يُصادف، الاثنين 15 أبريل مرور عام على اندلاع حرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، أودت بحياة الآلاف، وشردت الملايين، وتسببت بدمار هائل في البنية التحتية، وجعلت البلاد على شفا مجاعة، فيما يحمّل كل طرف الآخر المسؤولية بشأن تفاقم الأوضاع الإنسانية والانسداد السياسي.
وبينما تغيب عن الأفق أية بوادر لحل سياسي قريب، أشار المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيريللو، في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" نُشرت، الأحد، إلى وجود مفاوضات غير رسمية جارية في الوقت الحالي.
ولكن بيريللو حذّر من خطورة الحرب في السودان، داعياً إلى ضرورة حل الأزمة سريعاً قبل تحولها إلى "حرب إقليمية"، مرجحاً أن تبدأ محادثات جدة قريباً من دون تحديد التاريخ.
وأسفرت الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، عن سقوط أكثر من 15 ألف شخص، وهجّرت أكثر من 8 ملايين رجل وامرأة وطفل من منازلهم، بما في ذلك أكثر من 1.6 مليون شخص فروا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان، وفق بيانات للأمم المتحدة.
"إضافة وسطاء جدد"
وقالت وزارة الخارجية السودانية لـ"الشرق" بعد مرور عام على الحرب، إن الولايات المتحدة لم تدعُ وفد الجيش بعد إلى المفاوضات المنتظرة في أبريل الحالي، مشيرةً في الوقت نفسه، إلى أن السعودية وأميركا اللتين ترعيان مفاوضات جدة، لم تجريا مشاورات تمهيدية لاستئناف التفاوض كما حدث في الجولات السابقة.
وأكدت الوزارة ضرورة التشاور قبل الدخول في جولة تفاوضية جديدة، لجهة أن الإدارة الأميركية تتحدث عن إضافة وسطاء جدد، فيما قال مصدر بـ"قوات الدعم السريع"، إنهم مستعدون لاستئناف الحوار مع الجيش في أي وقت تحدده الوساطة السعودية الأميركية من أجل التوصل إلى اتفاق.
وذكر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الاثنين، أن قواته لا تزال مع السلام والحكم المدني في البلاد، مؤكداً التزامها بالتفاوض ودعم عملية سياسية شاملة لإنهاء الحرب.
وأضاف دقلو، في خطاب بمناسبة مرور عام على اندلاع الحرب في السودان، أن "الحرب لم تكن أبداً خياراً لقوات الدعم السريع، وكان موقفنا ولا يزال ثابتاً مع السلام والحكم المدني الديمقراطي الذي تقوده القوى الديمقراطية الحقيقية من كل مناطق السودان".
واتهم قائد الدعم السريع، قوات الجيش "بإدخال البلاد في المأزق الذي تعيش فيه الآن"، معتبراً أن نية القوات المسلحة كانت "تقويض العملية السياسية وإفشال الجهود الرامية إلى إقامة نظام ديمقراطي".
"تعدد المنابر"
بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية "تقدم"، بكري الجاك، إن التنسيقية تدعم كل الجهود المبذولة لوضع حد للأعمال العدائية بما يؤدي إلى وقف شامل لإطلاق النار وإنهاء الحرب وإحلال السلام، بالتزامن مع بدء عملية سياسية تفضي إلى حل سياسي شامل.
واعتبر الجاك في حديث لـ"الشرق"، أن تعدد المنابر والوسطاء يُعد إهداراً للطاقات، وإعطاء فرص للأطراف المتعنتة أمام الحل، وذهب إلى أن هذا كثرة المبادرات أصبحت "وسيلة للتنصل من أي التزامات سابقة والبدء من الصفر في عملية تفاوضية جديدة".
وأضاف: "يجب أن تقوم العملية التفاوضية على ما تم الاتفاق عليه في جولات التفاوض السابقة، بعض النظر عن المنبر الذي جرت فيه، وعدم السماح ببدء عملية تفاوضية جديدة من الصفر"، مشدداً على ضرورة أن تشارك القوى المدنية في المفاوضات لتعمل مع القوى الإقليمية والدولية على توحيد عملية التنسيق بين كل الوسطاء والمبادرات وضمان وجود المدنيين فيها.
