ترمب يلتزم الحياد.. ومحللون يتوقعون تداعيات خطيرة

هل تهدد محاولات إقالة رئيس "النواب الأميركي" سمعة الجمهوريين؟

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون يشارك في مؤتمر صحفي. واشنطن، الولايات المتحدة. 17 يناير 2024 - Reuters
رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون يشارك في مؤتمر صحفي. واشنطن، الولايات المتحدة. 17 يناير 2024 - Reuters
واشنطن-رشا جدة

يستعد مجلس النواب الأميركي للتصويت، السبت، على حزمة مشاريع قوانين مؤجلة، بشأن مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان، ويعني هذا بالنسبة لرئيس المجلس، الجمهوري مايك جونسون، أنه يواجه خطر الإقالة بعد 6 أشهر فقط، من توليه المنصب.

وتولى جونسون منصب رئيس مجلس النواب في أكتوبر الماضي، بعد أسابيع من الاقتتال الداخلي بين أعضاء الحزب الجمهوري، ويواجه حالياً غضب المحافظين الذين سجلوا سابقة في تاريخ الولايات المتحدة وأطاحوا بسلفه، كيفين مكارثي، إثر مذكرة طرحها نائب ينتمي إلى الجناح اليميني المتشدّد في الحزب الجمهوري في أوائل أكتوبر.

مذكرة شبيهة لوّحت بتقديمها، النائبة عن الحزب الجمهوري مارجوري تايلور جرين، أواخر مارس الماضي، ضد جونسون بدعوى عمله مع الديمقراطيين على تمرير حزمة إنفاق بقيمة 1.2 تريليون دولار، لتجنب الإغلاق الحكومي.

ومع رفض اليمين المتشدد في مجلس النواب الأميركي تقديم مساعدات لأوكرانيا، والتي تقدر بحوالي 61 مليار دولار، انضم النائب الجمهوري توماس ماسي من ولاية كنتاكي إلى النائبة جرين، وأعلن الثلاثاء الماضي، دعوته جونسون إلى الاستقالة.

ونائب كنتاكي ليس الداعم الوحيد لطلب جرين، التي تزعم أن عدد الجمهوريين المعارضين لجونسون أكبر من الثمانية الذين صوتوا لإقالة مكارثي في السابق، لكنها لم تذكر أسمائهم، وكتبت في منشور على منصة "إكس"، أن "الاستقالة هي الخيار الأفضل لرئيس البرلمان، وإلا فسيتعين عليه الاعتماد على الديمقراطيين للاحتفاظ بمطرقته".

"نوبة الغضب" بين المتطرفين اليمينيين في مجلس النواب، يراها خبراء ومحللون تحدثوا مع "الشرق"، ذات تأثير يمتد إلى دونالد ترمب في محاولته الثالثة للترشح للرئاسة.

خطة "جرين"

منذ اليوم الأول لتقلده المنصب الأعلى في مجلس النواب، مثقلاً بحصار مجموعة متطرفة من اليمينين ومؤتمر جمهوري منقسم وهامش ضئيل من الأغلبية، واجه جونسون سلسلة من التحديات والهزائم والتربصات اليمينية.

واتهمته جرين بـ "الخيانة" بعد مساعدته في تمرير حزمة إنفاق بقيمة 1.2 تريليون دولار بأغلبية أصوات الديمقراطيين والجمهوريين لتجنب الإغلاق الحكومي، في مارس الماضي، والتي كانت سبباً في عزل سلفه كيفين مكارثي.

ومع إعلان جونسون طرح حزمة المساعدات بشكل منفصل لإسرائيل بأكثر من 26 مليار دولار، وتخصيص حوالي 61 مليار دولار لأوكرانيا، ومليارات الدولارات لتايوان، هددت جرين بعزله من منصبه.

وكان مجلس الشيوخ، في فبراير الماضي، قد وافق على مشروع قانون مساعدات بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان بأغلبية وصلت إلى 70 صوت في مقابل 29 صوتاً.

وعلى الرغم من أن الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، عملا سوياً لـ 4 أشهر من أجل صياغة حزمة تضم المساعدات الخارجية، وإجراءات أمنية شاملة للحدود مع والمكسيك اشترطها الجمهوريون مقابل تمرير المساعدات لأوكرانيا، وسرعان ما تخلوا عن هذه المقايضة، معتبرين المشروع غير كاف، في ظل معارضة الرئيس السابق دونالد ترمب، وانتقاده كلاً من إصلاحات الحدود والمساعدات الخارجية.

ويخاطر جونسون بإثارة غضب الجناح اليميني المتشدد، حال فصله مساعدات لإسرائيل عن أموال أوكرانيا في تصويت، السبت، إذ تصف جرين خطة الفصل بأنها "احتيال"، مهددة بتقديم إجراء لعزله من منصبه، إذا حاول تقديم المساعدات لكييف.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميشيجان، مايكل تراجوت، أن جرين قادرة على تنفيذ وعدها، نظراً للأغلبية الجمهورية الضئيلة في مجلس النواب، "لا يتطلب الأمر أكثر من أن يتحالف عدد من الجمهوريين مع جرين لإزاحة جونسون من منصبه".

