قال وزير الأمن الداخلي الأميركي، أليخاندرو مايوركاس، إن الولايات المتحدة تجري محادثات رفيعة المستوى مع الصين تهدف إلى زيادة عدد مواطني البلد الآسيوي الذين يتم ترحيلهم من أميركا، في خطوة تعكس سياسة التشدد التي اتبعتها واشنطن منذ فترة حكم الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترمب، واستمرت في عهد إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
وأوضح مايوركاس في مقابلة مع شبكة NBC News، تم بثها السبت، أن "رفْض الصين قبول عمليات الترحيل قد يتغير. لقد عملنا مع جمهورية الصين الشعبية لاستقبال الأفراد الذين قررنا أنهم غير مؤهلين للبقاء في الولايات المتحدة".
وأشار إلى أنه أثار القضية، في فبراير الماضي، عندما التقى في العاصمة النمساوية فيينا، نظيره الصيني وزير الأمن العام وانج شياو هونج، معبّراً عن تفاؤله بأن تؤدي هذه المناقشات إلى تغيير الوضع الحالي.
وتابع بقوله: "نحن في مرحلة الانتظار لرؤية ما سيحدث، لكننا نستمر في العمل مع نظرائنا".
سياسة متشددة
ونظراً للقائمة الطويلة من المشاكل العالقة، من تايوان إلى عقوبات التجارة، كان من المفترض أن تكون زيادة أعداد الطلاب من بين أسهل الأمور التي يمكن التقدم بها، لكن هذا لم يكن هو الحال، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".
ومنذ 4 سنوات، كان الطلاب الصينيون الذين يدرسون في الولايات المتحدة يتعرضون لمزيد من المراقبة، منذ أن فُرضت قاعدة في عهد ترمب تمنع الطلاب، خاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، الذين يُشتبه في أنه لهم روابط عسكرية.
واستمرت هذه السياسة في ظل إدارة بايدن. ومنذ بداية العام الجاري، اتهم مسؤولون صينيون الإدارة الأميركية بـ"استجواب" الطلاب الصينيين، وإلغاء تأشيراتهم بشكل "غير مبرر" أثناء وصولهم إلى مطارات الولايات المتحدة ومنعهم من الدخول.
وقال وزير الأمن العام الصيني، وانج شياو هونج، لنظيره الأميركي، إنه يجب وقف "التحقيقات مع الطلاب الصينيين واستجوابهم بلا سبب".
ووصف 6 طلاب صينيين وزائرين دراسيين تحدّثوا إلى "واشنطن بوست" تعرُّضهم للاستجواب لدى وصولهم إلى الولايات المتحدة بشأن أبحاثهم وعائلاتهم وأي ارتباط محتمل بالحزب الشيوعي الصيني. وتم إلغاء تأشيرتين لاثنين منهم، وتم ترحيلهما على الفور. وكان جميعهم، عدا واحد، في منتصف دراستهم، وكان لديهم إذن دخول ساري المفعول سابقاً.
اختراق في العلاقات بين واشنطن وبكين
وقال مسؤولون أميركيون، لم تكشف NBC News هوياتهم، إن مثل هذا الاتفاق سيكون بمثابة اختراق في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وسياسة الهجرة الأميركية، لافتين إلى أنه لطالما لم تتعاون بكين مع جهود واشنطن لترحيل مواطنيها إلى بلادهم.
ولكن القضية حظيت بأهمية خاصة في العامين الماضيين، إذ ارتفع عدد المهاجرين من الصين الذين يعبرون الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك بشكل غير قانوني إلى عشرات الآلاف.
كما سجلت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، أكثر من 24 ألف عملية عبور في السنة المالية 2023، ارتفاعاً من 2000 حالة في العام السابق، بزيادة تتجاوز 11 ضعفاً.
وعُقد الاجتماع الذي جمع مايوركاس ونظيره، وانج في فيينا في 18 فبراير الماضي، وتضمنت هذه المحادثات الأمنية الثنائية، "اتفاقاً محتملاً بشأن عمليات الترحيل"، وفق NBC News.
وتأتي المحادثات وسط ذوبان الجليد على نطاق أوسع في العلاقات بين واشنطن وبكين، أكبر اقتصادين في العالم، بعد أن أثار تحليق منطاد تجسس صيني فوق الولايات المتحدة أزمة دبلوماسية.
كما عُقدت قمة تاريخية بين الرئيسين الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج في سان فرانسيسكو في نوفمبر الماضي، تلتها محادثة هاتفية، الأسبوع الماضي.