استبعاد "إيقاد"
وفي فبراير الماضي، طلبت الحكومة السودانية من الوسيط السعودي استبعاد ممثلي الهيئة الحكومية للتنمية "إيقاد"، وهي منظمة شبه إقليمية في إفريقيا مقرها دولة جيبوتي، من مفاوضات منبر جدة.
وبعد تعليق عضويتها في المنظمة، قالت الحكومة السودانية لـ"الشرق"، إنها لن تتعاطى مع أي جهود سلام تُشارك فيها "إيقاد"، مؤكدةً أنها أخبرت رئيس جيبوتي أن عودة الخرطوم إلى المنظمة "رهن باعتذار رسمي بعد أن فقدت حياديتها، وبالتالي لم يعد مرحب بجهودها، مع استثناء جهود زعماء الدول المنضوية فيها".
3 محاور أميركية
وكان المبعوث الأميركي إلى السودان تحدث عن توحيد المبادرات في ضبط المحادثات السياسية السودانية، قائلاً: "نفكر في نظرائنا الأفارقة والإقليميين الرئيسيين"، مشيراً إلى احتمال مشاركة مصر والإمارات، لكنه بدا مدركاً أيضاً للمشاكل التي قد يُثيرها هذا التوسيع للمفاوضات والاعتراضات التي قد تصدر بشأنه.
وأضاف: "ندرك أننا لا نحتاج بالضرورة إلى ألف ممثل هناك، فهذا يمكن أن يخلق الفوضى.. نحن نحاول معرفة ما هو المزيج من الجهات الفاعلة والحوافز التي يمكن أن تقود إلى نهاية لهذه الحرب".
الصحافي والمحلل السياسي عثمان ميرغني رأى، في حديث لـ"الشرق"، أن واشنطن تنوي التحرك على 3 محاور هي، توحيد المبادرات المتعددة في منبر واحد هو منبر جدة، لأنه الوحيد المتفق عليه، بينما هناك خلافات وتوترات وشكوك بشأن الوساطات الأخرى، لا سيما وساطة "إيقاد" التي لا يمكن أن تنجح بأي حال بعد اتهام السودان لبعض دولها بالانحياز إلى الدعم السريع.
أما المحور الثاني للتحركات الأميركية، يتمثل في "جمع طرفي النزاع على طاولة المفاوضات، والعمل على نزع العوامل التي تؤجج القتال، بما في ذلك وقف التدخلات الخارجية وإمدادات السلاح، وهو ما كررته الإدارة الأميركية في عدة تصريحات، وأشار إليه بيريللو أيضاً"، وفقاً لميرغني.
ويتمثل المحور الثالث في تسريع المسار الإنساني، والذي أوضح ميرغني أن ذلك بهدف ضمان وصول المساعدات، ومواجهة الوضع المتأزم وخاصة في إقليم دارفور ومعسكرات اللاجئين.
ولهذا الغرض اقترح المبعوث الأميركي 18 أبريل موعداً لاستئناف منبر جدة، بحيث يأتي مباشرة بعد المؤتمر الإنساني الذي تستضيفه فرنسا في 15 أبريل، لبحث الوضع الإغاثي لضحايا الحرب في السودان، وتحريك المساعدات بعد التحذيرات المتتالية من الأمم المتحدة بأنها لم تتلقَ سوى 4% فقط من المساهمات العاجلة التي طلبتها.