وأوضح تراجوت لـ"الشرق"، أن طبيعة أزمة جونسون تتبدى في أن هناك ما يكفي من الأصوات التي قد تطيح به إذا لم يتدخل الديمقراطيون لإنقاذه، وقال: "دعم الديمقراطيين له ضروري حتى لا يواجه نفس مصير مكارثي".

لكن التهديد الجمهوري الذي يواجه جونسون، أقرب إلى نوبة غضب من مارجوري تايلور جرين واثنين جمهوريين آخرين، أكثر من كونه خطة واسعة النطاق للإطاحة بجونسون، وفقاً للباحثة السياسية مادلين كونداي.

وذكرت كونداي لـ"الشرق"، أنه "خلافاً للتحرك ضد مكارثي، لا يبدو أن هناك رغبة كبيرة من اليمين المتطرف في إقالة جونسون فعلياً".

ولفت الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية، زاك مكيري، إلى اختلاف الوضع بالنسبة لجونسون عن رئيس مجلس النواب السابق، كيفين مكارثي، واصفاً المؤامرة ضد مكارثي بأنها كانت "شخصية" بالنسبة لبعض الأعضاء الذين أطاحوا به.

وأفاد مكيري لـ"الشرق" بأن مكارثي، الجمهوري المعتدل، قد أغضبهم على مر السنين، وسعوا للانتقام بإخراجه من المنصب، ولا يوجد النوع نفسه من العداء الشخصي ضد الجمهوري المحافظ، مايك جونسون، لذلك من غير المرجح أن يذهب الجمهوريين إلى حد الإطاحة به.

وتابع: "أعتقد أن العديد من الأعضاء الذين أطاحوا بمكارثي يرون أيضاً أن ذلك لم يقدم أي حلول للتحديات الأساسية التي يواجهها تجمع الحزب الجمهوري. ويواجه جونسون الآن العديد من المشاكل نفسها التي يواجهها مكارثي، لذا فإن المزيد من الجمهوريين يدركون أن تغيير القيادة لا يحل المشاكل الأساسية".

طلب الإخلاء

في محاولته اليائسة والمتكررة لتولي منصب رئيس مجلس النواب، استسلم كيفن مكارثي لمطالب الجمهوريين من "ماجا" بتمكين أي عضو منفرد، جمهوري أو ديمقراطي، تقديم "اقتراح الإخلاء" وهو الإجراء المستخدم لإقالة رئيس مجلس النواب.

وبمجرد تقديم الاقتراح، يمكن للمشرع طلب التصويت على القرار. ومن شأن مثل هذا الطلب أن يجبر زعماء مجلس النواب على تحديد موعد للتصويت على القرار في غضون يومين تشريعيين، وعند طرح القرار للتصويت، يتطلب الأمر أغلبية بسيطة من أعضاء مجلس النواب لعزل رئيسهم. وهو ما حدث مع مكارثي بعد أن أصبح أول رئيس لمجلس النواب الأميركي يُطاح به من خلال اقتراح الإخلاء الذي قدمه النائب الجمهوري مات جايتز وأعضاء متشددين آخرين.

أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في جامعة أوهايو، بول بيك، ذكر أن القاعدة التي أقرها مكارثي كانت متبعة تاريخياً في مجلس النواب، لكن في عام 2019، قام المجلس بقيادة رئيسته، آنذاك، نانسي بيلوسي، بتغيير القاعدة ليحتاج تقديم اقتراح الإخلاء دعم أغلبية حزب واحد من أجل أن يتم طرحه على الأرض للتصويت.

وفي حديثه لـ"الشرق"، أشار بيك إلى أن معظم الجمهوريين يندمون على اليوم الذي اتخذوا فيه قراراً بالإخلاء بهذه السهولة، "ولكنها قاعدة جمهورية داخلية، وقد لا يكون هناك دعم كافٍ لتغييرها، خاصة خلال هذه الفترة شديدة التوتر".

ومع التهديد المستمر المتمثل في اقتراح الإخلاء الذي يواجهه رئيس المجلس الحالي مايك جونسن، طرح بعض النواب الديمقراطيين ضرورة إجراء تعديل على ذلك البند، حتى لا يُسمح لعضو واحد فقط أن يتقدم باقتراح الإخلاء، ويترك المجلس في حالة فوضى وفراغ تشريعي كما حدث من قبل، لكن كونداي استبعدت أن يحدث أي تغيير في قواعد مجلس النواب قبل الانتخابات المقبلة.

