اصطياد الجواسيس.. بريطانيا وألمانيا في مواجهة الصين

علم الصين في أحد شوارع العاصمة بكين  - REUTERS
علم الصين في أحد شوارع العاصمة بكين - REUTERS
دبي-الشرق

اتهمت بريطانيا وألمانيا  6 أشخاص بالتجسس لصالح الصين، في جولة جديدة لمحاولة التصدي للنفوذ الصيني في أوروبا.

وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بأن حالات التجسس في بريطانيا وألمانيا هي الأولى من نوعها في البلدين، اللذين كانا يتمتعان بعلاقات دافئة مع بكين، وتبدو كعلامات تعجب كبيرة. 

ولفتت الصحيفة إلى أن المتهمين الستة، اثنان في بريطانيا وأربعة في ألمانيا، أحدهم شاب بريطاني معروف بآرائه المتشددة تجاه بكين ويعمل كمساعد لعضو بارز في البرلمان البريطاني، وآخر مواطن ألماني من أصل صيني، كان مساعداً لعضو في البرلمان الأوروبي يمثل اليمين المتطرف في ألمانيا.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد وقت قصير من إعلان المسؤولين البريطانيين والألمان أن ستة من مواطنيهم متهمين بالتجسس، داهمت السلطات الهولندية والبولندية، الأربعاء، مكاتب شركة موردة للمعدات الأمنية الصينية كجزء من حملة يشنها الاتحاد الأوروبي على ما يصفه بـ "الممارسات التجارية غير العادلة". 

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، قانوناً جديداً يهدف "لمكافحة الدعم الأجنبي للأمر بمداهمة شركة صينية". 

وفي أوائل أبريل، طردت السويد صحفياً صينياً كان مقيماً في البلاد لمدة عقدين من الزمن، قائلة إنه "يشكل تهديداً للأمن القومي للبلاد".

ونقلت الصحيفة عن إيفانا كاراسكوفا، وهي باحثة تشيكية في مؤسسة الشؤون الدولية، وهي مجموعة بحثية مستقلة في براغ، والتي كانت تعمل حتى مارس كمستشارة للمفوضية الأوروبية بشأن الصين، قولها إنه "بعد سنوات من الخلافات المنتظمة حول التجارة، والتي كانت تعقبها مصالحات، يبدو أن صبر أوروبا تجاه الصين قد نفد". 

وأضافت كاراسكوفا: "لا تزال بكين تحظى بأصدقاء مخلصين في الاتحاد الأوروبي، لا سيما المجر، في لعبة الشطرنج متعددة الأبعاد بين أكبر اقتصادين في العالم بعد الولايات المتحدة"، مشيرة إلى أن أوروبا انتقلت من موقف الإنكار التام للخطر الذي تشكله عمليات التجسس والتأثير الصيني إلى تبني وجهة نظر أقل سذاجة، والرغبة في الدفاع عن المصالح الأوروبية في مواجهة بكين. 

اختراق الديمقراطية

وتسببت الاتهامات التي وُجهت للصين، الأسبوع الماضي، بأنها تستخدم جواسيس لاختراق العملية الديمقراطية في ألمانيا وبريطانيا والتأثير عليها في إثارة قلق خاص، إذ أنها تشير إلى وجود رغبة لدى بكين في التوسع إلى ما هو أبعد من الحيل المعروفة المتعلقة بالأعمال التجارية، واستخدام التدخل السياسي السري، وهو أمر كان يُنظر إليه سابقاً إلى حد كبير على أنه تخصص روسي. 

ولكن، وفقاً لخبراء صينيين، لا تشير تلك الاتهامات إلى أن بكين باتت تكثف عمليات التجسس، بل إلى أن الدول الأوروبية هي مَن باتت تصعد ردها على تلك العمليات. 

وفي الأشهر الأخيرة، أصبح وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون منتقداً صريحاً للصين، إذ قال خلال زيارة إلى واشنطن، في ديسمبر: "لقد تغيرت الكثير من الحقائق"، معلناً أن "بكين باتت تشكل تحدياً يحدد شكل هذا العصر". 

ويعكس تغيير رأي كاميرون تحولاً أوسع نطاقاً في معظم أنحاء أوروبا في المواقف تجاه القوة العظمى الصاعدة التي لطالما اعتمدت على الدول الأوروبية، خاصةً ألمانيا، للرد على ما تصفه بـ "الضجيج المناهض للصين" الذي يصدر من واشنطن. 

تحذير ألماني

وقد حذر جهاز الأمن الألماني علناً من خطر الوثوق في الصين منذ عام 2022، عندما قال رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية توماس هالدينوانج للبرلمان، بعد وقت قصير من بدء روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا، إن "موسكو هي مجرد عاصفة، لكن الصين هي تغير المناخ نفسه". 

وقالت الوكالة الألمانية، في تحذير علني غير معتاد الصيف الماضي: "لقد كثفت قيادات الدولة والحزب في الصين من جهودها بشكل كبير في السنوات الأخيرة للحصول على معلومات سياسية مهمة، والتأثير على عمليات صنع القرار في الخارج". 

ومع ذلك، كانت القيادة السياسية في ألمانيا تتصرف بشكل مبهم حتى هذا الأسبوع، إذ قام المستشار أولاف شولتز مؤخراً بزيارة إلى الصين، أكبر شريك تجاري لبرلين، لمناقشة التجارة والوصول إلى الأسواق. 

