رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. "الورقة الأخيرة" ومفترق طرق حرب غزة

مخيم للنازحين الفلسطينيين في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. 29 يناير 2024 - Reuters
مخيم للنازحين الفلسطينيين في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. 29 يناير 2024 - Reuters
دبي-AWP

منذ أكثر من شهرين، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلوّح باجتياح رفح، معلناً أن القرار اتُخذ والجيش ينتظر الضوء الأخضر للبدء بالعملية العسكرية في المدينة التي نزح إليها أكثر من مليون و500 ألف فلسطيني.

ويرى محللون سياسيون وخبراء عسكريون أن نتنياهو يعتبر رفح ورقته الأخيرة لاستمرار الحرب على قطاع غزة بما يضمن بقاءه في الحكم، مشيرين إلى أنه يسعى منذ بداية الحرب للسيطرة على محور فيلادلفيا (محور صلاح الدين) ومعبر رفح ليفرض هيمنته على هذين الموقعين في المدينة الحدودية.

وتمثل مدينة رفح بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي ورقة ضغط على "حماس" لإبرام صفقة للإفراج عن المحتجزين لديها، إذ أن تحريرهم بالقوة العسكرية ليس بالأمر اليسير المضمون نجاحه، ويقول المحللون إنه يسعى كذلك في تكتيك العملية القادمة برفح لإنشاء منطقة عازلة شرق وجنوب المدينة قرب المناطق الحدودية، ودفع المواطنين للمناطق الغربية وتحديداً المواصي.

اللواء العسكري المتقاعد والخبير المصري سمير فرج، يرى أن إسرائيل تحاول إبعاد المواطنين والنازحين من وسط رفح وإنشاء منطقة عازلة شرق وجنوب المدينة جهة الحدود كونها تعتقد بوجود أنفاق في هذه المناطق.

وتابع فرج قائلاً لوكالة أنباء العالم العربي AWP: "إسرائيل تريد إبعاد النازحين لجهتي الغرب أو الشمال، تحديداً لساحل البحر المتوسط، ومن الممكن أن تنصب الخيام التي تحدثت عنها في هذه المنطقة، لتتمكن من الدخول لرفح والسيطرة على الأنفاق التي تعتقد بوجودها في هذه المنطقة".

وأضاف: "الجيش الإسرائيلي يريد إبقاء منطقة وسط رفح فارغة ليدخل ويضرب بمختلف أنواع الأسلحة ليحرّر المحتجزين، ويقضي على عناصر (حماس)، الذين يراهن نتنياهو على أنهم داخل الأنفاق".

وأشار الخبير العسكري المصري إلى الضغوط التي يواجهها نتنياهو من قبل أهالي المحتجزين الإسرائيليين، والذين يخرجون في مظاهرات مطالبين بالحرية لأبنائهم، وقال إنه يضغط بدوره على "حماس" من خلال ورقة رفح، ويريد كسب الوقت ورفع عدد الرهائن المفرج عنهم في أي صفقة جديدة "وفي الوقت نفسه يقلل الضغط عن نفسه".

وزاد: "نتنياهو يدرك أن تحرير الرهائن بالقوة لن ينجح، كما أن دخول رفح كارثة ومجزرة بحق مليون ونصف نازح داخل مساحة 8 كيلومترات. ولو دخل الجيش الإسرائيلي رفح لن يحصل على رهينة على قيد الحياة".

انتظار الضوء الأخضر

المحلل السياسي الأردني حمادة فراعنة، يرى أن لدى نتنياهو أهدافاً رئيسية لاجتياح رفح، أهمها تصفية قيادات "حماس" الذين يعتقد أنهم في رفح بعد أن اجتاح غالبية مساحة قطاع غزة ولم يجد قيادات ولا محتجزين".

وقال فراعنة لوكالة أنباء العالم العربي: "نتنياهو يراهن على أن الأسرى الإسرائيليين موجودين بمنطقة رفح، بالتالي يريد إطلاق سراحهم من دون صفقة تبادل".

وأضاف: "رغم وعود نتنياهو المتكرّرة للمصريين بعدم وصول العملية العسكرية للحدود، من الممكن ألا يلتزم بذلك، وأن يحاول السيطرة على منطقة معبر رفح أيضاً، وترحيل الفلسطينيين لسيناء".

ويعتقد فراعنة أن الجيش الإسرائيلي سيعمل أيضاً على إنشاء منطقة عازلة شرق رفح وجنوبها، وقال: "هدفه إنهاء الأنفاق، ويعتقد أنها متصلة ما بين الحدود الفلسطينية والمصرية، وبالتالي يعمل على السيطرة على المنطقة الحدودية ليمنع عمل أو استخدام أنفاق".

وتابع: "الهدف هو الفصل الكامل كما فعل بين حدود عامي 48 و67، كما أنه سيعمل على إعادة بناء سور له عمق في باطن الأرض ليحول دون حفر أي أنفاق مستقبلاً".

وعن إرسال مساعدات إنسانية للقطاع، أكد المحلل الأردني أن ذلك لن يتأثر، حتى لو تمت السيطرة على معبر رفح.

وقال: "منع دخول المساعدات مسألة  لم تعد واردة، حيث أن نتنياهو كان يستخدمها كورقة مساومة؛ لكن بعد السيطرة على غزة ومحاولات التهجير التي لا يزال يعمل على تنفيذها لم تعد عقدة المساعدات مهمة، بل ستصبح له مصلحة لتوفيرها ليحقق حالة الاستقرار".

