشرق بعض المشاركة الصينية المحدودة، كما حصلت بكين على بعض الأسلحة الروسية المتقدمة مثل منظومة الدفاع الصاروخي "S-400"، وأجرت الدولتان أكبر تدريب بحري وجوي مشترك لهما العام الماضي.

ولكن مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ويليام ألبيرك، يقول إن التعاون العسكري بين البلدين لا يزال مقتصراً إلى حد كبير على التقاط الصور والاستعراضات، بدلاً من الانخراط في المجالات ذات الحساسية الخاصة، مثل العمليات المشتركة أو التخطيط أو الاستهداف.

ويقول خبراء إن التدريبات الروسية الحالية بأنظمة صواريخ ذات قدرات نووية قرب الحدود الصينية، في نوفمبر الماضي، تشير إلى أن الجيش الروسي لا يزال يتدرب على صراع محتمل ربما يشمل أسلحة نووية تكتيكية.

وقالت الصحيفة إن مجالات المنافسة بين موسكو وبكين لا تزال قائمة، وخاصة في آسيا الوسطى.

وفي هذا السياق، نقلت عن جاك واتلينج، وهو زميل بارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، قوله إن تركيز روسيا على كازاخستان في الوثائق يشير إلى كيفية رؤية موسكو للتحدي الذي تمثله بكين في منطقة آسيا الوسطى.

ويقول جابوييف، من مركز "كارنيجي"، إن الحرب في أوكرانيا دفعت روسيا إلى أن تصبح أكثر قبولاً للصين في آسيا الوسطى في الوقت الحالي، وذلك لأنها لم تعد تملك الموارد اللازمة الآن لتكون الشرطي الإقليمي الرئيسي بمفردها، ولذا فهي تتطلع إلى تقاسم العبء مع بكين لوقف أي شكل من أشكال الوجود الغربي هناك".

تصنيفات

قصص قد تهمك