أعلنت الحكومة السودانية السماح بمزيد من المسارات لدخول المساعدات الإغاثية من تشاد، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في البلاد، وسط أزمة إنسانية حادة وتحذيرات من وكالات إغاثية وهيئات الأمم المتحدة من كارثة جوع قد تلحق بالشعب السوداني.
وقالت وزارة الخارجية السودانية، الأربعاء، إنها أبلغت الأمم المتحدة رسمياً موافقتها على استخدام معبر الطينة من تشاد إلى الفاشر بشمال دارفور غربي السودان لدخول المساعدات الإنسانية، وذلك بعد الاتفاق على الجوانب الفنية بين الحكومتين السودانية والتشادية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1591.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، رفضت الحكومة السودانية دخول المساعدات عن طريق تشاد، ووفق وزارة الخارجية فإن الحدود التشادية بعد اندلاع الحرب أصبحت خط الإمداد الأول لقوات الدعم السريع، بـ"السلاح والمؤن والمرتزقة، لتواصل حربها ضد الشعب السوداني"، على حد وصفها.
وإلى جانب معبر الطينة الحدودي، أضافت الحكومة السودانية عدداً من المسارات عبر عدة مدن منها بورتسودان، وعطبرة، ومليط، والفاشر، ومسار أخر من مصر عن طريق البحر الأحمر وبورتسودان، وآخر عبر معبر وادي حلفا - دنقلا، إلى جانب مسار من جمهورية جنوب السودان بواسطة النقل النهري والطريق البري من الرنك إلى كوستي بولاية النيل الأبيض.
كذلك تمت الموافقة على استخدام مطارات الفاشر وكادوقلي والأبيض، في حالة تعثر الوصول عبر الطرق البرية، وفق بيان الخارجية.
كان الفريق إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة قد قال في تصريحات صحافية قبل أيام، إن السلطات لا تمنع دخول المساعدات للمدنيين العالقين في مناطق الحرب، عبر مسارات معينة متفق عليها مع المنظمات الدولية.
وأوضح جابر أن المسارات تمر عبر مدينة بورتسودان أو المطارات بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو عبر الحدود المصرية، مشيراً إلى أن المساعدات التي تدخل من تشاد قد تشمل تهريب سلاح لقوات الدعم السريع.
وألغت السلطات تراخيص عبور قوافل الشاحنات، ما أجبر برنامج الأغذية العالمي على وقف عملياته من تشاد إلى دارفور.
وتلقى أكثر من مليون شخص في غرب ووسط دارفور مساعدات من برنامج الأغذية العالمي عبر هذا الطريق منذ أغسطس الماضي، كما سعى البرنامج إلى توسيع نطاق أعماله لدعم هذا العدد الهائل كل شهر وسط استمرار ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية في دارفور.
تحديات الوصول
جاءت الموافقة على فتح مسار لإيصال المساعدات الأممية عبر تشاد، بعد تعثر برنامج الغذاء العالمي وعدد من المنظمات الدولية العاملة في الحقل الإنساني في إيجاد سبل للوصول إلى المحتاجين.
وقال المتحدث الرسمي باسم برنامج الغذاء العالمي في السودان، محمد جمال الأمين لـ"الشرق"، إن البرنامج يواجه تحديات كبيرة في إيصال المساعدات الغذائية لمناطق القتال، خصوصاً بعد إيقاف خط المساعدات العابرة للحدود السودانية التشادية من قبل السلطات. وتشمل هذه المناطق إقليم دارفور وكردفان وولاية الخرطوم.
ووفقاً للأمين، فقد حذر البرنامج مراراً من كارثة جوع تلوح في الأفق، مع اقتراب موسم الجفاف الذي تنخفض فيه معدلات الأمن الغذائي في الظروف العادية بالسودان.
وعلى الرغم من تحديات الوصول للمحتاجين، فقد تمكن البرنامج من مساعدة ما يزيد عن 7 ملايين شخص داخل السودان بالإعانات الغذائيّة، ويأمل في إنقاذ مزيد من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، إذا تم توفير مسارات إنسانية آمنة في المناطق التي يستعر فيها القتال .
وقال برنامج الأغذية العالمي في بيان إن 90% من الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع في السودان، عالقون في مناطق لا يستطيع الوصول إليها.
وقال مستشار وزير التنمية الاجتماعية السوداني محمد يوسف، لـ"الشرق"، إن "السبب الرئيسي لفتح مسارات إضافية هو مراعاة الدولة للظروف الإنسانية السيئة التي فرضتها المليشيات المتمردة (الدعم السريع) على المواطنين في بعض الولايات، وذلك بفرض سياسة الأمر الواقع واستخدام سلاح التجويع ضد الأهالي، لذلك أقدمت الحكومة على إيجاد منافذ لإيصال المساعدات عبر الطرق والإجراءات المعروفة والفحص الدقيق بغرض المراجعة والتأكد من أنها فعلاً مساعدات إنسانية، وعليه تم الاتفاق على إعلان مطارات الفاشر والأبيض ودنقلا إضافة إلى النقل البري عبر الطينة التشادية ومنها إلى مدينة الفاشر ومنها إلى بقية المناطق، إضافة إلى النقل النهري من جنوب السودان عبر الرنك إلى كوستي بولاية النيل الأبيض".