"مهمة صعبة"
وفي ما يتعلق بأداء المبعوث الأميركي الجديد، اعتبر ميرغني أن "بيريللو أبدى في شهره الأول حماسة واضحة ومتوقعة لمهمته التي بدأها بجولة إقليمية واسعة ولقاءات متعددة مع الأطراف المدنية السودانية، لكنه حتماً سيكتشف، إن لم يكن قد اكتشف بعد، حجم تعقيدات الأزمة وصعوبة مهمته، بسبب ضغط العامل الزمني في عام الانتخابات الأميركية، وانشغال إدارة بايدن بحربي غزة وأوكرانيا. إضافة إلى أنه يفتقر الخبرة الكافية في الملف السوداني، ومهمته ستكون أصعب في ظل عدم وجود سفارة بالخرطوم، بعد توزيع طاقم السفارة على عدد من العواصم بعد الحرب".
وفي سياق مسار الحل السياسي في السودان، قال مصدر دبلوماسي مقرب من جميع الأطراف لـ"الشرق"، إن إمكانية عودة القوات المسلحة و"قوات الدعم السريع" إلى منبر جدة لاستئناف التفاوض مؤكدة، لكن جولة التفاوض لن تعقد في المدى القريب".
فشل لقاء البرهان "حميدتي"
وكان الرئيس الجيبوتي الذي يتولى رئاسة منظمة "إيقاد" إسماعيل جيلي اقترح عقد لقاء بين البرهان ودقلو المعروف بـ"حميدتي"، لكن مساعيه فشلت، لأن حميدتي رفض الحضور، رغم موافقة الأول على اللقاء وإرساله وفداً إلى جيبوتي.
وفي أعقاب ذلك طلب رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك من الحكومة المصرية عقد لقاء بين الجنرالين، في وقت نفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"الشرق"، إجراء أية مشاورات من أجل عقد اللقاء.
محادثات جدة
في السادس من مايو 2023، وبعد 3 أسابيع من اندلاع النزاع، أعلنت وزارة الخارجية السعودية أن ممثلين للجيش السوداني والدعم السريع اجتمعوا لأول مرة منذ بدء القتال في مدينة جدة الساحلية، وذلك في محاولة قالت الرياض إنها تهدف للتوصل إلى وقف فعال لإطلاق النار.
وأتت المبادرة التي أطلقتها السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة بعد جهود سابقة للبلدين في دعوة الطرفين إلى وقف قصير لإطلاق النار، لإتاحة الفرصة لوصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، واستعادة الخدمات الأساسية، سرعان ما خرقه طرفا النزاع.
وتركزت الاجتماعات التي استضافتها جدة على التوصل إلى اتفاق بشأن السماح بدخول المساعدات الإنسانية، بعدما حوصر الملايين من سكان الخرطوم في منازلهم بسبب القتال، فيما نزح عشرات الآلاف الآخرين إلى شتى أرجاء السودان.
وبعد مباحثات استمرت لأيام وقع طرفا النزاع في 11 مايو على "إعلان إنساني" تعهدا فيه باحترام قواعد تتيح توفير المساعدات الإنسانية، لكنهما لم يتفقا على وقف إطلاق النار في مفاوضات وصفها دبلوماسيون أميركيون بـ"الصعبة".
لكن سرعان ما عادت الأمور إلى الوراء، إذ قررت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في 31 من الشهر نفسه، تعليق المحادثات الجارية في جدة، بسبب "عدم التزام المليشيا المتمردة بتنفيذ أي من البنود التي نص عليها الاتفاق، والاستمرار في خرق الهدنة"، وفقاً لبيان مقتضب نشره الجيش على فيسبوك.
وفي 20 من ذات الشهر، نجحت الوساطة السعودية في حمل الطرفين على التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار قصير الأمد لمدة 7 أيام اعتباراً من 22 وحتى 29 مايو، لإيصال المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية، وسحب القوات من المستشفيات والمرافق العامة الأساسية.
ومثل الاتفاق اختراقاً كبيراً، إذ أعلن الطرفان بموجبه التزامهما بتسهيل المرور الآمن لمقدمي الخدمات الإنسانية والسلع وعدم السعي وراء أي مكاسب عسكرية خلال هدنة الأسبوع، الأمر الذي نجح بشكل نسبي بالمقارنة مع الهدن السابقة، وإن لم يخل من الخروقات التي قام بها طرفا النزاع.