أزمة عميقة
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، ليو بينجيو، في بيان أرسله لشبكة NBC News، إن "الصين تتعاون مع جهود إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى وطنهم"، مشيراً إلى أن "الهجرة غير الشرعية مشكلة دولية تحتاج إلى تعاون الدول المعنية لحلها معاً".
وأضاف بينجيو "لقد أبدت الصين تعاوناً جيداً مع بعض البلدان بشأن مسألة إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى وطنهم، وهي على استعداد لمواصلة تعزيز التعاون بشأنها مع الدول ذات الصلة".
وتابع: "الحكومة الصينية تلتزم بمبدأ التحقق أولاً، ثم إعادة هؤلاء الأشخاص إلى الوطن. سنقبل إعادة المواطنين الصينيين الذين تم التحقق من أنهم من البر الرئيسي للصين".
ومع ذلك، فقد أدرجت الولايات المتحدة، الصين لسنوات ضمن قائمة "الدول المتمردة" أو "غير المتعاونة" فيما يتعلق بعمليات الترحيل، وهي القائمة التي ضمت في بعض الأحيان خصوماً جيوسياسيين آخرين مثل روسيا، وفنزويلا، وكوبا.
واستشهدت وزارة الأمن الداخلي الأميركية، بعدم تعاون الصين، في تقرير صدر عام 2021 بشأن "التهديد الذي تشكله جمهورية الصين الشعبية".
وكتبت أن "رفض بكين التعاون يجبر هيئة الهجرة والجمارك على إطلاق سراح المئات من مواطني جمهورية الصين الشعبية، والعديد منهم أدينوا بارتكاب جرائم عنف في المجتمعات الأميركية، ما يُعرّض السلامة العامة للخطر".
رحلات صعبة وباهظة الثمن
ورداً على زيارة قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركية السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان في عام 2022، أوقفت الصين رسمياً تعاونها مع واشنطن بشأن عمليات الترحيل، ولذا فإن وجود اتفاق جديد قيد المناقشة حالياً بشأن هذه المسألة يُمثّل تغييراً صارخاً مقارنة بالسنوات الأخيرة، بحسب NBC News.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قادرة على ترحيل بعض الأشخاص إلى الصين كل عام، فإنها تضطر إلى اللجوء إلى رحلات طيران باهظة الثمن وصعبة من الناحية اللوجستية، أحياناً عبر كوريا الجنوبية، وفقاً لسجلات هيئة الهجرة والجمارك الأميركية.
ونجحت الولايات المتحدة في ترحيل 8 مواطنين صينيين الأسبوع الماضي، وفقاً لمسؤول أميركي تحدَّث إلى NBC News بشرط عدم كشف هويته.
وتشير سجلات هيئة الهجرة والجمارك الأميركية، إلى أنها رحّلت 288 شخصاً إلى الصين في السنة المالية الماضية، فيما يبلغ عدد المواطنين الصينيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة ولديهم أحكام نهائية بالترحيل نحو 100 ألف شخص، وفقاً لبيانات داخلية حصلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية العام الماضي.
ومن المرجح أن يكون لأي اتفاقية تسمح بإجراء عمليات ترحيل موسعة ومباشرة إلى الصين، تأثير كبير على هذه الأعداد.
ومع ذلك، فإن عمليات الترحيل هذه ستظل مكلفة، كما أن العدد الجديد من الوافدين سيزيد من تعقيد الأمر، إذ يتم إطلاق سراح معظم المهاجرين الذين يتم القبض عليهم على الحدود الجنوبية، سواء من الصين، أو من أي مكان آخر، ويبقون في الولايات المتحدة في انتظار إجراءات تستغرق سنوات في محاكم الهجرة.
وقال وزير الأمن الداخلي الأميركي، إن "مشروع قانون مجلس الشيوخ الأخير، الذي كان يحظى بتأييد الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) بشأن الهجرة كان سيؤدي إلى إنهاء تلك القضايا المتراكمة"، مضيفاً: "لكن تم حجب الإجراء من قِبَل الجمهوريين المؤيدين لترمب".
واختتم تصريحاته قائلاً إن وزارته "لن تتمكن من الحد بشكل ملموس من معدل الهجرة من الصين أو أي مكان آخر، دون تحرك الكونجرس أولاً"، مؤكداً أن "نظامنا في الأساس غير مجهز للتعامل مع الهجرة بشكلها الحالي".