وقالت إن هناك الكثيرين ممن يرغبون في تغيير القاعدة، لكن الأمر سيعتمد على الحزب الذي يمثل الأغلبية ومدى حجم الأغلبية، "إذا كانت الأغلبية ضئيلة، فمن غير المرجح أن تتغير القاعدة".

دعم ترمب

وأعلن الرئيس السابق دونالد ترمب في مؤتمر صحافي بفلوريدا، الجمعة، دعمه لرئيس مجلس النواب، الذي كان حاضراً.

وقال ترمب: "نحن نتفق بشكل جيد مع رئيس مجلس النواب. وإنني أتفق بشكل جيد مع مارجوري. الوضع ليس سهلاً لأي شخص في منصبه. أعتقد أنه يقوم بعمل جيد للغاية. إنه يقوم. وأنا متأكد من أن مارجوري تتفهم ذلك، فهي صديقة جيدة جداً لي، وأعلم أنها تكن احتراماً كبيراً لجونسون".

ومع ذلك، اكتفى ترمب، عند سؤاله عن موقفه من عزل جونسون، أمام محكمة منهاتن، عند مثوله في قضية "أموال الصمت" الأسبوع الماضي، قال بشكل مقتضب: "سنرى ما سيحدث".

والجانب المحايد الذي اتخذه ترمب هذه المرة، أرجعه مكيري إلى فشله في السابق في حماية مكارثي، خاصة أن ترمب حاول إثناء، كتلة الحرية اليمينية في المجلس، عن الإطاحة به.

وقال مكيري إن عملية التصويت داخل مجلس النواب تتعلق بديناميكيات داخلية، ومن الصعب على القوى الخارجية أن يكون لها تأثير كبير، وهو ما حدث في السابق، ويبدو أن ترمب لا يحبذ تكرار ذلك.

لكن تراجوت يعتقد أن ترمب يمكن أن يغيير موقفه في المستقبل إذا تحولت الأمور أكثر جدية، "يمكن حينها أن يتدخل بشكل أقوى لدعم بقاء جونسون خوفا من تداعيات ذلك".

تداعيات العزل ومساندة الديمقراطيين

بعدما أُقيل مكارثي، عانى مجلس النواب لأسابيع من فراغ تشريعي، وازدادت الانقسامات بين أعضاء المؤتمر الجمهوري. وقبل نحو 7 أشهر من انتخابات الرئاسة الأميركية 2024، تزداد الاضطرابات حدة في مجلس النواب.

واعتبرت كونداي أن إقالة جونسون، إذا حدثت، والاضطرار إلى خوض عملية اختيار رئيس جديد سيكون له تداعيات كثيرة في هذا "التوقيت الحرج". فبالإضافة إلى تشتيت الجهود قبل أشهر قليلة فقط من الانتخابات المقبلة، ترى كونداي أن من شأن ذلك أن يضر بالحزب الجمهوري، ويكسبه سمعة تلازمه لفترة طويلة بأنه منقسم وضعيف.

ولفت مكيري إلى أن لدى الديمقراطيين حافزاً أكبر لإنقاذ جونسون من أجل المساعدة على وضع اللمسات الأخيرة على الحزمة المقدمة لأوكرانيا وإسرائيل وتجنب مجلس النواب "المختل".

وقال إن إقالة جونسون تعني أنه لن يحدث أي شيء جوهري خلال الأسابيع القليلة المقبلة في مجلس النواب، ويرغب الديمقراطيون في تجنب ذلك، "في نهاية المطاف، لا يريد الديمقراطيون ولا أي جمهوري تقريباً رؤية جونسون يُعزل، لذلك من المحتمل أن يتمكن من البقاء في منصب رئيس البرلمان حتى نوفمبر القادم".

من جانبه، اعتبر تراجوت أن عزل جونسون من شأنه أن يجعل قدرة الجمهوريين على الحكم أكثر صعوبة، ويزيد اختلال مجلس النواب من حيث قدرته على تمرير التشريعات.

وقال تراجوت إن الديمقراطيين يمكنهم التفاوض لمساعدته، وانتزاع التنازلات مقابل أصواتهم، وخاصة فيما يتعلق بقضايا مثل المساعدات المالية لأوكرانيا.

ووصف بيك مظهر الجمهوريين، إذا حدث وعزلوا ثاني رئيس لهم من رئاسة المجلس، بأنه "سيئ للغاية". وقال بيك سيبدو أنهم منقسمون و"تافهون"، وجاذبون لجماعاتهم المتطرفة، وربما يعاقبهم الناخبون في الانتخابات المقبلة.

ورجح بيك أنه قد يكون لدى عدد كافٍ من الديمقراطيين حافزاً لإنقاذ جونسون من هذه "الورطة" واستغلالها لصالحهم "إذا بدا أنه لا يحصل على ما يكفي من الأصوات من حزبه للاحتفاظ بمنصبه. وقد يكون ترمب مهماً وفارقاً للغاية في هذه اللحظة الحرجة للجمهوريين"

تصنيفات

قصص قد تهمك