وأضاف: "هدفه المركزي الآن اغتيال قيادات حماس وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين".

وقال اللواء نصر محمد سالم، الخبير العسكري والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية في مصر، إن الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر ليبدأ عمليته العسكرية في رفح.

وتابع قائلاً لوكالة أنباء العالم العربي: "الجانب الإسرائيلي ينتظر دعم وموافقة أميركية ليبدأ العمل في رفح، ونتنياهو لن يتراجع عن ذلك، فهي ورقته الرابحة كما يراها ويراهن من خلالها للانتقام من قادة حماس".

وأضاف: "اجتياح رفح سيخلّف خسائر كبيرة، حيث أن أكثر من مليون و500 ألف نازح يوجدون في هذه المدينة الحدودية".

عناء النازحين "يزداد سوءا"

في آخر تحديث بشأن التوزيع الجغرافي للنازحين، قال مدير عام  المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة، إن 700 ألف نسمة يوجدون في محافظتي غزة والشمال، و450 ألف نازح في المحافظة الوسطى، بينما يوجد 50 ألف نازح في خان يونس، ومليون و200 ألف نازح في محافظة رفح جنوب قطاع غزة.

وأضاف الثوابتة في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي: "الأرقام السابقة قد تتغير يومياً بنزوح عائلات وأسر من محافظة إلى أخرى، ولكن هذه التنقلات لا تعمل على تغيير الواقع الميداني للنازحين، فالمعاناة مستمرة بل وتزداد سوءاً مع مرور الأيام".

وتابع قائلاً: "التساؤلات بشأن كيف ستدخل المساعدات بعد بدء الاحتلال عمليته العسكرية برفح، وهل لهذا السبب تم فتح معابر الشمال، وكذلك مدى تأثر عمل الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) في توزيع المساعدات على النازحين، تبقى تساؤلات افتراضية طالما لم تحدث أي عملية عسكرية برفح".

وأردف: "يلوّح جيش الاحتلال منذ شهور بنية وتهديدات بمهاجمة واجتياح محافظة رفح، ما ينذر بوقوع كارثة حقيقية ومجزرة عالمية قد تُخلِّف عشرات آلاف الضحايا والجرحى في بضعة أيام".

وحذّر من اجتياح رفح، ووصف هذا بأنه سيكون "ضرباً من الجنون، وتجاوزاً لكل الخطوط الحمراء، وعلامة تاريخية فارقة من حيث الاعتداءات المتواصلة" منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي.

وحمَّل الثوابتة الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي والجيش الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن أي "كارثة" أو "مجزرة" قد تحدث في رفح، مطالباً مجلس الأمن الدولي بتحمُّل مسؤولياته "ووقف أي جريمة قد يرتكبها الاحتلال من خلال اجتياح رفح".

كما طالب بإلزام إسرائيل "بوقف حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين والأطفال والنساء في قطاع غزة، ووقف القتل المتعمد ضد عشرات آلاف الفلسطينيين، ووقف التهديدات المستمرة ضد محافظة رفح وغيرها من المحافظات".

خيارات النزوح

تعد منطقة المواصي أحد الخيارات لتوجه النازحين في حالة بدء العملية العسكرية برفح، وتقع على الشريط الساحلي الفلسطيني للبحر المتوسط جنوب غرب قطاع غزة، وتبعد عن مدينة غزة بنحو 28 كيلومتراً.

وتمتد بطول 12 كيلومتراً وعرض نحو كيلومتر واحد جنوب شرقي وادي غزة من دير البلح شمالاً حتى رفح  جنوباً، مروراً بمحافظة خان يونس. 

وتمثل مساحة المواصي الإجمالية نحو 3% من مساحة قطاع غزة. وهي تنقسم إلى منطقتين متصلتين جغرافياً، تتبع إحداهما محافظة خان يونس، وتقع في أقصى الجنوب الغربي من المحافظة، في حين تتبع الثانية محافظة رفح، وتقع في أقصى الشمال الغربي منها.

وحذر زاهر جبارين، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، والقائم بأعمال رئيس الحركة في الضفة الغربية، من تداعيات أي عملية عسكرية في رفح.

وقال جبارين لوكالة أنباء العالم العربي، إن الولايات المتحدة ستكون "شريكاً كاملاً في مجزرة رفح؛ لأنها عطلت قرارات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، وأعلنت أن قرار مجلس الأمن الأخير غير ملزم، وهذا أعطى العدو مزيداً من الحرية في استمرار جرائمه وقتله".

وأضاف: "ملف أسرى العدو لن يكون بعيداً عن تداعيات المذبحة التي سيقوم بها في رفح، وتداعيات عملية رفح السياسية والإنسانية ستكون أكبر من ملف الأسرى والتبادل، وسيتحول ملف الأسرى لقضية هامشية وثانوية".

وأشار جبارين إلى أن إسرائيل ستعلن إذا حدث ذلك الاجتياح الاحتلال الكامل لقطاع غزة، محذراً من أن "التداعيات السياسية لذلك على اتفاق الحرب مع الولايات المتحدة الأميركية وعلى العلاقة مع مصر، وعلى مجمل المنظومة الرسمية العربية ستكون كبيرة".

واستطرد: "فيما يتعلق بالصعيد الإنساني في حال تم اجتياح رفح، سنكون أمام مشهد دموي لا يقل عن المشاهد الدموية التي قام بعد العدو في الحرب الحالية". 

تصنيفات

قصص قد تهمك