وأضاف يوسف أن الآلية التي كانت تتبع في توزيع المساعدات الإنسانية هي الأسرع عبر خطوتين، الأولى استلام المساعدات وتصنيفها، والثانية التوزيع عبر لجنة من كل الجهات المعنية توزع المساعدات بنسب حسب حاجة كل ولاية، عبر مسارات التوزيع البرية .
ويتلقى السودان المساعدات عن طريق دول ومنظمات دولية، إضافة إلى هيئات الأمم المتحدة، على حد قول المسؤول الحكومي.
موقف الدعم السريع
على الجانب الآخر، قال الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع، الفاتح قرشي لـ"الشرق"، إن قواته ملتزمة بإيصال المساعدات إلى مناطق سيطرتها، حتى وإن كانت تعبر إلى مناطق الجيش عبرها، وقال: "نحن في قوات الدعم السريع نريد إيصال المساعدات من أجل تخفيف معاناة الشعب السوداني".
وأضاف قرشي أن إقليمي دارفور وكردفان هما الأقرب لتلقي المساعدات عبر تشاد، موضحاً أن "هذا مقترح المنظمات ونرى أنه سليم ونحن نؤيده"، لافتاً إلى أن "المساعدات عبر بورتسودان لا تصل إلى المناطق المقصودة بها".
وأكد الناطق المتحدث باسم قوات الدعم السريع أن "السودان كله يحتاج إلى مساعدات، لكن منطقة دارفور وكردفان لا تصلها المساعدات عند عبورها بمناطق الجيش، لذلك مصرون على مقترح مسار تشاد لإيصال المساعدات لإقليم دارفور وهي أقرب وأسهل".
ومنذ نوفمبر الماضي، توقفت القوة المشتركة لحماية المدنيين، المكونة من حركات دارفور الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة السودانية، عن تأمين وتفويج قوافل المساعدات الإنسانية، بسبب خلاف مكتوم بشأن ممارسات الدعم السريع في إقليم دارفور ظهر للسطح؛ بانحياز حركات العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة تحرير السودان قيادة مصطفى تنبور، إلى جانب الجيش، وقولها إن الدعم السريع تقود حربها ضد المواطن بـ"انتهاكات مشهودة".
بينما احتفظت بقية الحركات بموقف الحياد على حد قولها، ودعوتها إلى إيقاف الحرب، إلا أن هذه الحركات ضمن تحالف سياسي يُعرف باسم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم" وقع إعلاناً سياسياً مع قوات الدعم السريع في أديس أبابا مؤخراً.
وشكلت حكومة إقليم دارفور لجنة للطوارئ الإنسانية برئاسة وزير الصحة، تعمل على لقاء الداعمين والمنظمات ووضع خطة للتعامل مع الوضع الإنساني في الإقليم.
وتهدد الحرب في السودان الأمن الغذائي لـ25 مليون شخص بجميع أنحاء السودان وجنوب السودان وتشاد، ما يجعلها أكبر أزمة جوع في جميع أنحاء العالم، وفقاً لسيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، التي دعت لتأمين الوصول إلى السكان دون عوائق ولمزيد من التمويل لمساعدة المجتمعات.
كان المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، بيير بيرون، قال إن السودان يشهد "أكبر أزمة نزوح في العالم"، وإن "ما لا يقل عن 25 مليون سوداني بحاجة إلى مساعدات إنسانية".
وأضاف بيرون لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، الثلاثاء، أنه "منذ 15 أبريل 2023، هجر أكثر من 8 ملايين رجل وامرأة وطفل منازلهم، بما في ذلك أكثر من 1.6 مليون شخص فروا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان".
وفي وقت سابق، قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إنه بعد مرور ما يقرب من العام على اندلاع الحرب في السودان، تحتاج تشاد بشكل عاجل إلى المزيد من المساعدات الإنسانية، وإلى استثمارات تنموية واسعة لتحقيق الاستقرار في البيئة الاجتماعية والاقتصادية الهشة، وخاصة في المناطق الشرقية التي تستضيف اللاجئين، بهدف السماح للبلاد بالحفاظ على سياسة الباب المفتوح التي تتبعها بسخاء تجاه اللاجئين.
كما تشهد عدة مدن بولاية جنوب كردفان السودانية، أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد، في ظل وجود آلاف المواطنين الذين يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية، بما ينذر بمجاعة، نتيجة حصار تفرضه قوات الدعم السريع على المنطقة حسبما أفاد سكان محليون لـ"الشرق".