وقدمت وزيرة الداخلية الألمانية، الأسبوع الماضي، تقييماً صريحاً لأنشطة الصين، إذ قالت الوزيرة نانسي فيزر: "ندرك الخطر الكبير الذي يشكله التجسس الصيني على الأعمال والصناعة والعلوم، وننظر عن كثب إلى هذه المخاطر والتهديدات، وأصدرنا تحذيرات واضحة ورفعنا مستوى الوعي حتى يتم زيادة إجراءات الحماية في كل مكان"، وهي الاتهامات التي رفضتها وزارة الخارجية الصينية باعتبارها "افتراء وتشويهاً لبكين لا أساس له من الصحة"، مطالبة ألمانيا "بالتوقف عن الضجيج الخبيث" و"وقف الدراما السياسية المناهضة للصين". 

تجسس اقتصادي

ويبدو أن ثلاثة من الأشخاص الأربعة الذين تم القبض عليهم في ألمانيا، الأسبوع الماضي، وهم زوج وزوجة ورجل آخر، متورطون في التجسس الاقتصادي باستخدام شركة تدعى "Innovative Dragon" لنقل معلومات حساسة حول أنظمة الدفع البحرية الألمانية، ذات القيمة الكبيرة للقوة عظمى التي تقوم ببناء قواتها البحرية، كما استخدموا الشركة لشراء ليزر عالي الطاقة مزدوج الاستخدام، وقاموا بتصديره إلى الصين دون إذن. 

أما الشخص الرابع، والذي وصفه ممثلو الادعاء بأنه يمثل "قضية خطيرة بشكل خاص"، فهو جيان جو، وهو رجل صيني-ألماني متهم بالعمل في وزارة أمن الدولة الصينية، وكان يعمل كمساعد لماكسيميليان كراه، عضو البرلمان الأوروبي وأبرز مرشحي حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف في الانتخابات المقررة في يونيو المقبل. 

ومنذ ذلك الحين، بدأ المدعي العام في دريسدن تحقيقاً في مدى معرفة كراه بعلاقات مساعده بالصين، فيما قرر حزبه، الأربعاء، الاستمرار في دعم محاولة إعادة انتخابه لعضوية البرلمان الأوروبي، لكنه لم يقم بدعوته لحضور التجمعات الخاصة بالحملة الانتخابية. 

زيارة صينية

وعندما يسافر الرئيس الصيني شي جين بينج إلى أوروبا، في مايو، لن يسافر إلى ألمانيا وبريطانيا، بل سيزور المجر وصربيا، آخر حليفين قويين للصين في القارة، وكذلك فرنسا. 

وقال الخبير البريطاني في شؤون الصين مارتن ثورلي إن قضايا التجسس دقت ناقوس الخطر بشأن الأنشطة الصينية في أوروبا، لكنها لم تكن سوى جزء صغير من الجهود التي تبذلها بكين لكسب النفوذ والمعلومات.

وأضاف أن الأمر الأكثر أهمية من فكرة التجسس التقليدي هو استخدام الصين لشبكة كامنة من الأشخاص الذين لا يعملون بشكل مباشر في وزارة أمن الدولة لكنهم، لأسباب تجارية وغيرها، عرضة لضغوط الحزب الشيوعي وفروعه التي لا تعد ولا تحصى. 

وقد تم القبض على الرجلين المتهمين في لندن بالتجسس لصالح الصين، كريستوفر كاش، 29 عاماً، وكريستوفر بيري، 32 عاماً، في مارس من العام الماضي، ولكن تم إطلاق سراحهما بكفالة ولم يتم الكشف عن اسميهما علناً حتى توجيه الاتهام إليهما رسمياً الأسبوع الماضي. 

وكان كاش باحثاً برلمانياً له صلات بحزب المحافظين الحاكم ومديراً سابقاً لمجموعة أبحاث الصين، وهي هيئة غالباً ما تتبنى وجهات نظر متشددة بشأن بكين وتذيع بودكاست (مقاطع بث صوتي) لمنتقدي التدخل الصيني. 

انتهاك الأسرار

وفي بيان صدر الأسبوع الماضي، قالت شرطة العاصمة لندن إن كاش وبيري، متهمان بانتهاك قانون الأسرار الرسمية وقدما معلومات "يُقصد بها أن تكون مفيدة للعدو، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر"، مضيفة أن "الدولة الأجنبية التي تتعلق بها الاتهامات المذكورة أعلاه هي الصين". 

وقال بيتر همفري، وهو مواطن بريطاني اتهمته الصين بالحصول على معلومات بشكل غير قانوني أثناء قيامه بالعمل لصالح شركة الأدوية "جلاكسو سميث كلاين"، وأمضى عامين في سجن شنجهاي مع زوجته: "لقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً للغاية للاستيقاظ، لكننا أصبحنا أخيراً نرى بعض التحرك". 

وكان همفري يعاني من مرض السرطان في السجن عندما زار كاميرون شنجهاي في عام 2013 مع وفد من رجال الأعمال البريطانيين، ويتذكر قائلاً: "كان الأمر مقززاً، فلا أحد في المستويات العليا من الحكومة البريطانية يريد أن يسمع كلمة سيئة عن الصين بسبب المصالح التجارية بين البلدين". 

تصنيفات

قصص قد تهمك